في الواجهةكتاب السفير

أية سلطة لرئيس الحكومة في تدبير الأزمة الصحية الشاملة لوباء كورونا؟ – الجزء الثاني

le patrice

* بقلم: ذ. المصطفى ساجد

هذا ومن خلال ما يتم تداوله بمنابر إعلامية حول ممارسات وسلوكات رجال السلطة وأفراد القوات العمومية، تم تسجيل العديد من التجاوزات، إذ أحيانا يتم استغلال الأزمة لفرض تسلط  وتعنيف أفراد هذه القوات دون مراعاة لأبسط شروط المواطنة الحقة واحترام حقوق الإنسان. ففي الدول الأقل ديمقراطية، والتي يحكمها هاجس احتكار واستمرارية السلطة، يتم تعليف وتسمين أجهزة الدولة وقطاعات تأمين المؤسسات والحفاظ على طقوسها 

” Les secteurs régaliens” وأن العاملين و ذوي المسؤوليات بها يكون لهم حماسا زائدا ويؤدون وظيفتهم كما لو أنهم ذات تفويض للقيام بالتجاوزات وأن لهم قيمة أكثر اعتبارية وأن طبيعة مهامهم تغفر لهم الدوس على كرامة وسحق من لا يمتثل للأوامر والرضوخ لواجب الطاعة والولاء. وفي هذا الإطار فما هي تبريرات وتفسيرات ما تداولته منابر إعلامية حول اعتداء رجل سلطة وأعوان على ممرضة بمركز للتلقيح؟

فكيف يعقل أنه في هذه الظرفية الصحية لوباء كورونا – ذات الآثار جد السلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي- تقترف أفعال منافية للقانون من طرف رجل سلطة وأعوانه حين خربوا و مزقوا عجلات عربات مجرورة، في منتصف الليل، للبائعين المتجولين والتي كانت مركونة بأحياء مدينة بنسليمان؟ هل ضرورة الحفاظ على النظام العام وعلى نظام السير والجولان يمكن لها أن تبرر محاربة أنشطة الاقتصاد غير المهيكل من خلال التعنيفات والتخريبات لممتلكات الغير والمطاردات اليومية، في ظل الغياب التام لأسواق القرب وتنظيمها، وبالرجوع لطبيعة سياسة اقتصادية على مقاس النافذين وبتأثيرات المؤسسات المالية الدولية، هذه السياسة الاقتصادية التي أهملت القطاعات الأكثر إنتاجية والتي تخلق فرص الشغل لارتباطها بالبحث العلمي وبالابتكارات والمنافسة، كالقطاع الصناعي، وبتشجيعها للاستثمارات في القطاعات التي تتلاءم مع التوجه الريعي بتمكين الربح السريع والفاحش؟

فإذا كانت قرارات حالة الطوارئ الصحية قاسية على مستوى الحد من الحريات وفيما يخص عواقبها الاقتصادية والاجتماعية، فإن القساوة تأخذ طابعا أفظعا عند اقتراف التجاوزات والتصرفات اللاقانونية لرجال السلطة وأفراد القوات العمومية.

فهيمنة وزارة الداخلية ومصالحها يتحمل مسؤوليتها رئيس الحكومة مادام وزير هذا القطاع يعمل تحت سلطته، كما هو الشأن بالنسبة لجميع الوزراء الآخرين، وذلك بالرجوع الى فصول دستور 2011.

فمهما كانت المبررات لا يسمح بتاتا بمطاردات وملاحقات للمواطنين ومراقبتهم بصفة زجرية صارمة تطبعها تعنيفات جسدية ولفظية تحط من كرامة المواطن، فحالة الطوارئ الصحية المفروض في نهجها مصاحبة المواطن ومواكبته في مختلف مراحل اجتياز هذا الامتحان الصعب بإكراهاته النفسية الخطيرة والمعيشية الخانقة، وكذا عبر إشراك المجتمع المدني وليس ضده. ففي ظل هذه الظرفية التي تعرف موجة من التنديدات ضد أجهزة الأمن في فرنسا وأمريكا كدول تدعي الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان، نستحضر علاقة المواطنين بهذه الأجهزة عندنا و بالدول الإفريقية والعربية الأقل ديمقراطية. فالسياسة الأمنية هي بالدرجة الأولى سياسة عمومية ملزمة بخضوعها للمراقبة والمحاسبة، والمجتمع المدني معني من موقعه دستوريا بمواكبة تمظهراتها والعمل على الحد من تجاوزاتها وتعنيفاتها، خاصة في المدن الصغيرة والهامشية حيث تخفت درجة فعالية و حضور الفاعلين الجمعويين والحزبيين و الحقوقيين والنقابيين والمنابر الإعلامية التي تخلفت، للأسف، عن القيام بدورها وإنجاز مهامها بروح مسؤولة ومقدرة لجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقها. فقد لاحظنا بامتعاض الصمت التام للأحزاب السياسية وغالبية فعاليات المجتمع المدني اتجاه نمط و أسلوب نهج تدبير الأزمة الصحية وعدم إشراكها خلال عدة أشهر في التأطير وفي إبداء الرأي لتدبير أمثل يأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب، بحيث أن التبريرات الماكيافيلية هي التي كانت حاضرة بقوة في اتخاذ القرارات الحكومية وأن الغاية تبرر الوسيلة وبذلك فالهاجس الصحي، بالعمل على الحد من انتشار الوباء، يبرر اتخاذ القرارات القاسية على المواطنين وذات الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وعلى الحريات ! 

وفي هذا الشأن، فالقرار المتخذ يوم الأحد 26 يوليوز 2020 أيام قليل قبل عيد الأضحى، والذي تم إعلانه في السابعة ليلا بدخوله حيز التنفيذ الساعة 12 ليلا، والذي يقضي بمنع الدخول والخروج من بعض المدن، أثار زوبعة من الانتقادات اللاذعة لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بتحميله كافة المسؤولية لما يتخذ من قرارات، خاصة أن القرار كان قاسيا بشدة من خلال المدة الزمنية لدخوله حيز التطبيق (ساعات قليلة بعد البلاغ) والذي لم يراعي عواقبه (حوادث السير، السرقات، الأسعار الصاروخية للتنقل …) والظرفية المعينة التي لها ارتباط بطقوس دينية وبخصوصيات ثقافية وبالجانب الإنساني.

فيمكن اعتبار هذا القرار القاسي من القرارات التي أثارت تدمرا واسعا وخاصة بالنسبة للمواطنين المعنيين بأضراره. فرئيس الحكومة يتحمل مسؤوليته في شأن هذا القرار وكل القرارات المتخذة مادام أنه لم يكذب البلاغ المنشور وبالتالي فإنه يكرس ما هو منصوص عليه دستوريا أن الجهات الوزارية المعنية تعمل تحت سلطته !! في غياب بلاغات مضادة وتقديم استقالته، فرئيس الحكومة معني بجميع القرارات والتدابير المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية.

فهل إتخاذ قرار التخلي عن 11 ليلا بالرجوع الى 9 ليلا كوقت ابتداء الحظر الليلي تم اعتماده على معايير جدية ومقنعة لايجابياته الصحية فيما يخص الوقاية والحد من تفشي الوباء ؟ فعامل الثقة بين المواطن و الحكومات – المسؤولة عن قرارات تكون مصدرها- له ضرورة قصوى لهضم واستيعاب القرارات المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية، والتي وبذلك يجب أن تكون لصيقة باستشارات ذوي الاختصاص في مجال الصحة و الأوبئة، و من خلال إشراك الفعاليات السياسية والمنتخبين ومنظمات المجتمع المدني… فعلى عكس ما يجري في مجموعة من الدول التي تسعى إلى إشراك منتخبين والأحزاب السياسية في اتخاذ القرارات، فقد لاحظنا تغييب المنتخبين في عضوية لجن الدعم والتتبع لتدبير الأزمة الصحية. فلا تبريرات لقرارات ذات خلفيات وحوافز تهدف الى عقاب وجلد و تعذيب وتأديب المواطن كتأدية ثمن إخلاله بواجبات احترام التدابير الاحترازية.

يجب إثارة كذلك غضب الفاعلين بقطاع الصحافة بحيث أن الفعاليات الصحافية والإعلامية لم يستسغوا منعهم من الخروج للقيام بعملهم عندما تم إقصاءهم من قائمة المسموح لهم بالخروج خلال شهر رمضان 2020 قبل التراجع عن هذا الإقصاء بعد موجة من الغضب والرد القوي للفعاليات الصحافية والتي صعدت من لهجتها بزعمها اللجوء إلى القضاء من أجل الإنصاف. فهذه العقلية بتهميش العمل الصحفي السياسي والجمعوي والحقوقي تكرس منطق أن” الخبز أهم من الحرية”، وبالتالي فالهاجس الأساسي هو التموين من المواد الغذائية والمواد الضرورية للاستهلاك لتلبية الحاجيات اليومية، وأن كل ما هو متعلق بالحريات وبحقوق الإنسان وبالعمل الصحفي والأنشطة السياسية و الثقافية يعتبر أقل أهمية لدى حكام و حكومات الدول الأقل ديمقراطية.

والمثير للاستغراب أن هذه الجائحة بتجلياتها السلبية، قد أبانت عن غياب تام لرئيس الحكومة بدوره السلبي وعدم قدرته على فرض سلطته على جميع القطاعات الوزارية بدون استثناء، مما يعكس بالملموس غياب التجانس الحكومي داخل الأغلبية. وتأكد بأن جوانب مهمة من السلطة التنفيذية لا تملكها الحكومة المنتخبة بدليل ما عاشته هذه الحكومة الهجينة من تخبط في تعاطيها مع مشروع قانون تكميم الأفواه 20-20، والذي يهدف إلى الحد من حرية التعبير وغلق وتكميم الأفواه وقمعها، وهو مشروع يهدف في عمقه خدمة الدولة النافذة والطبقة المتحكمة والمستفيدة من ثروات وخيرات البلاد.

فقد حذرت فعاليات من المجتمع المدني عبر العالم والمنظمات غير الحكومية التي تعنى بحقوق الإنسان وكذلك الفاعلين السياسيين والمفكرين من لجوء الدول ذات الأنظمة السياسية الأقل ديمقراطية، الى استغلال هذه الأزمة الصحية لبسط تسلطها وبطشها، وأنه، تحت مبررات الهاجس الصحي، فحكام وحكومات هذه الدول تلجأ الى سن القرارات الأكثر قساوة على حياة وحريات المواطنين في إطار حالات الطوارئ بالتأثير على العمل السياسي والحقوقي وعلى جميع الأنشطة الاقتصادية بما لذلك من عواقب سلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحقوقي وحتى على نفسية المواطنين، بحيث أنه من خلال المعاناة من حد للحريات وقهر قرارات يصعب هضمها، يصبح المواطن تواقا الى هامش من الحرية خاصة في ظل إبقاء سيف داموقليس Epée de Damoclès فوق رأسه، و في ظل أفق مجهول وغير متحكم فيه.

فعوض الاهتمام الجاد بملف احترام حقوق الإنسان و وضعه ضمن أولويات وهواجس الحكومة، فعكس ذلك، فهذه الأخيرة عمدت على مواكبة قمع الاحتجاجات و على سن قوانين ضرب الحريات. فهل لوزارة حقوق الإنسان دورا في فرض احترام حقوق الإنسان وبالاهتمام بما يقترف من تجاوزات لا قانونية ومس سافر بحقوق المواطنين؟

فوزارة حقوق الإنسان يجب أن تنفتح على جميع الفعاليات الحقوقية بدون استثناء في إطار شراكة بناءة وأن تتعامل وتتفاعل بجدية مع تقاريرها فيما يخص المساس و الانتهاكات لحقوق الإنسان. 

إذا كانت حالات الطوارئ وما يصاحبها من قرارات، كالحجر الصحي وغير ذلك من التدابير المتخذة، كالتلقيح وارتداء الكمامات…، تعتبر أمرا ضروريا لحماية المواطنين والحد من انتشار الوباء، إلا انه لا يجب استغلال الأزمة الصحية بفرض قرارات يمكن تجنب قساوتها، وأنها غالبا ما تطرح علامات استفهام حول المعايير الموضوعية و طبيعة الاستشارات التي تحكمت في اتخاذها كأوقات الحظر الليلي ومنع مجموعة من الأنشطة الاقتصادية، تجارية وخدماتية، من مزاولة مهامهم و ضرب الحريات العامة، إلخ.

أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية*

يتبع..

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى