في الواجهةكتاب السفير

هيبة الإدارة على المحكّ…

isjc

* يسين العمري

إنّ تواتر الأحداث التي تبيّن الجرأة التي بلغت درجة الوقاحة ضدّ رجال السلطة و الأمن و موظفي الإدارة، بلغت مبلغاً لا يمكن السّكوت عنه، و لنكون عمليين هناك ثلاث وقائع حدثت مؤخّراً تدقّ فعلاً ناقوس الخطر، بدءً من رئيس دائرة بمولاي يعقوب الذي قام بتطبيق القانون بمنع “بائع صيكوك” من الوقوف في مكان غير مرخّص، ليبدأ شخص ما في التصوير، و نسمع كلّ قاموس الكلمات النابية في حقّ ممثّل السلطة، الذي حافظ على هدوءه و تعامل مع الموقف برزانة و حكمة. لننتقل إلى مثال آخر هو الاعتداءات على رجال الشرطة الذين لم يسلموا من التشرميل و البلطجة، آخرها حادثة مكناس حيث اعتدى شقيقان على رجلي أمن اعتداءً شنيعاً، إلى آخر مهزلة رأيناها يوم أمس في حادثة تهديد بائع جائل لقائد في الرباط باغتصابه و اغتصاب زوجته أمام مرأى و مسمع من الناس. و الأمثلة بالعشرات لقوّاد و أعوان سلطة و رجال قوات مساعدة تعرضوا للضّرب بالكيلو و الحجر و التهديد بالسكاكين…

إن ما يقع في مثل هذه الحالات، يعمل البعض على قلب الحقائق، حيث يجعلون المعتدي معتدى عليه، و الظالم مظلوماً، إذ على عكس ممّا يدّعي البعض فالإدارة تعمل على منع المخالفة بناءً على شكايات مواطنين آخرين غالباً، في حين يدّعي الطرف الآخر أنّ الدّولة تقطع رزقه، و هذا كلام بليد، لأن من يعطي و يقطع الأرزاق هو الله وحده، أمّا الدّولة فتطلب من المخالف تصحيح وضعيته القانونية و الإدارية فقط لا غير، فإن أصرّ على المخالفة، فحينها يكون المنع بالقوّة، و هذا في كلّ دول العالم، و هو أصلا الهدف من استحداث الإدارة، و إلا لعمّت الفوضى.

فما يحدث من تعدّي على موظّفي الدّولة أثناء مزاولة مهامّهم هو اعتداء على حقوق هؤلاء، و هزّ فاضح لصورة الإدارة و الدّولة، حتّى بتّ شخصيا أخشى مستقبلا على الإدارة من طغيان المواطن. فكلّ مواطن الآن يدّعي المظلومية يدخل للإدارة و معه هاتفه النقال يصوّر بلا حسيب و لا رقيب، أو يسجّل صوتيا،…. مع أنّ قانون الصورة يمنع هذه السلوكات الهوجاء منعاً باتّاً و قطعيا.

ما نقوله لا يعني أنّنا ضدّ حقوق الإنسان المواطن أو الحريات الفردية للأفراد أو العامة للمجتمع، لكن أيضا هذا لا يعطينا أبداً الحقّ لتجاوز حقّ الإدارة في فرض النظام العامّ و ضبط الأمن و التصدّي لأيّ تجاوز للقانون.

إنّ القول بالمقاربة الحقوقية و إطلاق العنان لها على عواهنه، دون سلك مقاربة زجرية موازية، في مجتمع مع الأسف تبلغ نسبة الأمية فيه أرقاماً مهولة، تجعل نسبة هائلة جدّا لا تفرق بين الحقوق و الواجبات، بين ما لهم و ما عليهم، تعتبر نسخة مشوّهة من حقوق الإنسان، فتسامح الدولة ليس شيكاً على بياض، بل له حدود و ضوابط محدّدة بنصوص قانونية.

نعم يا سادة إنني أدقّ ناقوس الخطر، إن الفرق بين اكتساب الحقوق و الفوضى شعرة دقيقة، فمن له حقّ هناك قنوات شرعية ليحصل عليها، تبتدأ بتقديم شكايات للإدارة المعنية بشكل تراتبي يبلغ أعلى الهرم، فإن لم يزل الضرر و يتحصّل الحق فهناك الصحافة، و هناك المحاكم الإدارية، التي تعتبر أكفأ محاكم في المغرب، و التي في أحكام كثيرة أنصفت المواطن، و لم تجامل الإدارة، إذا اتّضح لها خطأ هذه الأخيرة أو التعسف في استعمال سلطتها. أمّا الفوضى و شرع اليد لتحصيل ما يراه المواطن حقّاً له، فعواقبه وخيمة، و سيناريوهات الفوضى في عدّة دول في المنطقة بيّنت بالملموس أنّ هيبة الدّولة إن سقطت فإن الجميع يتجرّأ عليها.

و عليه، وجب الضّرب بيد من حديد على كلّ من يحاول فرض قانون الغاب بالابتزاز و البلطجة و العنف لفظيا أو ماديا ضدّ الإدارة و موظّفيها.

باحث متخصص في القانون الخاص و الإعلام *

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أستاذي الكريم لا أحد يجادل في كون هيبة الدولة يجب أن تحترم ،وفي كون أعوان وموظفي الدولة أيا كانت رتبهم ووظائفهم وليس فقط رجال الأمن و أطر وأعوان وزارة الداخلية، يجب أن تقدم لهم الحماية اللازمة أثناء أداء مهامهم .وإلا تخلفوا عن القيام بالواجب.ولكن الطامة الكبرى أن بعض القوى السياسية المنتخبة تدعم فوضى الشوارع وتشجع عليها لغايات انتخابية،كما أن هناك بعض الأطر والأعوان المرتشون يجعلون من النزهاء عرضة للاعتداء بسبب النظرة المأخودة على موظفي ورجال الدولة.بكونهم جميعا متشابهون ونحن لا ننطلق من فراغ فالواقع يكشف عن حقائق رهيبة .المواطن يعتبر الموظف عدوه أيا كان منصبه وهذا خطأ فادح .لأن التعميم فيه ظلم وجور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى