كتاب السفير
الإمارات العربية تتدخل في الشأن الديني بالدول الأروبية
السفير 24 / الدنمارك: ذ. البشير حيمري
إن تصريحات برنار كودار الملقب بإسلام فرنسا والذي هو موظف سامي بوزارة الداخلية الفرنسية في البرنامج الإذاعي بالأمس، تدفعنا للكشف عن الكثير من المعطيات التي بدأت تظهر للعيان، وهو الذي رفض بصريح العبارة كل تدخل أجنبي في شؤون فرنسا، وعندما يؤكد هذا يعني لا ينظر بعين الرضَى لما أصبحت تقوم به الإمارات العربية المتحدة، والتي تتدخل فيما لا يعنيها عندما تتطاول على شؤون دول أروبية، ومن بينها فرنسا التي تعيش على أراضيها جاليات مسلمة، بدافع محاربة التطرف، الذي جعله من أهداف المجلس العالمي للمجتمعات الإسلامية.
في أي إطار سيتدخل هذا المجلس في شؤون أقليات مسلمة تعيش في أروبا، والتي قال عنها رئيس المجلس العالمي للمجتمعات الإسلامية، بأنها تعاني من مشكلة حقيقية في الإندماج “رواحي يا ما نوريك دار خوال”، وأن ظاهرة التطرف التي أصبح عليها مسلمو أروبا هي التي ولدت ظاهرة الإسلاموفوبيا والكراهية، ونسي أن مصدر التطرف هو الشرق الأوسط والفكر الوهابي.
وعندما ينتقد المسلمين بعدم الإندماج، ويريد أن يعطيهم الوصفة المساعدة من خلال إعادة النظر في برامج التعليم، فإن هذا تدخل سافر في شؤون الدول، ليس ذلك فقط، فهو يدعو لاندماج المسلمين في الدول التي يعيشون فيها ودعم حقوقهم، وهو بذلك يتسم بالإزدواجية في الخطاب، نسي أن كل الدول لم تهمل مسألة الإندماج وأن العديد من المواطنين المسلمين نجحوا في ميادين عديدة وأصبحوا يتحملون مسؤوليات حكومية في العديد من الدول الأروبية، وهذا هو مقياس الإندماج الحقيقي، ثم يعود من جديد ليطرح مسألة المواطنة، ويدعو المسلمين للولاء للبلدان التي يعيشون فيها، ويريد مرة أخرى أن يعطي دروسا للأجيال التي ازدادت في أروبا، بأن تدين بالولاء لبلدان الإقامة وهي أصلا لا يربطها أي رابط ببلدان أجدادها، لأن الهجرة إلى أروبا تجاوزت أربعة أوخمسة عقود.
وعندما يتحدث عن الدولة الوطنية، ويقول بأنها هي المؤهلة لتجمع الجميع، ويعتبر لتحقيق ذلك لابد من أنظمة تعليمية ترسخ مفهوم الوطنية، ويتحدث مرة أخرى على مفهوم التعدد والتعايش ويستعمل مصطلح حوكمة الشؤون الدينية، ولا أدري ماذا يقصد بذلك، هل يقصد أن يدخل مجلس المجتمعات الإسلامية الذي يرأسه شريكا في تدبير الشأن الديني في أروبا، وفي وضع برامج جديدة للتعليم لتحقيق الإندماج ومحاربة التطرف، ويدعو لكي يساير رجال الدين الزمان والمكان ويحافظوا على الإسلام الذي ورثوه، وهو بذلك يتناقض مع نفسه ويغلق باب الإجتهاد الذي نحن في أمس الحاجة إليه، وهو ضد الإسلام المستورد، وفي نفس الوقت يدعو للحفاظ على الإسلام الذي ورثناه عن أجدادنا وهذا خطاب مزدوج مرة أخرى.
ثم يتحدث عن تجديد الخطاب الديني في الغرب والحاجة الماسة لتقديم مايناسب الأجيال المزدادة في الغرب، من خلال تغيير المناهج التعليمية، وإعادة تدبير الشأن الديني والتأكد من خطاب الأئمة، وضرورة مواكبة الإعلام لذلك والإبتعاد عن تسييس الدين.
إن خطاب رئيس مجلس المجتمعات المسلمة في العالم، يحمل رسائل ملغومة للدول الأروبية التي تعتبر ذلك تدخل في شؤونها وفي شؤون مواطنيها، ولن تقبل بسياسة الإملاءات ولا إعطاء دروس في المواطنة والولاء.
في الحقيقة هم مصدر الإرهاب والتطرف، لأن الفكر الوهابي ورد من المشرق، وقيم التسامح والتعايش الذي يتحدث عنها ويريد تلقينها للمسلمين في أروبا من خلال برامج تعليمية، هو تدخل سافر في شؤون دول، تسعى لتحقيق الإندماج الذي تريد لكل الأجيال المزدادة على أراضيها، ولن تقبل بأي مجلس ولا أي جهة التدخل في شؤون التعليم ولا في تدبير الشأن الديني، وعندما يدعو لتسويق النموذج الروسي في التدين لأنه يلح على التسامح والتعايش ونسي أن الغالبية من الذين يعيشون في أروبا هم من أصول مغاربية وإفريقية، فهو يقلل من قيمة النموذج المغربي في التدين المبني على الوسطية والإعتدال.
في اعتقادي أن مجلس المجتمعات الإسلامية يستهدف بمشروعه النموذج المغربي للتدين في غياب جاليات تنتمي للإمارات أودول خليجية أخرى في أروبا، وفي تدخله في شؤون الأقليات في أروبا من وجهة نظره وهي مختلفة عن وجهة دول الإقامة الذين تعتبر المسلمين على أراضيها مواطنين لافرق بينهم وبين المواطنين الأصليين، ومن هنا يتبين المخطط الذي تحدثت عنه بعد اللقاءات المشبوهة التي تعقد في بعض الدول الأروبية ومن بينها الدنمارك.
في الحقيقة مشروع قانون الذي تقدمت به الأحزاب الدنماركية أمام البرلمان، هو مشروع متقدم سيضع حدا لتدخل جهات خارجية في شؤون الأقليات المسلمة وبالخصوص تدبير الشأن الديني.