الجامعة في قبضة النفوذ السياسي: الأستاذ النافذ يضغط والعميد يرضخ والوزير يتوارى
الجامعة في قبضة النفوذ السياسي: الأستاذ النافذ يضغط والعميد يرضخ والوزير يتوارى

السفير 24
تشهد الجامعة المغربية في السنوات الأخيرة تداخلاً مقلقاً بين الحقل الأكاديمي والمجال السياسي، حيث أصبحت بعض مواقع التعليم العالي مرتعاً لتقاطع المصالح، ووسيلة ضغط في يد أساتذة جمعوا بين الوظيفة الجامعية والمسؤولية السياسية، بما يهدد استقلالية القرار البيداغوجي، ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص داخل الحرم الجامعي.
لقد أصبحت المزاوجة بين المهام الأكاديمية والمكانة السياسية ظاهرة بارزة في عدد من الجامعات، حيث يستغل بعض الأساتذة نفوذهم السياسي للضغط على عمداء الكليات ورؤساء الجامعات، بل وحتى على الوزارة الوصية.
وفي هذا السياق، أضحى العميد ـ الذي يُفترض أن يكون مسؤولا أكاديميا ذا سلطة تنظيمية ـ مجرد منفذ لإملاءات تُفرض عليه من خارج أسوار الكلية، تحت تهديدات ناعمة أو مباشرة من “أساتذة نافذين” لا يجرؤ أحد على مساءلتهم، بمن فيهم الوزير، إن لم نقل رئيس الحكومة نفسه.
وتتجلى إحدى أبرز مظاهر هذا التداخل غير المشروع في عدم نشر لوائح الأساتذة المكلفين بالحراسة خلال امتحانات الإجازة في بعض المؤسسات، بدعوى تفادي الإحراج أو التستر على غياب أسماء معروفة بانشغالاتها السياسية أو النقابية. وقد تحوّلت هذه الامتحانات، التي ينبغي أن تكون لحظة للتقويم والمساءلة، إلى ساحة لإعادة إنتاج اللامساواة داخل الهيئة التربوية نفسها، حيث يعفى البعض من أداء الواجبات دون سند قانوني، بينما يُثقل كاهل أساتذة آخرين بأعباء إضافية.
وفي ظل هذا الوضع المختل، يصبح التساؤل مشروعا حول مدى التزام هؤلاء “الأساتذة السياسيين” بمهامهم البيداغوجية، وعن مدى تأثير حضورهم السياسي على جودة التكوين الجامعي، خصوصا أن الكثير منهم غائب عن البحث العلمي، وغير منخرط فعليا في تأطير الطلبة أو المساهمة في الأوراش الإصلاحية للجامعة. هذا الواقع يطرح بإلحاح ضرورة مراجعة الإطار القانوني الناظم لوظيفة الأستاذ الجامعي، من خلال فرض اختيار واضح بين المسار الأكاديمي والمسؤولية السياسية، حفاظاً على هيبة الجامعة، وضماناً للعدالة المؤسساتية بين أفراد الهيئة التعليمية.
ومن جهة أخرى، لا يمكن التغاضي عن هشاشة موقع العميد ورئيس الجامعة داخل هذه المعادلة. فبدل أن يكونا في صلب القرار التربوي والإداري، أصبحا في كثير من الحالات رهينين لتوازنات تحكمها المصالح والنفوذ، وهو ما يؤدي إلى شلل مؤسساتي يجعل الجامعة عاجزة عن تنزيل الإصلاحات الضرورية، أو حتى حماية نفسها من مظاهر التسيب والزبونية.
إن الجامعة المغربية اليوم، بحاجة ماسة إلى تحصين استقلاليتها، وإلى تفعيل آليات رقابة ومساءلة شفافة، قادرة على وضع حد لهذا التداخل الخطير بين الأكاديمي والسياسي. كما أن إعادة الاعتبار للمهام التعليمية والبحثية، تتطلب إرادة سياسية قوية تقطع مع ازدواجية المواقع، وتعيد الجامعة إلى وظيفتها الحقيقية كمشتل للمعرفة ورافعة للتنمية، لا كبوابة خلفية لتصفية الحسابات أو تعزيز المواقع الانتخابية.
فالرهان اليوم ليس فقط على جودة التعليم، بل على كرامة الجامعة، وهيبتها، وحيادها.