في الواجهةكتاب السفير

ندرة المياه بالمغرب: الأزمة الأسوأ والأخطر!

ندرة المياه بالمغرب: الأزمة الأسوأ والأخطر!

le patrice

السفير 24 – بقلم: اسماعيل الحلوتي

      في الوقت الذي مازال فيه المغاربة يعانون من أزمة الغلاء، وتعيش خلاله الساحة التعليمية حالة احتقان شديد، حيث الاحتجاجات والإضرابات تشل مؤسسات التعليم العمومي منذ 5 أكتوبر 2023 الذي تزامن مع اليوم العالمي للمدرس، دون أن تكون المفاوضات بين الحكومة والنقابات التعليمية “الأكثر تمثيلية” وما وصلت أليه من مخرجات حول تجميد النظام الأساسي الجديد وزيادة في أجور الشغيلة التعليمية وغيرها، قادرة على احتواء الوضع المأزوم وإعادة الأساتذة إلى حجرات الدرس، لتدارك زمن التعلمات الضائع لأكثر من سبعة مليون تلميذة وتلميذ.

      أبى رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن يستغل فرصة حضوره في جلسة الأسئلة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، المنعقدة يوم الثلاثاء 19 دجنبر 2023 بمجلس المستشارين، للتعليق على أزمة التعليم التي تشهدها بلادنا بالقول إنه “لا يمكن القبول بأن يصبح أبناء المغاربة رهائن” وأضاف بأن حكومته قدمت كل ما في وسعها من أجل إنهاء الأزمة، مؤكدا على أن الأمر لا يتعلق فقط بمسؤولية الحكومة، وإنما يتقاسمها معها الآباء والمواطنون والجميع في ظل دولة المؤسسات، ولاسيما أن الزيادات التي منحت للأساتذة كان الهدف منها تصحيح وضعيتهم والنهوض بمستوى المتعلمين من أبناء الشعب…

      ثم لم يلبث أن حذر المغاربة في ذات الجلسة من الخطر القادم والمتمثل في حدوث أزمة أخرى وشيكة ستكون أسوأ وأخطر بكثير من أزمة قطاع التعليم وغيره، وهي أزمة المياه التي تدق ناقوس الخطر بعد دخول المغرب في السنة الخامسة من الجفاف بسبب ما بات يشهده من قلة التساقطات المطرية، مما ستضطر معه السلطات العمومية إلى اتخاذ إجراءات صارمة في الفترة المقبلة، في محاولة منها للتعامل مع الوضع الجديد، مشيرا في هذا السياق إلى قرب كشف وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة عن الإجراءات المزمع اتخاذها عن كيفية تسيير المياه مستقبلا، وعلى رأسها ترشيدها والتقليل من استهلاكها، خاصة أن الوضع الحالي يحرم المزارعين من المياه ويؤثر على الفلاحة. 

      وليس هذا التحذير هو الأول من نوعه الذي صدر عن رئيس الحكومة، فقد سبق له تحذير المغاربة في السنة الماضية من أزمة صناديق التقاعد، التي تستدعي في نظره حلا سريعا في حدود 6 أشهر قبل إفلاسها، حيث أشار إبان جلسة الأسئلة الشهرية المنعقدة يوم الثلاثاء 29 نونبر 2022 بمجلس المستشارين، إلى ما يمكن أن تشكله من خطر على معاشات المتقاعدين الحاليين، والذين سيحالون على التقاعد مستقبلا، مؤكدا حينها أن حكومته تعهدت بالشروع في تنزيل عملية إصلاح منظومة التقاعد ابتداء من سنة 2023، ومعربا عن أمله في توصلها مع شركائها الاجتماعيين إلى الحل الأمثل لإصلاح هذه الصناديق.

      فها هي ذي سنة 2023 تلفظ أنفاسها الأخيرة دون أن تلوح في الأفق تباشير الإصلاح المزعوم، ليعود سيادته هذه المرة إلى ترويع المغاربة بما ينتظرهم في المدى القريب من أيام عجاف، تفرض التعجيل باتخاذ تدابير ناجعة لمواجهة الإجهاد المائي الذي استنزف ثرواتنا المائية من جراء توالي سنوات الجفاف. وأصبحت الدولة مطالبة بالتصدي لهذه المعضلة التي تهدد الأمن المائي لبلادنا، وذلك عبر وضع سياسات عمومية آنية لوقف ما تحدثه زراعة بعض المنتوجات الفلاحية من استهلاك للمياه الجوفية بكميات ضخمة.

      وتجدر الإشارة هنا إلى أنه طالما تعالت الأصوات منبهة إلى ضرورة التعجيل بإيجاد حل لمشكل ندرة المياه، وخاصة من طرف سكان المناطق التي صار العطش ملازما لوجودها في السنوات الأخيرة حتى خارج فترات اشتداد الحرارة، حيث يطالبون بمواجهة هذه المعضلة والعمل على رفع المعاناة عنهم. وفي ذات السياق سبق لبعض خبراء البيئة والاقتصاد أن نبهوا بدورهم إلى ما يتهدد البلاد والعباد من أزمة مياه، وبالأخص عندما تقرر اعتماد زراعات تستنزف الفرشة المائية مثل الطماطم والحوامض والدلاح وغيره، في ظل وضع مناخي يتسم بالجفاف. مؤكدين على ما للوضعية الحالية للموارد المائية من تأثير مباشر على النمو والثروة وخلق مناصب الشغل، ولاسيما أن العالم القروي فقد خلال سنة 2023 حوالي 270 ألف منصب شغل، وتراجعت المحاصيل الزراعية بقرابة 70 في المائة، وعرف قطاع الماشية والدواجن وغيرهما تراجعا ملحوظا بلغ 50 في المائة من الخسائر، فيما وصلت معدلات التضخم مستويات قياسية خطيرة انعكست آثارها على الطبقات الفقيرة والمتوسطة…

      إن المغاربة ليسوا بحاجة إلى مسؤولين حكوميين يبثون الرعب في قلوبهم بما بات يتهدد أمنهم المائي، ويؤكدون على أن البلاد دخلت مرحلة الخطر الكبير فيما يخص الموارد المائية، جراء شح السماء في الست سنوات الماضية، وما ترتب عن قلة التساقطات المطرية من انخفاض صارخ في معدل ملء السدود الرئيسية، وإنما هم في حاجة أكثر إلى من يطمئنهم باتخاذ إجراءات عملية لمواجهة أزمة المياه وغيرها من الأزمات، مع ما يرافق ذلك من برامج توعوية وإشراك المواطن في عملية ترشيد استهلاك الماء، وإعطاء الأولوية للأوراش المرتبطة بتوفير المياه من قبيل تحلية مياه البحر، مهما بلغت كلفتها، حيث أن الوضعية الحالية تتطلب تدخلا عاجلا في العالم القروي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى