سلسلة شهداء حرب الصحراءفي الواجهة

في زمن الجوع و الحرب (19)

isjc

*  ليلى اشملال

نمت نوما مضطربا هذه الليلة وربما ذلك راجع إلى أنني غيرت مكان نومي المعتاد، جو هذه المدينة مختلف،  لون تربتها و أصوات ليلها كل شيء فيها مختلف، لكن طقوس المعاناة واحدة أينما ذهبت….

يبدأ العمل في فترة مجيئنا على الساعة السادسة والنصف صباحا، لم أتعود على النهوض باكرا في هذا الوقت ولكن الآن أنا مجبر على ذلك كسبا للقمة الحلال، استغليت هذا الوضع وبدأت أصلي الفجر الذي لم أكن مواظبا عليه في حياتي إلا قليلا.

جهزت الشاي بـ “النعناع” وضعت قليلا من زيت الزيتون في صحن صغير ثم ذهبت لأوقظ ياسين من النوم.

ارتديت سروالا باليا يصلح لهذا العمل ثم رميت برجلي داخل حذائي الأخضر وخرجت أنتظر مع باقي العمال مجيء “الكابران” المكلف بتوزيع المهام علينا.

كنت أراقب دخول المسؤولين من باب الضيعة بسياراتهم الصغيرة والكبيرة ثم فجأة دخل “الكاميو” الضخم الذي رأيته عشية أمس، قفز العمال من عليه تباعا ثم شكلوا صفوفا صغيرة، التحقنا بهم ثم انتظرنا حتى ينتهي قائدنا من حواره مع امرأة يبدوا من احترام الجميع لها أنها مسؤولة عن الضيعة بعد صاحبها الرسمي.

أشار لنا العساس بيده من بعيد، اتجهنا نحوه ثم نظر للسيدة الواقفة أمامنا قائلا:

– ها هما الخدامة جداد أ لالة

– مزيان صافي سير لخدمتك

رحل “العساس” ثم تبعنا نحن السيدة إلى غرفة صغيرة عبارة عن مكتب فيه مجموعة من الأوراق والمستندات، جلست هي على كرسي خشبي؛ بينما ظللنا نحن واقفين مكاننا نجيب عن أسئلتها المتتالية

ما اسمك؟ عمرك؟ من أي مدينة؟ عازب أم متزوج؟ …..إلخ

بعد انتهائنا من حوار دام بضع دقائق، منحتنا السيدة ورقة سميكة من الكرتون فيها جدولا صغيرا لأيام الأسبوع وطلبت منا الإحتفاظ به، فهمنا لاحقا أنها استراتيجية الضيعة في حساب عدد أيام عمل كل عامل فيها، يضعون علامة ضرب (×) إشارة إلى أنه يوم محسوب و علامة الصفر (0) أمام اليوم الذي تغيب فيه العامل، وبناءا على ذلك يحدد الأجر الإجمالي الذي يحصل عليه كل واحد منا كل خمسة عشر يوما.

في الطريق الرئيسي للضيعة رأيت نساء في عمر أمي، أشفقت عليهم حقا فجسمهم لا يسمح لهم بتحمل مشاق هذا العمل، أجسام هزيلة وأخرى بدينة لن تطيق التحرك بسرعة لكنها اختارت الصبر و مقاومة الشدة والتعب من أجل لقمة العيش.

كنت أسأل في قرارة نفسي إن كن لهن رجالا؟ كيف سمحن لنسائهن أن يعملن عملا كهذا، هل هن مطلقات أم أرملات يا ترى؟؟، هذه الأسئلة الكثيرة تبخرت حينما علمت أن هناك من النساء من يأتين رفقة أزواجهن للعمل معا في نفس هذه الضيعة، في بادئ الأمر كنت أستغرب ذلك وبشدة لكن بعدها قد تفهمت وضعيتهم المزرية ووجدت لهم أكثر من عذر واحد، لا أحد فينا اختار قدره ولا أحد فينا يستطيع تغيير حياته، لهذا نحن مضطرون جميعا لمواجهة أشرس معارك الحياة بكل ما أتوينا من قوة، هذا وحده ما نستطيع فعله أمام كل عقبات القدر، الصبر هو طوق النجاة الذي نتمسك به على أمل تغير أوضاعنا، على أمل الحصول على التفاتة بسيطة من الوطن لمن هم من أمثالنا.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى