أقلام حرةفي الواجهة

يوميات أستاذ من درجة ضابط …”بائع الخبز و محاولة إسقاط البذلة “

le patrice

السفير 24 – بقلم : عزيز لعويسي

داخل ردهات المركز.. وفي سيــاق موسم استثنائي بامتياز .. ووسط زخم الرتابة المتسكعة بين أركان وجنبات الداخليـة .. إنبعثت حكايـة ربما لم ينتبه إليها البعـض وربما إعتبرهــا البعض الآخر حدثا عابرا عاديا عبور السحاب .. لكنها شكلت حدث الموسم بإمتيــاز ..إنها حكاية بطلها الوحيــد والأوحد بائع الخبـز..حكاية نسج خيوطها أستــاذ متدرب نحيف البنية .. طويل القامة .. تجاوز عقده الثالث .. لون بشرته ميال إلى الحمرة بقليل … تعود أن يغادر غرفته كل صبيحة متحوزا بكيس فارغ متوسط الحجم غير مكترث بقساوة شتــاء مازاغان ، ويقصد الباب الرئيسي حيث يتسلم شحنة من الخبز الساخــن من أحد الباعة ، ثم يعــود أدراجه محملا بالكيس ، ويبادر إلى توزيــع الخبز على زبنائه الأساتذة كل حسب طلبيته ..

لكن في أحد الأيــام توقف”سليم” و”سليمان” عند إعــلان معلق على مقربة من المطبــخ ، كتب عليه “إعلان من بائع الخبز”، وبإلقــاء نظرة خاطفة تبين لهما أن بائع الخبــز يعتذر لزبنائـه الأساتذة المتدربين ويؤكد لهم توقفه عن عملية تسليم الخبــز ، تبادل وقتها “سليم “و”سليمان” أطراف الحديث حول هذا القرار المفاجئ وهما كالعادة يترجلان في إتجاه حي السعادة من أجل تناول وجبــة الغــداء ، نظــر “سليم” إلى “سليمان” والحيرة بادية على محيـــاه ، وقال له :” ربما أن البائـــع قد توصـل بإنـذار من طرف الإدارة بعدما بلغ إلى علمها ما يقوم به من نشاط تجــاري” ، فقاطعه “سليمـــان ” بابتسامة عربضة قائلا : “ربمــا أن مغامرتــه التجارية لم تسمح له بجني ما كان يطمـح اليه من ربــح .. ” ، عموما فقد كان ذلك الإعـــلان ، بمثابة نقطة نهايــة لبائع الخبــز تاركا جملة من التساؤلات تحيط بما كان يقدم عليه من عمـل أقل ما يمكن أن يقال عنه ، أنه لا يليق بأستاذ متدرب يتوجب عليه أولا أن يلتزم بالقانون الداخلي للمركز الذي يتكون به ، وأن يتحلى ثانيـا بسلوك لائــق ومسؤول كأستاذ وكمربي ..

لكن في إحدى اليوميات الباردة ، أبى بائع الخبز إلا أن يعود إلى مسرح الأحداث من جديــد ، حيث وبينما كان “سليم ” و”سليمان” داخل الغرفة رقم 10 يحتسيــان كأس شاي منعنع ويتبــادلان أطراف الحديث ..حتى سمعا طرقات على الباب ، ظنــاه “سعدان” أو”حسنين”، فنهض “سليمان” من مكانه الاعتيادي على الأرض ، وقصد بخطوات متثاقلة الباب من أجل معرفة من الطارق ، التقطت وقتها مسامع “سليم” كلمات مقتضبة لسليمان وهو بصدد التحاور مع شخص ثان ، لكنــه لم يتبين طبيعة الحوار ولا إسم الشخص الطارق للباب ، بعد لحظات قصيرة أقفل سليمان الباب ، وعاد مجددا إلى مكانه وجها لوجه أمام حاسوبه الصغيـر وعلامات التعجب والإستغراب بادية على محياه ..سأله “سليم ” عن الشخص الذي طرق الباب .. فقاطع كلامه بابتسامة عريضة : إنه بائــع الخبز ….رد عليه “سليم ” للتو بقهقهة خافتة : ” ربما يريد أن يدخلنا ضمن قائمة زبنائه ويوزع علينا الخبز كل صباح .. “.. قاطعه “سليمان” بكلمات متقاطعة : “إنه يريد إسقاط البذلة الزرقــاء .. إنه يطرق أبواب الغرف من أجل أخد توقيعات المتدربين من أجل إسقاط البذلة ..” قاطعه “سليم “قائلا : “ومصيبة هـادي .. أي حماقة هذه ..من الخبز إلى البذلة ” ..

طبعا فقد انتقد “سليم” ورفيق دربه “سليمان” هذه الطريقـة غير الواعية وغير المسؤولة لعدة اعتبــارات ، فالإدارة وإن فرضت البذلة الزرقاء الموحدة كلباس رسمي لجميع المتدربين والمتدربات ، فهي وهذا يسجل لها ، لم تصل إلى حد الإلـزام ، وهـذا ما فسح المجال أمام بعض المتدربين والمتدربات من أجل التمرد الناعم والسلس على البدلة الموحدة ،وبالتالي إرتــداء أزياء أخرى غير موحدة كل حسب هـواه ورغبتــه ، ثاني الاعتبـارات هو أن البدلة الموحـدة على الأقل من ناحية المظهــر ، تبـدو أحسن وأجمل من “الوزرة” البيضـاء ، وذاك اللباس الموحد يعطي للأستـاذ المتدرب قيمة إعتباريـة ، ويجعلــه يتساوى على مستوى الهندام مع اللباس الموحد الذي تفرضه بعــض معاهد ومدارس التكوين كالشرطة والطيران والفندقـة وغيرهــا ، وبصيغــة أخرى فإن البذلة الموحدة الزرقاء كانت تبدو أكثر أناقــة واحترام من الوزرة البيضاء التي تكرس صورة نمطيـة للأستاذ ، ثالث هذه الاعتبــارات ، وبما أن الإدارة لم تفرض هذا الزي المــوحد ، فقد كان كل أستاذ متدرب يلبس ما يشـاء بكامل الحريــة ، وبالتالـي ، فقــد كان السؤال الذي فرض نفسه ، ما الجـدوى من البحث عن عريضة توقيعات ترمي إلى “إسقاط البذلة ” .. كان ذلك مجرد خطـوة متهورة وغير واعيــة وغير متبصــرة ، لذلك أجهضت هذه المحاولة وهي في المهــد ، ولم يصل صداها إلى الإدارة ، التي ظلــت متعاملة مع موضوع البذلة الموحدة الزرقــاء بنوع من الليونة التي لم تصل إلى حـد الجبر أو الإلــــزام ، إلى أن إنتهى الموســم بســـلام ..

أستاذ التاريخ و الجغرافيا بالسلك التأهيلي ) المحمدية ( باحث في القانون وقضايا التربية و التكوين .
[email protected]

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى