أقلام حرة

زهرة عز ..لبؤة الرواية المغربية

le patrice

د. علي بولعلام

بنفس إبداعي متميز، نحتت الأديبة المغربية زهرة عز مسارا روائيا وقصصيا في دروب الإنتاج والتصنيف، مجسدة بذلك، لبؤة الرواية المغربية، ذلك الحلم السرمدي الذي لازمها منذ نعومة أظافرها تهفو من خلاله إلى نسج خيوط الحياة عبر التماهي مع طقوس الكتابة، تحدوها رغبة أكيدة لممارسة فعل البوح الوجودي عبر مساءلة لولبية للتاريخ ومنعرجاته، والسعي الحثيث صوب رصد البياضات العاكسة لتضميناته والانزياح عن تمويهاته ذات الصدى التعييني، فكان التألق حليفا للممارسة الإبداعية للأديبة العصامية الوافدة من حقل الصيدلة، لتقع بين فكي نسق مزدوج تؤثته الانتاجات الرائدة ذات البعدين الروائي والقصصي.

وليمة لأعشاب الحلم، سرير الألم، ومرآة خبز وقمر، حلقات متواصلة لكتابة واشمة لطرق الحكي لدى الأديبة زهرة عز، تجاسرت كلها داخل بنية إبداعية متراصة، تنبعث من ثنايا المسافة الفاصلة بين الألم والأمل، ممتطية في لملمة تلابيبها لعبة الحكي السردي وفق توليفة لغوية محبوكة، وأسلوب حكائي تشويقي يمتح من عمق الوصل التاريخي، وينجذب في الآن نفسه لمحاولة عيش في مفاصل واقع مرير تشم من ثناياه رائحة الرغبة في تشكيل رؤية لعالم الكاتبة الخاص عبر امتطاء وضعية شخوص متعددة تتراقص داخل رقعة الحكي والقص، تنجلي خيوطها بعدما تتبدد أمامها أحلام يقظة تسكن هواجس أنثى ضد أنوثة حاملة لبذرة ذكورية تنأى بها عن أفقها المأمول.

السيل الجارف من الأحداث عبر تجلياته المتعددة، والكثافة الرمزية للتدافع الحضاري والتلاقح الثقافي تتشكل عبره أهم التيمات المؤطرة للأعمال الأدبية للبؤة الرواية المغربية، حيث تتعقب فحول المشهد الفكري عبر الأزمنة والعصور، علها تجد خيطا ناظما لبلورة منصة قيمية، قد تسعفها في إعادة طرح سؤال الكينونة الوجودية، مستلهمة الدلالات والإشكالات الرشدية من خلال المنتدى العالمي للفلسفة والتنوير، والعودة للذات قصد تخليصها من خفافيش الظلام، ووعيها التام بأن الأفكار لاتموت رغم خضوعها لجدلية الخفاء والتجلي، وتساوقها داخل أزمنة التاريخ التي تنتابها محن ونكبات تطال رموز الفكر والثقافة.

تجول الكاتبة المبدعة من خلال استحضارها لمخيال اجتماعي جغرافية الوطن، تعيد عبر تمثلاته الثقافية إعادة إنتاج وقائع وأحداث مفترضة، مستحضرة شهامة الأبطال ورموز الكفاح وشجاعة الأجداد والجدات في صد المستعمر الغاشم، تتخلل هذه النشوة البطولية تيمة المرأة المتعبة بهيمنة ذكورية، وضنك العيش في دوامة عنف رمزي سائل يتجدد باستمرار، بقدر معاناتها داخل أمكنة تتهدد قاطنيها بالرحيل عبر حيوات متجاورة، والبحث عن لذة الحياة داخل حلم تؤتثه الأموات، لم يكن اللقاء حارا، آهات وأنين وانبعاث للأمل لحظة لتعود سمفونية الخطيئة الكبرى لتقض مضجع المهمشين والمحرومين والمقهورين والمهدورين، ذلك هو ديدن سرير الألم في امتداداته وتعالق تيماته المتنوعة حيث تتداعى كل الشرور لتنفلت قيمة الأمل من قمقم الحياة.

هذه إطلالة خاطفة على المسار الإبداعي للأديبة زهرة عز من خلال روايتها الآسرة سبكا وحبكا، لتنضاف لباقي أعمالها الأدبية المتميزة، مشكلة بذلك وجبة إبداعية دسمة استشعرت أرض الكنانة منسوب لذتها لتتوجها بجائزة تكريمية بتاريخ 17 أكتوبر 2018 من طرف وزير الثقافة الأسبق الدكتور شاكر عبد الحميد رئيس مهرجان الكتاب والاعلاميين الشباب، تعكس في طياتها جودة الحكي والقص الواشم للقلم الذهبي للبؤة الرواية المغربية.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى