كتاب السفير

اغتيال “يوسف أحمد ديدات “: الوجه الآخر للتطرف

le patrice

* طارق شهير

مازال البحث جاريا عن الجاني الذي تسبب في وفاة الداعية “يوسف أحمد ديدات” بعد رميه برصاصة في الرأس أثناء خروجه من محكمة رفقة زوجته بمدينة “دربان” بجنوب إفريقيا مما جعله يلفظ أنفاسه الأخيرة يوم الجمعة 17 يناير 2020 بإحدى المستشفيات متأثرا بإصابته البالغة،وسواء أغلق الملف ضد مجهول أو ألقي القبض على الجاني ، فإن اغتيال نجل أحمد ديدات الباحث في “علم مقارنة الأديان” قد كشف عن الوجه الآخر للتطرف تمثل في ثلاث مستويات:

على مستوى الإعلام:

نهجت معظم وسائل الإعلام العربية – المكتوبة والمسموعة والمرئية – سياسة التغاضي تجاه الواقعة لدرجة انسلخت عن وظيفتها في تغطية الخبر أو حتى الإشارة إليه في نشراتها الإخبارية ،باستثناء بعض الجرائد الإلكترونية والقنوات العربية التي تناولت الحدث بطريقة محتشمة، علما أن الرجل اتسم بتبني المنهج العلمي في خطابه على خطى والده أحمد ديدات، الذي اشتهر بمناظراته الحادة للقساوسة على وجه الخصوص مع أواخر الثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

على المستوى الحقوقي:

لم يكن موقف المنظمات والجمعيات الحقوقية أقل غرابة من نظيرتها الإعلامية في تعاطيها مع حادث اغتيال “الداعية يوسف ديدات” البالغ من السن 65 عاما، إذ لم يصدر أي بيان أو بلاغ تعلن فيه –ولو على سبيل المجاملة- عن شجبها واستنكارها لمقتل ديدات، وهي التي طالما دافعت عن حقوق الإنسان في شموليتها، ودعت إلى نشر ثقافة التحرر عبر حرية الرأي والتعبير، والتصدي لكل من حاول الإجهاز عليها والنيل منها. فكيف بشيخ يقتل أمام أنظار العالم بطريقة تشي  باستهدافه مباشرة لاسيما أن القاتل حسب صحيفة “ايوال” الجنوب الإفريقية  فر بدراجة نارية كان يستقلها بعد تنفيذه العملية؟ ! الأمر الذي يضع منظمات حقوق الإنسان خاصة العربية منها في موقف حرج يصل إلى وسمها بتبني سياسة “الكيل بمكيالين” انطلاقا من صمتها عن جرم غادر حين يتعلق الأمر باضطهاد شخصيات لا توافق توجهاتها الفكرية فيما تقيم الدنيا بخطبها وشعاراتها المدافعة عن (حقوق الإنسان) كلما سنحت الفرصة لطرح أفكارها ودعم أهدافها.

على المستوى الثقافي:

من جانب آخر فإن موقف المثقفين والباحثين العرب الذي اتسم بالصمت والعدمية إزاء حدث اغتيال الباحث ،المناظر في مجال الأديان ينم عن تناقض صارخ في توجهات هذه الفئة التي مازال العديد منها يثير -في كل مناسبة- قضية اغتيال الباحث “فرج فودة” سنة 1992 بعد تكفيره من طرف بعض مشايخ الأزهر معتبرة أن ذلك فعلا إجراميا يهدف إلى قتل الاجتهاد الديني، وهو الشجب والسخط الذي يثار أيضا مع ذكر اسم الكاتب “حسين مروة” الذي اعتبرت اغتياله 1987 كبحا لحرية التفكير، أو ذكر اسم الأديب “نجيب محفوظ” حين تعرض في التسعينات إلى محاولة اغتيال، أو صاحب مؤلف “ايات شيطانية” الكاتب “سلمان رشدي” الذي نال اللجوء السياسي ببريطانيا بعد تهديده بالقتل … موقف النخبة المثقفة المدافعة عن الأقلام الحرة والمتصدية للفكر المتطرف كانت ستحظى بالاحترام والمصداقية لو لم تنحرف عن مسارها الموضوعي وتتجاهل كتم الأصوات التي تتبارى في الميدان الفكري بشجاعة أدبية، لا لشيء إلا لأنها لم تصدح في خندق من خنادقها على غرار “نجل أحمد ديدات” الذي قتل بدم بارد، غير أن ملف مقتل يوسف ديدات -الشهير بآرائه المثيرة للجدل تجاه البوذية والهندوسية – إذا أغلق جنائيا وهمش إعلاميا وثقافيا، فإنه سيحيا تاريخيا لا محالة.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى