في الواجهةمجتمع

التسول، ظاهرة لا تنقرض

التسول، ظاهرة لا تنقرض

isjc

السفير 24- هبة السيد المسعودي/ صحفية متدربة

تهيمن ظاهرة التسول كأنها موسم خاص بها بين الحين والأخر ، ينتشر فيه المتسولين بكل مكان عند أبواب المساجد المكتظة بالمصلين، ومحطات القطار والترامواي، وفي الأسواق، وعند إشارات المرور، بل حتى وسط حافلات النقل.

فمع بزوغ خيوط الشمس، يخرجون من حجورهم ويبدؤون بالمشي ويتخذون أماكنهم لممارسة مهنتهم اليومية، يظهرون في كل مكان ويعتمدون عدة أساليب ليؤثروا في المواطنين وينالون استعطافهم فيحصلون على أموال طائلة تختلف قيمتها كل يوم، لدرجة أنهم أصبحوا يعتمدون على أطفالهم الذين هم في عمر الزهور للتأثير ونقل قصتهم المأساوية دون اللفظ بأية كلمات، يمسكونك من ثيابك ويتوسلون إليك أمام الجميع، “فعلا أشعر بالإحراج من ذاك الموقف” في ساحة الأمم المتحدة بمدينة الدار البيضاء تحكي فاطمة التي يعترضها طفل لا يبلغ من العمر 10 سنوات فور مغادرتها محطة الترامواي، وبصوت مرتفع وهي منفعلة تضيف “ما يزعجني أكثر نظرات المتواجدين، كأنني إذا لم أعطه المال فأنا إنسانة سيئة”.

يعلمون أن الناس تميل إلى القيام بكثرة الخيرات والصدقات، بالنسبة لهم التسول أصبح وسيلة سريعة لجني المال وليس بدافع الفقر والاحتياج، “لا أعلم ماذا يقربه، لكني أراه كل صباح يجلبه هنا ولا يعود إليه حتى يقترب أذان المغرب” تروي ليلى بحسرة عن حالة تشهدها منذ أيام تؤلم القلوب عن شخص كفيف مسن في كرسي متحرك يتركه شاب بالقرب من مكان تجمع سيارات الأجرة الكبيرة ليتسول بدل منه مستغلا حالته المرضية.

يدعون أنهم سوريون لاجئون أو أنهم كفيفون أو عاجزون عن الحركة، “إنه مجرد تمثيل” بابتسامة خفيفة يتحدث خالد وهو سائق سيارة أجرة عما يراه يوميا خلال عمله النهاري ويكمل “الكفيف والسوري الذي كنت أراهم يتسولون أوقفوني في المساء لأوصلهم، السوري تحدث بلغتنا والكفيف عندما أقلته عبر الشارع وأكمل طريقه”، يكذبون ويستغلون عواطف ومشاعر الناس لينالوا استعطافهم وخاصة النساء لأنها كائن حساس وعطوف أكثر من الرجال، يصل بهم الأمر لادعاء المرض ووضع أمامهم تقارير طبية لا أساس لها من الصحة.

الإشارة حمراء والسيارات كلها متوقفة، تتنقل تحت أشعة الشمس الحارقة من سيارة إلى أخرى وهي حاملة طفلها الرضيع وراء ظهرها، دون أن تفكر به وبخطورة الحر عليه لا يهمها سوى استغلاله للنيل بأكبر مبلغ ممكن والبعض الاخر يدفعون أطفالهم الصغار، يباغتوك فجأة ويبدؤون في تنظيف الزجاج الأمامي لسيارتك يد بها بخاخ للماء وفي اليد الثانية ممسحة مطاطية.

يترددون للأماكن التي يقصدها أغلب الناس كأن الأمر مدروس، أمام شبابيك سحب المال الأوتوماتيكية، وأمام المخابز لأنها وجهة كل الصائمين لشراء الخبز والمخبوزات والفترة التي لابد من أن تتواجد بين أيديهم عملات نقدية، وأمام أبواب المساجد خلال أداء الصلوات لاستغلال الأجواء الروحانية، يتزايد عددهم أثناء صلاة التراويح يمدون أيديهم للمصلين ويكثرون من الدعاء لمن يمر بجوارهم ، بل يتواجدون حتى بالقرب من محطات الوقود “لا نسمح لهم بالجلوس داخل المحطة لكنهم يتخذون مدخلها ومخرجها مكانا لهم” يتطرق علي وهو عامل بمحطة الوقود لما يقومون به المتسولون على مدار اليوم والطريقة التي يتموقعون بها بجانب الرصيف الصغير المجاور للمحطة دون أن يعيروا اهتمام لما يخبرهم العاملين بالابتعاد عن المكان.

يرددون عبارات “صدقة الله يرحم الوالدين” ليقوموا باستجداء مشاعر المواطنين النبيلة والعميقة تجاه والديهم، يعتمدون على كل أشكال الحيل لينالوا مرادهم حتى أنهم قد يتجولون حاملين في أيديهم مناديل ورقية أو بطاقات تحمل آيات قرآنية وأدعية، يتوسلون إليك من أجل اقتناءها ولا يتركونك حتى تشتريها، الأمر الذي أصبح يسبب الإزعاج للمارين، فقد أصبحوا يعترضون كل الأماكن صيدليات، مستشفيات، أسواق…. 

ليس كل من يتسول هو فقير ومحتاج، وليس كل من لا يتسول غير محتاج، تشهد بذلك فتيحة عاملة تنظيف بمقهى وبنبرة حزينة تتكلم عن زميلتها في العمل “إنها أرملة، يصل بها الأمر أحيانا أن لا تأكل لمدة يومين متتاليين” وتضيف أيضا “لا تحب أن ينظر إليها باحتقار أو استضعاف وتعمل أي عمل يساعدها في جني المال”، مساعدة المحتجين هي رغبة كل شخص، لكن في الوقت الراهن أصبح من الغير ممكن التمييز بينهما وحتى لو حاول شخص ما تقديم المساعدة فالأمر جد صعب، لقد أصبحوا منتشرين بكل مكان، ولو خصص كل المال في الصدقات فلن يكفي، ستعاد نفس القصة في السون التالي، لن يتذكروا ما فعلته البارحة فلست أول من يؤثروا فيه “في طريقي للعمل تصدقت عليه وخلال عودتي اعترضني مرة لأخرى وعندما تجنبته شتمني” يحكي سعد بانفعالية عن هاته الإهانة التي أصبح يتعرض لها الشخص بدون سبب، كأن الأمر أصبح ملزم  وحتمي، يتخذون دور ضحايا الفقر وكأن حلهم الوحيد هو التسول.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى