الجالية المغربية بالدانمارك بين الوضعية الإقتصادية والبحث عن الهوية
السفير 24 – الدنمارك: حيمري البشير
إن الطابع الأساسي الذي يميز وضعية الهجرة المغربية في الدانمارك خلال العقد الأخير هو اختيار أغلبية المهاجرين المغاربة الإستقرار بهذا البلد .فبعد مرحلة التجمع العائلي في الثمانينات تمر الهجرة المغربية الآن من مرحلة جديدة يمكن تسميتها بمرحلة الإندماج أو مرحلة التوطين، فإذا كان التحاق الأطفال و النساء بأزواجهم قد غير من طبيعة الهجرة المغربية وجعلها تنتقل من مرحلة اليد العاملة إلى مرحلة التجمع العائلي فإن اصطدام اختيار العودة بالواقع زايد من أفراد الجيل الثالث والرابع.
الزواج المختلط، قضية الشيخوخة، الإقبال المتزايد على التجنس تعدد الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمهاجرين، ظهور فئة متوسطة كلها تطورات داخلية توحي ببداية مرحلة جديدة من مراحل تاريخ الهجرة بهذا البلد.
لقد أصبحت الجالية المغربية وهي جزء من المجتمع الدانماركي تعتبر أقلية ثقافية من أصل مغربي مقيمة بصفة دائمة ونهائية بهذا البلد، إلا أن هذا التحول لم يرافقه تحسن في وضعية الجالية المغربية ومشاركتها في الحياة الإجتماعية، على العكس رافقه تدهور مستمر في الوضعية الإجتماعية والإقتصادية للمهاجرين المغاربة.
2 _ تشديد الإجراءات المتعلقة بالتجمع العائلي في ظل الحكومات اليمينية المتعاقبة على الحكم في البلد.
3 _ تزايد الحقد والكراهية ونمو خطير للتيارات العنصرية الفاشية الحاقدة على الأجانب حزب الشعب الدانماركي .أزمة الرسومات.
4 _ التهميش السياسي والإجتماعي وحرمان المهاجرين من حق المواطنة والمشاركة في اتخاذ القرارات وإن كنا نحن نتحمل المسؤولية بحكم أننا لم ننخرط في العمل السياسي.
الوضعية الإقتصادية والمهنية
إن الوضع الإقتصادي والمهني للجالية المغربية في الدانمارك هو وضع لا يحسد عليه حيث أن المهاجرين المغاربة يحتلون أسفل رتبة في السلم الإجتماعي في سوق العمل.
يشتغل المغاربة في الوظائف الدنيا في الأعمال الوسخة والشاقة في الغالب، هذا لا يعني عدم نجاح الجيل المزداد في الدنمارك في بلوغ أعلى درجات العلم .بل يمكن الإفتخار بالعديد منهم وأصبحوا فعلا نموذج يحتدي به العديد.
ويرجع أسباب الوضعية السيئة في سوق العمل للجيل الأول بالأساس هو عدم إتقان لغة البلد وضعف التكوين المهني ,إلا أن الأسباب الحقيقية تبقى هي غياب سياسة شاملة منسجمة لتعليم الكبار وللتكوين المهني وثانيا العنصرية في سوق العمل.
الوضعية الإجتماعية
إلى جانب الوضعية الإقتصادية المهزوزة عاشت الجالية المغربية بالدانمارك مشاكل اجتماعية عديدة على مستوى التعليم ,ارتفاع نسبة الفشل الدراسي والإحباط الشخصي والمهني خاصة داخل الشباب فالتعليم بشكله الحالي عاجز عن لعب دوره في تنمية وتطوير شخصية الطفل المغربي وتمكينه من الإندماج الإيجابي في المجتمع.
إن المدرسة الدانماركية تلقن للطفل المغربي نمطا ثقافيا لا يأخذ بعين الإعتبار وسطه الإجتماعي وخلفيته الثقافية. تلقن له نمط الطبقات المتوسطة والعليا في المجتمع الذي يختلف عن ثقافة المحيط العائلي للطفل وعن قيم وثقافة الطبقات الدنيا التي ينتمي لها أغلبية المهاجرين المغاربة الشيئ الذي يتسبب في عراقيل ويخلق مضاعفات لها تأثير سلبي على التحصيل المدرسي والتنشئة الإجتماعية للطفل المغربي.
على مستوى السكن
الوضع السكني للمهاجرين المغاربة يتميز بتمركز نسبة كبيرة منهم في العاصمة أو النواحي في أحياء على شكل كطوهات لا تتوفر فيها الشروط والخدمات الإجتماعية الدنيا والضرورية لوقاية المهاجرين وخاصة الشباب من خطر التهميش والإنحراف والشعور بالإقصاء، إن هذا الوضع السكني للجالية المغربية والعربية على الخصوص والمهاجرة بصفة عامة في الدانمارك له عواقب سلبية على المهاجرين وعلى التعايش المجتمعي، إذ ينتج عنه تفشي ظاهرة العنصرية، حصول حزب الشعب على 37 مقعدا في البرلمان والإنحراف وارتفاع نسبة الجريمة، ظهور عصابات تدافع عن نفسها حتى بالسلاح ضد عصابات أخرى من الدانماركيين الخارجين عن القانون ،انتشار التعاطي للمخذرات والإتجار بها.
تزايد الرفض للإسلام ….الرسوم المسيئة للرسول تدنيس المقبرة الإسلامية، محاولة طرح مقترح لمنع الختان ،أو منع اللحم الحلال، المصادقة مؤخرا على قرار بمنع النقاب في المجتمع….
وقد فطنت الحكومة الحالية للمشاكل الكبرى التي تتخبط فيها الكيطوهات الشيئ الذي دفع رئيس الوزراء باقتراح إزالتها.
التجنس والمواطنة
مباشرة بعد صعود الإئتلاف الحالي للحكم أدخلت تعديلات في قانون الهجرة وشددت من إجراءات التجمع العائلي وقانون الجنسية بحيث فرضت شروط تعجيزية إلا أن الجنسية ليست ضمانة ضد الميز العنصري والبطالة ولا تعني تحولا اجتماعيا واقتصاديا في وضعية المهاجر المغربي.
المهاجرون المغاربة المتجنسون لهم حق المشاركة في الإنتخابات إلا أن هذه المشاركة تبقى ضعيفة نظرا لمواقف الأحزاب السياسية وللتهميش السياسي والإجتماعي وكذلك لغياب الرغبة في الإنخراط في العمل السياسي لدى مغاربة الدنمارك.
مشاركة المهاجرين المغاربة تقتصر على التوجه لصناديق الإقتراع للإدلاء بأصواتهم، لكن بنسب محتشمة بل في بعض المحطات الإنتخابية كان هناك عزوف كبير بسبب حملة المقاطعة التي يتزعمها حزب التحرير.
والمشاركة في التصويت لا تعني مشاركة سياسية فعلية. إن المشاركة بمعناها الحقيقي هي حين يساهم المهاجر في اتخاذ القرار على كل المستويات.
إن المشاركة الفعلية هي مشاركة المجتمع المدني في اتخاذ وتنفيذ الإختيارات الجماعية التي تهم حياة المواطنين اليومية من تعليم وشغل وسكن وغير ذلك.
الهوية الثقافية
إن استقرار المغاربة بالدانمارك بصفة دائمة جعل من مسألة الهوية الثقافية قضية بارزة ومصيرية، لقد تأثرت الجالية المغربية من سياسة البلد الرامية لسلخ الطفل من هويته من خلال مصادرة حقه في تعلم لغة الأم في جل البلديات وماتبقى منها في الطريق، بحيث أن السياسيين على مستوى بلدية كوبنهاكن اتخذوا في السنوات الأخيرة سن سياسة تقشفية في القسم الخاص بتدريس اللغات الأم، مما ستكون له انعكاسات وخيمة على الأطفال الثنائي اللغة ومن بينهم المغاربة.
إن الغالبية من الجالية المغربية قبلت الإندماج في المجتمع الدانماركي، إلا أنها تبقى تعارض فكرة الذوبان وتدعو للحفاظ على الهوية الثقافية، لأن المجتمع الدانماركي مجتمع متعدد الثقافات والثقافة المغربية هي أحد مكونات الثقافة الدانماركية المتنوعة.
إن من المكتسبات التي تحققت لدى الجالية المغربية بفضل تظافر جهودها والدعم الذي تقدمه الدولة المغربية هو تأسيس عدة، مؤسسات دينية ومن بينها مؤسسة الإمام مالك التي يحلم الجميع أن تكون منارة إسلامية، تساهم في الحفاظ على الهوية المغربية والإسلام الوسطي، لكن هذا لن يتأتى إلا بفضل الحكامة الجيدة والتسيير الشفاف والديمقراطي.
إن ظهور المؤسسات الدينية التي تعمل من أجل خلق جيل متشبع بثقافته المغربية وثراتها الحضاري الزاخر، لم يقتصر فقط على هذه المؤسسة بل هناك مبادرات في عدة وأخرى في الطريق. سوف تخلق بدون شك إشعاع ثقافي وتساهم في الحوار الحضاري وفي تربية جيل متشبت بثقافته ويحترم ثقافة الآخر.
إن المركز الإسلامي بفستاين الذي يشتغل مجموعة من المغاربة على تحقيقه سيخلق لامحالة التغيير المنشود في علاقة المغاربة مع بعضهم البعض، ومع باقي فئات المجتمع الدانماركي في ضاحية كوبنهاكن العاصمة.
إن تنظيم الجالية في إطار جمعيات أو مؤسسات قائمة كالنموذجين الذي ذكرت وامتلاك الجالية لمنابر إعلامية، كإذاعة السلام وراديو أمازيغ خير مساند ومؤطر للأجيال القادمة في مواجهة أحزاب اليمين التي تعتبر الجالية العربية والإسلامية خطرا يهدد الهوية الدانماركية، والتي تدعو لمحاربتها والقضاء عليها وذلك من خلال حملات تضليلية لتشويه الثقافة العربية.
لقد أخذت الفعاليات الإعلامية التي تتحمل المسؤولية في الإذاعتين على عاتقها كل التطورات الحاصلة وتواكب باستمرار كل الأحداث التي تقع، وتدافع عن مشروع مجتمع مبني على التعدد الثقافي وتحاول قدر الإمكان أن تجعل الجيل الثاني والثالث أكثر دينامكية من خلال تحفيزه على المشاركة السياسية بشتى الوسائل.
لابد من الإشارة أن الظروف الصعبة التي تعاني منها الجالية المغربية والعربية تشكل ظروفا خصبة، تنتعش فيها التيارات الداعية وسط الهجرة للتقوقع والإنغلاق عن الذات باسم حماية الذات والتمسك بالعقيدة. فالفطرة الدينية التي برزت في السنوات الأخيرة داخل صفوف الجالية المغربية، تجد تفسيرها الأساسي في سياسة التهميش والرفض واللامساواة، ففي ظل هذا الوضع إنه من الطبيعي أن يجد المتاجرون بالدين والمتطرفون مجالا واسعا لبسط نفوذهم.
إن الضرورة تفرض التفكير بجدية لتحقيق مركب ثقافي يعكس الصورة الحقيقية للحضارة التي يتمتع بها المغرب ،والتي حرص الملوك الدين تعاقبوا فيها على الحكم فيه على التعايش والتسامح. وعلينا أن نستثمر العلاقات التاريخية بين الشعبين المغربي والدنماركي والتي تجاوزت 250 سنة في تمتين العلاقة أكثر.
إن تحقيق مشروع مركب ثقافي يقودنا كذلك لتطوير مشروع إعلامي باللغتين الدنماركية والعربية والأمازيغية كذلك .حتى نكون بمقدورنا تمرير الخطاب الذي نريد وتصحيح الصورة النمطية عن المغرب والحضارة المغربية وتصحيح المعطيات المتعلقة بقضية الصحراء ،وتصحيح المعطيات لا يتم فقط بتطوير الإذاعتين بل لابد من إنشاء موقع إعلامي باللغتين معا تشتغل فيه خلية تحرص على مواكبة النقاش السياسي في البلد ومواقف الأحزاب السياسية الدنماركية، من المغرب والقضية الوطنية ..واستعمال اللغتين معا يسهل عملية التواصل مع كل الأجيال وكذلك مع المجتمع الدنماركي ويساهم المشتغلون فيه ،على تطوير العلاقات بين الشعبين ،وعلى تحفيز الأجيال المزدادة على الإندماج في المجتمع الدنماركي.
إن مشروع المركب الثقافي المغربي سيساهم بدوره في تحقيق التقارب بين الشعبين، وسيسهل تنظيم ندوات عدة تكون فرصة لإنجاح هذا التقارب بين الشعبين.