في الواجهةكتاب السفير

اعتقال بوعلام صنصال ونكتة “جمهورية الريف”

اعتقال بوعلام صنصال ونكتة "جمهورية الريف"

le patrice

السفير 24 – حاتم البطيوي 

بين السادس عشر والثالث والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، شهدت الجزائر حدثين لابد من التوقف عندهما . الأول هو اعتقال الكاتب الجزائري – الفرنسي بوعلام صنصال لدى وصوله إلى مطار هواري بومدين ، والثاني هو تنظيم ما أطلقت عليه الصحافة المحلية “الدورة الأولى ليوم الريف” (منطقة في شمال المغرب).

أدلى صنصال بتصريحات مثيرة للجدل في فرنسا، قال فيها إن المغرب هو أقدم بلد في العالم، إذ يعود وجوده إلى 12 قرناً، بينما عمر فرنسا ألف عام فقط. وأضاف أن المغرب دولة عريقة وقوية سيطرت على شمال إفريقيا بالكامل تقريباً.

لم يكتفِ صنصال بذلك، بل استرسل قائلاً: “عندما استعمرت فرنسا الجزائر، كانت المنطقة الغربية منها جزءاً من المغرب”، مشيراً إلى تلمسان ووهران وحتى معسكر.

لكن ما أزعج السلطات الجزائرية واستفزها أكثر هو قوله: “خلال الاستعمار الفرنسي للجزائر، قررت فرنسا بشكل تعسفي ضم شرق المغرب إلى الجزائر”، ما أدى إلى اعتقاله بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية”. بل إن وكالة الأنباء الجزائرية اتهمته بالتشكيك في “وجود الجزائر واستقلالها وتاريخها وسيادتها وحدودها”.

ولئن كانت فرنسا لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب، خلافاً لما فعلته في الجزائر، نتيجة اعتقادها الراسخ آنذاك بأن خروجها من الجزائر أمر مستحيل، فإنها توسعت في ابتلاع أراضي المغرب باتجاه المحيط الأطلسي إلى أن توقفت  لاسباب جيو – سياسية، ليس هنا مجال ذكرها . 

دام الاستعمار الفرنسي للجزائر 132 سنة (1830-1962) بعد أن ورث البلد من العثمانيين، بينما دام الاستعمار الفرنسي للمغرب، بمقتضى معاهدة الحماية، من 1912 إلى 1956.

لقد وضع صنصال إصبعه على الجرح حين أشار إلى استحالة إقامة فرنسا استعماراً استيطانياً في المغرب، نظراً لكونه دولة كبيرة وعريقة. وأوضح أنه من السهل استعمار كيانات صغيرة بلا تاريخ، في إشارة ضمنية إلى الجزائر، ما جر عليه وابل غضب السلطات وشر الاعتقال.

يبقى مفهوم “الوحدة الوطنية والترابية” بالنسبة للجزائر صالحاً لها وحدها دون غيرها. لم يكفها أنها ظلت تناكف المغرب في وحدة ترابه منذ استرجع صحراءه عام 1975 من المستعمر الإسباني عبر المسيرة الخضراء السلمية.

العام المقبل سيكتمل نصف قرن على انخراط الجزائر في ضرب استقرار المغرب والنيل من وحدة ترابه، من دون أن تحقق نتيجة تُذكر سوى وضع الحصى في حذائه لإعاقته ومنعه من تحقيق سرعة فائقة في التنمية والرفاهية. في المقابل، ظل المغرب ممسكاً بالبندقية للذود عن أراضيه، ومصراً في الوقت ذاته على خوض معركة البناء والتطور.
يوم الاحد الماضي ، نشرت صحيفة “الخبر” الجزائرية على صدر صفحتها الاولى  عنوانين متناقضين. الأول: “جمهورية الريف نحو استرجاع الاستقلال”، والثاني: “وحدتنا الترابية خط أحمر.. ولا حرية تعبير فيها”، في سياق التنديد بتصريحات الكاتب صنصال.
بهذا، أعلنت الصحيفة، لسان حال بلدها، أن الحفاظ على الوحدة الوطنية في الجزائر حلال، بينما خارجها، خصوصاً عند الجار الغربي، فهي حرام.

تبدو الجزائر، بخلقها جعجعة جديدة حول “جمهورية الريف المزعومة”، وكأنها تحاول أن تجد بديلاً لنزاع الصحراء المفتعل، بعد تلقيها سلسلة من الصفعات، تمثلت في دعم فرنسا وإسبانيا لمغربية الصحراء وإقرارهما بأن مشروع الحكم الذاتي المغربي هو الأساس الوحيد لحل نهائي لهذا النزاع الذي طال أمده. لا سيما أنهما الدولتان اللتان استعمرتا المغرب وتعرفان حقائق الأمور بشأن كيف جرى تقطيع أوصاله.

قبل ذلك، كان إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2020 اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء، فضلاً عن تراجع العديد من الدول عن الاعتراف بـ”جمهورية” لا وجود لها إلا في سراب الصحراء.

كل هذه العوامل دفعت القيادة الجزائرية إلى المضي بعيداً في هوسها بالمغرب. فبعد أن كانت ترى في الصحراء “حصان طروادة”  لتحقيق أطماعها وأحلامها في المنطقة، ها هي اليوم تبحث عن “حصان طروادة” بديل لتعويض خسائرها على مدى نصف قرن، لتبدأ عبثاً جديداً، لا يعلم عواقبه على المنطقة المغاربية   إلا الله وحده .

لقد اعتبرت الجزائر الصحراء المغربية “آخر مستعمرة في إفريقيا”، وها هي اليوم تسعى لوضع “منطقة الريف المغربية” في السلة ذاتها، مستثمرة  بإصرار   في مزيد من التفتيت والتقسيم والتدخل في شؤون المغرب الداخلية. فهي لا تمتلك موهبة سوى ذلك. لكنها تغفل أنها دولة هشة أشبه بقصر من الرمل. فكل شيء فيها يوحي بسهولة انسلاخ أجزاء منها عن الوطن، ولا أدل على ذلك من رغبة منطقة القبائل في الانفصال، وكذلك مطالب الطوارق في جنوب البلاد، إضافة إلى الحساسية المذهبية للإباضيين في غرداية.

إن الجزائر تتناسى أن لهيب نار الانفصال إذا اندلعت لدى جيرانها سيمتد إليها لا محالة. فموجة الانفصال، إذا تفاقمت، ستأخذ في طريقها الأخضر واليابس، ولا يسلم أحد من أذاها.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى