بقلم: يونس شهيم
يعتبر الجلوس خلف المقود ببلدنا العزيز عملية كافية للقيام بدراسة ميدانية شاملة لشخصية الإنسان المغربي، والمتأمل في سلوك السائقين حوله سيخلص لا محالة إلى كون المغربي يعاني من أمراض عديدة يأتي في مقدمتها مرض انفصام الشخصية، مرض الأنانية وحب الذات ومبدأ أنا وبعدي الطوفان..كما يتحلى بالعديد من المظاهر السيئة من قبيل “السيبة” ، الفوضى، الاحتقار، عدم الامتثال للقوانين، البلطجة، الهمجية، قانون الغاب ذو العنوان العريض “الغلبة للأقوى”، وسيأتي تفسير كل ذلك من خلال تحليل سطحي بسيط وسريع لسلوك الفرد أيا كان موقعه سواء راجلا أم سائقا وكيفما كانت وسيلة النقل التي يقودها.
تتلقف العين بشكل يومي متكرر ومعتاد مظاهر عديدة يمر عليها المرء مرور الكرام بيد أنها تشكل منطلقا ومفتاحا لدراسة وتحليل نفسية المواطن المغربي، مظاهر تحيل في مجملها إلى الجزم في كون شخصية الانسان المغربي شخصية مهتزة ومريضة ، شخصية حربائية تتلون وتتغير بتغير المواضع والمواقف، فالمواطن حينما يكون في وضعية الراجل لايعجبه حال السائق بجميع حالاته (سائق دراجة نارية، سائق عربة ثقيلة أو خفيفة) إذ ينتقد ويسب ويلعن كلما هم بعبور شارع وكلما تجول بزقاق ، وهو ذاته مايفتأ حتى يقدم على السلوك ذاته الذي كان محل انتقاد بمجرد أن يغير وضعيته من راجل إلى سائق.
وسائق الدراجة النارية لا يكف عن لعن وسب أصحاب العربات كلما حدث احتكاك بينهما ، وسائق العربة لا يعجبه سلوك الدراجي ولا سلوك الراجل ولا سلوك أمثاله من سائقي العربات وكل منهم دون سواه يملك الصواب والباقون على خطأ، وكل منهم يمتلك القيادة السليمة والباقون لا يفقهون وكل في جهل ينعمون وفي فوضى وبلطجة يسبحون.
أما المظاهر المختلة فيصعب حصرها جميعها في هذه الورقة بيد أن أكثرها ظهورا للعيان مسألة عدم احترام الممرات المخصصة للراجلين سواء من الراجل نفسه الذي يعمد إلى عبور الشارع من أي نقطة كيفما كانت على امتداد الشارع مما ينتج عنه حوادث خاصة ليلا حيث تنعدم الرؤية بفعل انعدام الإنارة العمومية أو ضعفها وبحكم لباس الراجل الذي لا يعكس الضوء والذي يجعله غير مرئي من طرف السائق، أو عدم احترام الممر من طرف السائق الذي لا يعير أدنى اهتمام للممرات الراجلين ولا يبادر بالتوقف والسماح للراجل بالعبور، وحتى وإن هم أحد السائقين بالتوقف احتراما لحق الراجل في العبور فأن هذا السلوك السليم يقابل بنوع من الرفض من طرف العربات الخلفية الذين يعتبرون توقف العربة أمام ممر الراجل عرقلة لهم فيشرعون في تنبيه السائق المتوقف بسيل من المنبهات الصوتية والضوئية غير آبهين براحة الساكنة أو مرتادي المرافق حتى وإن كان المشهد يحدث بمحاذاة مستشفى يرقد فيه مرضى أو بجانب مسجد يسعى العباد فيه للخشوع.
ومن المظاهر السلبية أيضا أن يمتطي الفرد دراجته وهو لايفقه شيئا عن قانون السير ويجهل القواعد المؤطرة لحركة المرور من قبيل خطورة التجاوز على اليسار وكذلك مسألة الحفاظ على مسافة الأمان بين وسائل النقل وغيرها، فتراهم يتجاوزون من كل جانب ويسيرون بدراجاتهم فوق الأرصفة وعلى مسار الطرامواي غير آبهين لخطر أو ممنوع أو محظور.
ومن المظاهر السلبية كذلك أن يتوقف سائق العربة في الوضع الثاني أو الوضع الثالث ويغادر سيارته لاقتناء حاجياته أو لقضاء أغراضه قاطعا الطريق أمام الجميع مخلفا وراءه عرقلة للسير ومعرضا مصالح الجميع للتأخير.
ومن السلوكات المشينة أيضا أن يحترم السائق السرعة القصوى المحددة فيزعجه سلوك سائق متهور خلفه يأمره بالتنحي جانبا حتى يقوم هو بالتجاوز في خرق للقانون ولا يهمه إن كان تنحي العربة التي أمامه قد يعرضها لخطر الاصطدام ، وما أن يستطيع التجاوز حتى يتلفظ بأقبح العبارات، سب وشتم وكلام ساقط لأنك احترمت القانون. وإن كنت تسوق سيارة بسيطة فلا شك أنك ستلحظ من السلوك ما مفاده ألا حق لك في التواجد على الطريق ولا يجوز لك مزاحمتهم على الطرقات.
أما سائقو الطاكسيات فليس عليهم في الطرقات من حرج وقوف أينما شاؤوا وكيفما شاؤوا ووقتما شاؤوا، ومن يريد معرفة أصول البلطجة وقواعدها ماعليه سوى توجيه لوم لأحدهم من السائقين المتهورين.
في الواقع لا يتسع المجال للإحاطة بجميع المظاهر غير أنه تجب الإشارة إلى كون هذا الموضوع يصلح للبحث الأكاديمي والدراسة والتحليل قصد تشخيص واستنباط والكشف عن الأمراض التي يعاني منها المجتمع وذلك قصد الاقتناع والاعتراف بالخلل كخطوة أولى في مسيرة البحث عن علاج لأمة استفحل فيها الداء.



