الجامعة التي تنهشها السمسرة.. عندما تتحول الكليات إلى مقاطعات مغلقة يديرها “بارونات أكاديميون”
الجامعة التي تنهشها السمسرة.. عندما تتحول الكليات إلى مقاطعات مغلقة يديرها "بارونات أكاديميون"

السفير 24
في قلب مؤسسات التعليم العالي، التي يُفترض أن تكون معاقل للعلم والحرية الأكاديمية، تتسلل ممارسات لم تعد خافية على أحد، تشبه في بنيتها وحساباتها شبكات نفوذ أكثر منها إدارات تربوية. فبعض الكليات اليوم لا تُدار بروح أكاديمية ولا بمنطق الكفاءة، بل وفق معادلات مغلقة تُنسج خيوطها داخل مكاتب العمداء وأروقة التنسيق، حيث تباع وتُشترى الفرص، وتُطبخ لوائح المقبولين في سلكي الماستر والدكتوراه، بعيدًا عن قاعات المباريات وملفات الترشح.
ليس سرًّا أن بعض عمداء الكليات أصبحوا بمثابة “أمراء مناطق جامعية”، يوزّعون الغنائم على مقاس الولاء، ويحتكرون سلطة القرار بغطاء إداري هش، يجعلهم فوق أي محاسبة. هؤلاء لا يُخفون علاقاتهم المريبة مع بعض الأساتذة المحظوظين، الذين تحوّلوا إلى وسطاء فعليين في “سوق النقط” و”عقود التسجيل” و”امتيازات الإشراف”، داخل منظومة أصبحت فيها مفردات مثل “المقابل”، و”القرب”، و”الحماية”، أكثر تداولا من “الاستحقاق” و”البحث العلمي”.
في بعض الكليات التي باتت تُعرف بين الطلبة بأسامي رمزية، مثل “كلية كلومبيا” ، تروج حكايات تُهمس في المقاهي والأروقة عن طالبات يُنتقين بعناية فائقة، لا لمهاراتهن البحثية، بل لأنهن ينسجْن علاقات مريبة مع منسقي التكوينات، ومنهم من لا يتردد في استعراض “قائمته الخاصة” من الأسماء المفروضة على اللجان. هناك، يتقاطع النفوذ الذكوري بالمصلحة الإدارية، ليتحول سلك الماستر إلى واجهة باذخة لمن لا يستحق، وسلك الدكتوراه إلى مشروع شخصي لمن يدفع أو يطيع أو يقدّم الولاء.
أما التوظيف داخل بعض الكليات، فقد بات يُدار كأنه امتياز يُمنح في إطار “صفقات سياسية أكاديمية”، حيث تحضر أسماء المقرّبين، وتُبرمج مباريات على المقاس، في تكرار فجّ لسيناريوهات تطبعها الرداءة والتواطؤ. ولا عجب أن تجد زوجة أستاذ ضمن المقبولين في مسلك ينسقه صديقه، بينما يُقصى الأكفأ بدعوى “عدم توفر المقاعد” أو “ضعف المشروع”.
المثير أكثر أن هذه الممارسات تتم أحيانًا تحت رعاية مسؤولين مركزيين سابقين، بعضهم تقاعد أو غادر المنصب، بعد أن ترك وراءه شبكة من الأتباع والمستفيدين، ممن يواصلون تسيير الكليات بمنطق الغنيمة والتستر المتبادل. وهنا يكفي التلميح لا التصريح، لأن الأسماء معروفة داخل الأوساط الجامعية، ومنهم من ارتبط اسمه بمحطات مشبوهة توثق لسنوات من “البيع والشراء” في الشهادات والمناصب.
نحن أمام واقع لا يستقيم فيه الحديث عن إصلاح التعليم العالي ما دامت هذه المافيات الأكاديمية تنشط تحت الحماية، وتتكاثر في ظل غياب الجرأة على كشفها ومحاسبتها. ولأننا نؤمن بأن الوقت حان لقول الحقيقة دون مواربة، نعلن للرأي العام الجامعي والوطني أننا بصدد إعداد ملف متكامل بالأسماء، والوثائق، والحجج، وسننشره في الوقت المناسب.
ليس ابتزازًا، ولا بحثًا عن الإثارة، ولا تبنديقًا لأي جهة. بل تعبير عن مسؤولية صحفية وأخلاقية تقتضي كشف الحقائق كما هي، وفَضح من حوّل الجامعة إلى حقل فاسد تُزرع فيه المحسوبية وتُجنى منه الشهادات، كما تُجنى الصفقات.
المعركة مستمرة… وسنكتب بالتفصيل عن أشباه “قيلش” في حينها، وبالوثائق، وبما لا يدع مجالًا للشك. لأننا ببساطة، لا نخشى الحقيقة.
يتبع…