في الواجهةكتاب السفير

“الخريف العربي” لحكومات ما بعد دستور 2011

le patrice

* بقلم : د. المصطفى ساجد

يشكل الربيع العربي عبر احتجاجاته التي شهدها العالم العربي في مطلع 2011 تعبيرا قويا للتنديد بالشرخ الذي يباعد بين الدولة والمجتمع و يترجم السخط العارم من طرف فئات من المجتمع العربي، بخصوص احتكار السلطة من طرف الطبقات الحاكمة و استيلائها على الثروات، والمطالبة بالديمقراطية عبر فصل السلط وتحقيق العدالة الاجتماعية والمراهنة على التعبير الجذري للبنيات الاقتصادية والاجتماعية.

والمغرب كجزء من هذا العالم عاش نفس الرجة التي عبرت عنها حركة 20 فبراير، حيث توجت حركيتها بتحقيق تعديل دستوري. والذي رغم أنه لم يحقق إجماعا من طرف كافة القوى السياسية والحقوقية ، عرف تعديلات في بعض بنوده وخاصة المسألة التي تتعلق بكيفية تعيين رئيس الحكومة وصلاحيته، الذي يتم تعيينه من الحزب الحاصل على أعلى عدد من أصوات الانتخابات التشريعية، بالإضافة إلى دسترة دور المجلس الأعلى للحسابات فيما يخص حماية المال العام وكذلك الإشارة إلى أهمية و دور المجتمع المدني لمواكبة الشأن العمومي…

 

إثر حصوله على أعلى عدد من الأصوات في الانتخابات التشريعية لسنة 2011 وترأسه للحكومة الأولى ما بعد دستور 2011، بالرجوع إلى الفصل47، فحزب العدالة والتنمية كان في مجهر الدول التي تراهن على الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية والعسكرية والثقافية كحال الولايات المتحدة الأمريكية، التي سعت، في إطار خريطة إعادة ترتيب الأوراق بالمغرب العربي والشرق الأوسط، إلى تشجيع الحركات والأحزاب ذوي المرجعية الإسلامية المعتدلة، ودول الاتحاد الأوربي كفرنسا واسبانيا …الخ

فقد كان هناك تخوف من أن المرجعية الدينية لهذا الحزب ستؤثر سلبا على هذه المصالح، وخاصة المصالح الاقتصادية، في ظل اقتصاد مغربي جد منفتح على الخارج وعلى الرأسمال الدولي من خلال وجود نسبة مهمة من الشركات الأجنبية بالمغرب و كذلك فيما يخص حجم المبادلات التجارية بين المغرب و مجموعة من الدول على مستوى الصادرات والواردات.

فالتخوف كان يهم كذلك مآل بعض القطاعات الأساسية، ذات الارتباط بالاقتصاد المنفتح، كقطاع السياحة الدولية الذي يعتبر كقطاع مذر للعملة الأجنبية وأن له آثار إيجابية على أنشطة أماكن الاستقطاب وعلى المقاولات الدولية التي تهتم بتسويق المنتوج (النقل، الإيواء…).

إلا أنه بعد مضي بضعة أشهر أتضح جليا أن الحكومة لا دخل لها في شؤون العلاقات الدولية وأن لا تأثير لها على جوانب مهمة من الإستراتيجية الاقتصادية والمالية للبلاد، بل عكس ذلك، فحكومات ما بعد دستور 2011 ستعمل كالتلميذ النجيب للمؤسسات المالية الدولية بالرضوخ لتطبيق توصياتها بمباشرة ” الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية” التي تهدف أساسا الى تقليص دور الدولة في الاقتصاد والى إعطاء كل الاهتمامات لهاجس تحقيق التوازنات الماكرواقتصادية وتشجيع الليبرالية الاقتصادية بتسليع وتبضيع مهام إجتماعية كالصحة والتعليم وتوسيع إستراتيجية التدبير المفوض في عدة مجالات (تدبير النفايات، تدبير الأماكن الخضراء…) خاصة على مستوى الجماعات الترابية.

وفي الوقت الذي انتظر فيه المواطنون المغاربة تفعيل هذا التغيير الذي طال الدستور، الى واقع عملي وسلطة فعلية للحكومة تحقق للمغاربة كرامتهم، عبر التوزيع العادل للثروة، و تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان الحريات العامة وحقوق الإنسان، بينت العكس وتقاعست الحكومة المنبثقة عن الانتخابات، من تحقيق وترجمة هذه المكتسبات، من جهة، الحكومة اجتهدت فقط في تكريس وتعميق منحى التوجه الليبرالي المتوحش للسياسة الاقتصادية بحيث أن الحكومة عملت على أن تجسد صورة التلميذ النجيب في تطبيقها ورضوخها لإملاءات وتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. (الاجهاز على مكتسبات نظام التقاعد، إصلاح صندوق المقاصة الذي يدعم القوة الشرائية بالحفاظ على أثمنة المواد الأساسية، تراجع الحريات والحد من الحركات الاحتجاجية عبر القمع وحق الإضراب) ومن جهة أخرى، عجز رئيس الحكومة على تفعيل سلطاته وصلاحياته حسب الدستور، بدليل أن العديد من القرارات المهمة تتجاوزه و أن قطاعات وزارية من حكومته غير متحكم فيها وغير معينة بالتفويض الذي منحته لها صناديق الاقتراع.

فإستراتيجية الحد من حريات التعبير وتكميم الأفواه (مشروع قانون 20-20) لا تهدف فقط الى تحريك أساليب الترهيب والردع للآراء والمواقف صوب تدبير السياسات العمومية وعلاقة الدولة بالمواطن و حول نمط توزيع الثروة وتأثير السياسة الاقتصادية على ذلك، بل تهدف كذلك الى تجنب أي تأثير على النمط الاستهلاكي للمواطن من شأنه خلق الضرر للمصالح الاقتصادية والتجارية للمقاولات ذات الرأسمال الوطني والأجنبي.

فمشاركة الوزير السابق لحسن الداودي في وقفة تضامنية دفاعا عن مصالح إحدى شركات توزيع الحليب ومشتقاته خير دليل على اصطفاف الحكومة بجانب الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج وأنها تخدم مصالح الرأسمال وتطبيق توصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وأنها ليست لها أدنى جرأة للتصدي لامتيازات واستحواذات “البورجوازية الريعية” التي تراكم الثروات عبر استغلال المسؤوليات والنفوذ الإداري والسياسي والتموقع بدواليب ومفاصل السلطة التي تصبح أداة الاغتناء السريع والفاحش، الشيء الذي يضرب عرض الحائط مبادئ تكافؤ الفرص والمنافسة.

من خلال مواكبة ومباركة قمع الاحتجاجات، كما هو شأن قمع الاحتجاجات ضد “إصلاح” نظام التقاعد و احتجاجات الأساتذة المتعاقدون، الخ، وتشريعات الحد من الحريات وضرب حق الإضراب بالتهديد والترهيب والاقتطاعات من الأجور وتكريس ثقافة التصدق بالمساعدات الغذائية واستراتيجية استعباد المواطن، واستغلاله بأبخس الأجور في المحلات التجارية والمصانع والحقول والقطاعات الخدماتية، واعتباره كعامل إنتاج قابل للاستغلال أو كسلعة قابلة للشراء، كحال السوق الانتخابي، أضحت هناك أهداف قتل المواطنة بتمرير ما هو أخطر ومسطر في طبيعة العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهي أنه لا كرامة مع الفقر !

أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية*

يتبع.. 

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى