في الواجهةكتاب السفير
الأحزاب الصغرى في المغرب: إمكانيات التحول إلى قوة سياسية حقيقية في ظل المحاسبة والديمقراطية الداخلية
الأحزاب الصغرى في المغرب: إمكانيات التحول إلى قوة سياسية حقيقية في ظل المحاسبة والديمقراطية الداخلية

السفير 24 – رقيق ميلود
تتطلب القراءة المتأنية للمشهد السياسي المغربي إعادة النظر في مفهوم “الأحزاب الصغرى”، الذي غالباً ما يُستخدم لوصف أحزاب ذات تأثير محدود في تدبير الشأن العام الوطني ، غير أن هذا التوصيف لا يعكس بالضرورة الإمكانيات الكامنة لهذه الأحزاب، والتي يمكنها أن تصبح فاعلاً أساسياً في الحياة السياسية إذا ما توفرت مجموعة من الشروط الهيكلية والوظيفية التي تضمن فاعليتها و استمرار نجاعتها السياسية .
1. تعزيز الديمقراطية الداخلية:
تجديد القيادة ومنع الاحتكار إن أول شرط لنجاح أي حزب سياسي، سواء كان صغيراً أو كبيراً، هو الديمقراطية الداخلية، فالأحزاب التي تُدار بشكل فردي أو تتحكم فيها قيادات أبدية غالباً ما تفقد قدرتها على الإبداع والتجديد لذلك، من الضروري اعتماد آليات حوكمة ديمقراطية داخل هذه الأحزاب، بما يضمن التداول السلمي للقيادة، ويُتيح الفرصة للأطر الشابة للمساهمة في رسم ملامح العمل الحزبي.
سيطرة بعض القيادات على كراسي القيادة لسنوات طويلة يُحوّل الأحزاب إلى أدوات شخصية تخدم مصالح فردية، مما يضر بمصداقيتها .
لهذا، يجب أن تُقر قوانين داخلية صارمة تُحدد عدد الولايات المسموح بها لأي قيادة حزبية، وأن تُفرض محاسبة دورية على الأداء التنظيمي والسياسي لهذه القيادات، بما يشجع على تجديد الدماء وضمان تطور العمل الحزبي.
2. منطق المحاسبة:
معيار الجدية والشفافية إن المحاسبة لا يجب أن تقتصر على القيادات العليا، بل يجب أن تشمل كل الأطر المكلفة بتدبير الحزب، سواء على المستوى المحلي، الجهوي أو الوطني ،فمن غير المعقول أن تتخذ بعض القيادات قرارات مصيرية دون الرجوع إلى القواعد أو دون تحمل المسؤولية عن النتائج.
المحاسبة هي العمود الفقري لأي تنظيم ديمقراطي فعال، ومن المهم أن يكون هناك نظام داخلي يفرض تقارير دورية عن الأنشطة والنتائج، ويمنح أعضاء الحزب والمواطنين الحق في الاطلاع على الأداء وتقييمه وهذا النظام مغيب حتى لدى الاحزاب الكبرى!.
3. البرامج السياسية الهادفة:
رهان الثقة مع المواطن تحتاج الأحزاب الصغرى إلى بناء هويتها على أساس برامج سياسية واضحة وواقعية، بعيداً عن الشعارات الجوفاء التي تُرفع خلال الحملات الانتخابية وتُنسى بمجرد انتهاء الاقتراع.
هذه البرامج يجب أن تكون مبنية على دراسات معمقة ومرتبطة بالقضايا الحقيقية للمجتمع، مثل التعليم، الصحة، التشغيل، العدالة الاجتماعية و الدفاع على قضايا الأمة المغربية الخالدة و الثابتة.
المحاسبة هنا لا تقتصر فقط على ما يتحقق من برامج، بل تمتد إلى وضوح البرامج نفسها ،المواطن يحتاج إلى أحزاب تمتلك رؤية متكاملة ومُقنعة، لا مجرد وعود انتخابية فضفاضة.
4. الحضور المستمر:
نهاية زمن الأحزاب الموسمية أحد أبرز الإشكالات التي تواجه بعض الأحزاب الصغرى هو اقتصار وجودها على فترات الانتخابات وهذه الظاهرة تُضعف من ثقة المواطنين في العمل الحزبي، وتحصر هذه التنظيمات في خانة الأحزاب الموسمية التي تُغلق أبوابها بعد انتهاء الاستحقاقات الانتخابية.
وجود الأحزاب يجب أن يكون دائمًا ومواكبًا للقضايا المحلية والوطنية، ينبغي أن تظل أبوابها مفتوحة للتواصل مع المواطنين، وتفعيل أدوارها التأطيرية والتوعوية بعيداً عن حسابات المصالح الضيقة.
5. مواجهة تحديات التبعية والتمويل
لا يمكن للأحزاب الصغرى أن تنهض بدورها إذا ظلت رهينة لتبعية مالية أو سياسية تجعلها أداة في يد جهات أخرى.
لتحقيق استقلاليتها، يجب التفكير في إصلاح منظومة تمويل الأحزاب، بما يضمن توزيعاً عادلاً للدعم العمومي وفق معايير موضوعية مرتبطة بالأداء والتأثير و التأطير ….
من أحزاب صغيرة إلى قوى سياسية مؤثرة الأحزاب الصغرى تمتلك الإمكانية لتتحول إلى قوى سياسية فاعلة إذا ما توفرت فيها شروط الديمقراطية الداخلية، واعتمدت على برامج سياسية طموحة، وأقرت ثقافة المحاسبة داخل بنيتها التنظيمية.
إن إرساء قواعد جديدة للعمل الحزبي الوطني، تقوم على الشفافية والتداول والمحاسبة، كفيل بإعادة الثقة للمواطن في العمل السياسي ككل، وجعل هذه الأحزاب جزءاً من الحلول التي يحتاجها المشهد السياسي المغربي لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية و ترسيخ قوي لقيم المواطنة الحقة بعيداً عن الموسمية أو الارتجالية أو المصالح الحزبية الضيقة .
فاعل سياسي و مهتم بشؤون الدبلوماسية الشعبية*