تدبير القضية الوطنية في الدول الإسكندنافية
السفير 24
خلال سنوات عدة عانينا من إكراهات كبيرة في تدبير ملف القضية الوطنية لأسباب كثيرة ومتعددة منها مايعود إلى طبيعة المجتمعات الإسكندنافية التي عبر التاريخ كان يحكمها أحزاب ديمقراطية لها توجهات يسارية ، تحالف اليسار كما في الدنمارك والسويد والتي في الغالب كانت تتميز بموقف مساند لقضايا الشعوب التي كانت تعاني في العالم من الإضطهاد ،والميز والإستعمار كقضية الشعب الفلسطيني ،وقد وجد الإنفصاليون الصحراويون سندا من طرف شعوب الدول الإسكندنافية كذلك،مما جعلنا نعاني باستمرار من إكراهات كبيرة في تدبير هذا الملف لاسيما في غياب انخراط الجالية المغربية في منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية في الدول الإسكندنافية ،وفي غياب المعطيات المتعلقة بالقضية لدى غالبية الجالية المغربية بالدول الإسكندنافية
فطنت الدولة المغربية لصعوبة تدبير الملف في هذه الدول وقررت تعيين جيل جديد من السفراء ،لهم تاريخ نضالي في مجال حقوق الإنسان وكذا انتماء إلى حدما لليسار ،ولعل التهديدات التي دخلها ملف القضية الوطنية بمبادرة بعض الأحزاب في السويد للإعتراف بالجمهورية الوهمية من خلال طرح مقترح في البرلمان شكل منعرجا خطيرا في العلاقات بين البلدين ،ودفع الدولة المغربية بانتداب سياسيين من اليسار المغربي للقيام بزيارة للسويد لحثهاعن العدول عن الفكرة لأنها ستؤثر سلبا على العلاقات التاريخية التي تربط المغرب والسويد ،وبالتالي مستقبل العلاقات الإقتصادية سيعرف تحولا كبيرا بإلغاء جل الاتفاقيات ،وتجميد جل المشاريع بين البلدين ،استطاع الوفذ المغربي الإقناع وتراجعت السويد عن هذا الاعتراف ،وهنا حصل التحول ليس فقط في السويد ولكن في جل الدول الإسكندنافية بتعيين سفراء جدد يحملون رصيدا تاريخيا في النضال الحقوقي ،السيدة أمينة بوعياش في السويد والتي قامت منذ مجيئها بعمل كبير على مستوى الحكومة وعلى مستوى الأحزاب السياسية الإشتراكية منها والليبرالية كذلك وكذا على مستوى الحكومة الحالية ،كما أنها بحنكتها وتجربتها في النضال الحقوقي جعلت قوى اليسار في السويد تقدرها وترتاح لفتح صفحة جديدة في العلاقات المغربية السويدية استطاعت السيدة السفيرة ،تدبير ملفات أخرى كملف القاصرين المغاربة ودخلت في نقاش مع عدة وزراء معنيين بالملف من أجل تسويته وفق التعليمات الملكية التي تحرص باستمرارعلى الإهتمام بالجالية وبكل مغربي لاسيما الذين يعيشون ظروفا صعبة في الخارج ،لم تقتصر السفيرة أمينة بوعياش على هذا الملف اهتمت بالقضية الوطنية كذلك ،وقد استوعبت الدور الذي يمكن أن تلعبه الدبلوماسية الموازية وبشراكة مع الدبلوماسية الرسميةفي تدبير ناجح لملف القضية الوطنية
لقد قدمت النموذج هذه الأيام من خلال تنظيم ندوات على مستوى المدن التي تضم جالية مغربية في العاصمة استوكهولم وكذا في مدينة مالمو ،حيث كانت اللقاءات والتي أطرها الخبير الأستاذ عبد المجيد بلغزال ،الملم بالملف وتاريخ الصراع بمنطقة الصحراء ودوّل الساحل ،وقد تأكد لي ذلك ليس اليوم فقط وإنما في لقاءات سابقة جمعتني معه ،فهو لازال متشبث بربط علاقات مع عدة أطراف ،لها نزعة انفصالية ولا يرغب بتاتا بقطع شعرة معاوية مع هؤلاء ،وقام بزيارات لتندوف للاطلاع على ظروف المحتجزين في مخيمات الرابوني ومحاولة إقناعهم بالعودة للمغرب وقبول مشروع الحكم الذاتي ،إن العرض الذي قدمه الأستاذ عبد المجيد اليوم في مالمو كان مفيدا جدا للجمعيات المشاركة ،حتى تطلع على خفايا وطبيعة الصراع في هذه المنطقة ،كانت مناسبة كذلك للعديد من الحاضرين للاستفسار عن كيفية مواجهة خصوم الوحدة في المجتمع السويدي وليس لوحدهم بل كذلك كيف نواجه ونقنع المنظمات الداعمة لهم ،إن الفكرة التي طرحها الأستاذ والسفيرة أمينة بوعياش كذلك في ضرورة التواجد في المنظمات والأحزاب السياسية،والتي نستطيع من داخلها التأثير على الرأي العام في كل مجتمع ،وهي الفكرة التي استوعبتها الفعاليات الجمعوية
إن النقاش الذي دار اليوم يفرض المزيد من اللقاءات التواصلية بين الدبلوماسية المغربية ومنظمات المجتمع المدني ،لجعلهم في الصورة لكل تطورات الملف على الصعيد الرسمي وكذا للتشاور باستمرار بين الدبلوماسية الرسمية والفعاليات التي تنشط في الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني
لا بد من الإشارة كذلك إلى ضرورة متابعة الإعلام ومايكتب على مستوى الصحف ،وتأسيس منابر إعلامية تهتم بمتابعة ملف القضية الوطنية مهم جدا للمساهمة في التأطير ولخلق المناخ المناسب للتعاون بين كل الفئات التي تنشط في الدفاع عن قضية الصحراء وغيرها من القضايا التي لها ارتباط بالمغرب
أجمع الجميع في اللقاء المنعقد بمالمو،على أهمية استمرار مثل هذه اللقاءات التكوينية التي تعتبر مهمة في إبراز طبيعة وحقيقة الصراع في المنطقة ،لابد من الإشارة كذلك أن التطورات التي حصلت في إسبانيا وفشل الإنفصال في الكاتلونيا وكردستان يعد تطورا يخدم ملف الصحراء ومشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كمبادرة منه لإنهاء هذا الصراع الذي عمر أكثر من إثنان وأربعين سنة
ولعل الأحزاب الإسبانية التي كانت تدعم الإنفصاليين ستجد نفسها في مأزق اليوم بعد الذي حصل في إقليم كتالونيا ، الذي استفاذ لسنين من حكم ذاتي في ظل الحكومة المركزية
كل هذه التطورات التي حصلت تعتبر في صالح المغرب وكما فعلت إسبانيا بتفعيل الفصل 155 لإنهاء محاولة انفصال إقليم كتالونيا ،سيستعمل المغرب سلطته لفرض القانون في الأقاليم الجنوبية وسيدفع من جديد لسياسة جديدة تتعلق بالجهوية الموسعة وخلق مشاريع كبرى في المنطقة ،واحترام حقوق الإنسان ونهج مسلسل ديمقراطي ،يعكس حقيقة إرادة سياسية لجلالة الملك من أجل مغرب متقدم منفتح أكثر على محيطه الإفريقي