في الواجهةكتاب السفير

رقمنة الجغرافية البشرية وآلية التحكم

رقمنة الجغرافية البشرية وآلية التحكم

le patrice

السفير 24 – عبد اللطيف مجدوب

في ظل تنامي الأجهزة الإلكترونية، وبتواز مع اتساع رقعة الجريمة والإرهاب، تتجه العديد من الدول الصناعية إلى بذل مساع جادة لرقمنة مدنها ، بما فيها الشوارع والأزقة والدور والميادين والأندية والمراكز والمرافق والمؤسسات .، وهي مساعي ؛ ولو في ظاهرها تحمل بصمات الحماية المدنية والسرعة في التدخلات الأمنية، إلا أنها ذات أبعاد أشد عمقا ؛ تتلخص أساسا في تيسير مهام الاستهدافات الشخصية والتجسس وضرب طوق الحصار حوله ، مبنى كان أو مركزا معينا ، في محاولة لعزله وبالتالي السيطرة عليه، في حالات اندلاع ثورات واشتباكات واحتكاكات أمنية، سواء تعلق الأمر بأفراد أو جماعات وتنظيمات.

وقد أفضت دراسات أمنية مستفيضة إلى أن الألفية الثالثة ستشهد طفرات ثورات وأمنية غير مسبوقة ؛ في ظل انفجار الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة من جهة ، وتصاعد الحاجة إلى الأسلحة الفتاكة ، من جهة والتي سيترتب عنها ؛ في المقام الأول ؛ التمرد المدني وتحدي الأنظمة والقوانين ما سينجم عنه في الأخير ظهور عصابات وتنظيمات وشرائح بشرية بعقيدة تصفوية قتالية ، قد تمتد خطورتها داخل الشرائح الاجتماعية العامة إلى أن تصبح تشكل تهديدا مباشرا للحكومات والأمن المدني ، أو بالأحرى اختراقها لها في محاولة تعطيل نفوذها أو إشراكها في قراراتها ومواقفها !

   تجربة الصين الرائدة في رقمنة الحالة المدنية Dijitalization of the civil status ))

خطت الصين خطوات عملاقة في مجالات التكنولوجيا الرقمية Dijital Technology ووظفتها على نطاق واسع ، شملت كل القطاعات المهنية والوظيفية ؛ وتعتبر منافسا شرسا لأمريكا ، حتى إن هذه الأخيرة ؛ وإن كانت تربطها شراكات مع الصين في ميادين إنتاجية عديدة وتبادل الخبرات، فإنها تتكتم على أسرارها في علوم التكنولوجيا ، مخافة التقليد أو الاستنساخ ، وللتدليل على عمق تجربتها في  حقل الرقمنة التكنولوجية Technological Dijitalization ، نسوق فيما يلي مثالين ؛ أحدهما في مجال التربية والتعليم ، والثاني يهم ميدان تنظيم السير واستعمال الطريق ؛

  1. كل المدارس الحضرية الصينية، بالكاد مغطاة بشبكة معلوماتية دقيقة ؛ منبثة على شكل عدسات مراقبة ، داخل ساحات المؤسسات وفصول الدراسة ؛ يشمل بنك معلوماتها ومعطياتها Data إسم التلميذ وانتماؤه الأسري ، والتدرج في مستواه الدراسي لمختلف مواد التعليم ، وفي آن حالته الصحية ؛ تتحيّن على مسار الأيام الدراسية ، حتى إنها ذات مقدرة عالية في ضبط التلميذ ما إن كان يعاني من الأرق أو مشاكل أخرى ، من خلال دراسة حركات أطرافه ونظراته ؛ وتتجاوز مقدرتها الهائلة هذه إلى اقتراح مسارات ووضعيات لتلافي تعثراته الدراسية والنفسية ! قد تستدعي أهله وذويه، في حرص دائم على ترسيخ وشائج التعاون بين الأسرة والمؤسسة التربوية والمجتمع .
  2. في مجال السير واستخدام العربات ، عمدت السلطات الصينية إلى تطوير شبكة إلكترونية رقمية ، غذّت بها كل الطرق والمسارات ، وكذا السيارات ؛ قادرة على ضبط إيقاع السير وسرعة العربات ، والتدخل الحازم في تسجيل مخالفات قانون السير ، وتحرير تقارير آنية بشأنها ، ليتم إشعار أصحابها المعنيين ، كما تتوفر على خصوصيات دقيقة إضافية ، قادرة على ضبط حالة السائق ؛ أثناء السير ؛ ما إن كان مخمورا أو بمزاج غير سوي ، كما أنها مزودة بمدى رقمي بعيد بمقدوره ضبط الشخص ، حتى ولو كان متسكعا ، والولوج إلى بطاقته ، وفي آن تحليل تحركاته .

Google Earth والولوج إلى العناوين 

يميز هذه الشركة محرك بحث شهير Google علاوة على برنامج Google Earth الذي لا يخلو منه أي هاتف “ذكي” ، وهو ذات خصوصية كبيرة في الوصول بالمشاهد إلى كل عنوان جغرافي يبحث عنه ، شريطة أن يكون معتمدا لدى الشركة ، إلا أن هناك نسخة حية منه live،  تدار بواسطة الأقمار الصناعية  غير متاحة للجميع ، وهي مملوكة ؛ في أغلب الأحيان ؛ لدى أطراف وأجهزة مخابراتية عديدة منها بالخصوص CIA ؛ وكالة الاستخبارات المركزية ، أو الموساد II ، والبونتاغون ..، يتم توظيفه ؛ بشكل خاص ؛ في الحملات والاستخبارات العسكرية ، وجدير بالإشارة ؛ في هذا السياق ؛ إلى أن دولة إسرائيل تعتبر رائدة في منتجات أجهزة التجسس الإلكترونية ، وتستعملها على المدى الدولي والقاري ، للتجسس والتنصت على القنوات الفضائية وشبكات الأنترنيت والمكالمات الهاتفية ؛ وقد كشفت “حرب غزة ” ومعالم التدمير واستهداف الأشخاص والمواقع ، أن إسرائيل تمتلك أبناكا رقمناتية ضخمة ؛ تستعملها بلا هوادة ، وأحيانا معززة بشبكة استخباراتية بشرية ، تقتفي أهدافها بدقة لرقمنتها في شكل إحداثيات Coordinations  ، وتودع لدى بنك المعطيات Data Bank .

الخيال العلمي قد يغدو واقعا !

تعكف حالياً شركات متخصصة في مجال التكنولوجيا الرقمية على دراسة إمكانيات توظيف رقاقات (Electronic chips ) في حجم حبة عدس ؛ تحتوي على منظومة اتصالات معقدة ، يمكن غرسها في جسم الإنسان ، ليتم الجمع بين الفعل والحركة ؛ تفوق في قدرتها الروبوت Robot . يمكن توظيف هذا “الإنسان” المبرمج في مجال التجسس وعمليات التصفية والسرقة .. والأهداف بعيدة المدى .

 الذكاء الاصطناعي “IA ” 

يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي Inteligenc Artificial  مكونا أساسيا في برامج ومنظومات الرقمنة ، ورافدا من روافده المتشعبة ، يتغذى من التحيينات الممكنة ، ويوجد بنسخ عديدة ، معظمها مبتذل وصار من مكونات الهواتف الذكية Smart phone  ، إلا أن معلوماتها جد محدودة بمقارنتها بنسخ دقيقة ومتشعبة ، شبيهة ببرنامج Google earth، وتستخدم في عمليات التجسس والكشف على المواقع الحربية وإحداثياتها ، وهو الآخر ، موجود بكثافة لدى إسرائيل ، توظفها حالياً في حربها على غزة ، يمكن استفتاؤه حول أشخاص والنفوذ إلى بطاقات هوياتهم ، ومن ثم اقتفاء تحركاتهم ، راجلين كانوا أو راكبين ، من خلال شبكة إحداثيات تتغير من حين لآخر .

   وصفوة القول ، يمكن اعتبار رقمنة الجغرافية البشرية مدخلا للاقتراب من الكائن البشري ؛ في الزمان والمكان ؛ في محاولة لاقتفاء أثر أنشطته والوقوف على نواياه ؛ وفي آن ؛ التحكم في مسارات حياته ، فردا أو داخل جماعة ، كما لا يمكن استبعاد ؛ ولو على المدى المتوسط ؛ ظهور إنسان بشري دموي “مبرمج ” قد يصعب تمييزه عن إنسان آلي robot  قادر على الطيران والولوج إلى أهداف بعيدة بقصد التجسس أو تنفيذ عمليات قنص أو تدمير ، أو عمليات انتحارية ليلا تتكشف هويته .

مفتش باحث ومنسق لدى وزارة التربية الوطنية سابقا *

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى