من يقف وراء التضييق على رجال الإعلام والصحافة في بلادنا؟
من يقف وراء التضييق على رجال الإعلام والصحافة في بلادنا؟

السفير 24 – حيمري البشير – كوبنهاغن، الدنمارك
هذه حقيقة ما تطبخه الأحزاب الحكومية، التي تهدف من ورائها إلى تنفيذ سياسة تكميم الأفواه. سياسةٌ تعثرت في السابق، لكن وزير العدل وشركاءه في الحكومة يصرّون من جديد على عرقلة كل من يسعى إلى نشر الفضائح والخروقات التي تقع في القطاعات المختلفة، والتي تُدبّر شؤونها الحكومة الحالية. هذه المرة، لن يسلم أحد.
إن مصادرة الحق في التعبير، وفضح ما يجري من خروقات واختلاسات، أصبح بموجب مشروع جديد عرضته الحكومة، واقعًا ملموسًا. وأعتبر هذا المشروع مؤامرة واضحة على شريحة واسعة من الشرفاء، الذين يكشفون ما يقع في المملكة من تجاوزات خارج القانون، ويطالبون باسترجاع الأموال المنهوبة.
التضييق على العمل الصحفي، ومحاصرة كل من يفضح أو يسرّب ما يحدث من نهبٍ وتجاوزات، يمثل أكبر تهديد للمسار الديمقراطي في البلاد. إنني أرى أن الإجراءات والقوانين التي تناولتها بعض المنابر الإعلامية، المقرّبة من الأحزاب الثلاثة المُشكّلة للحكومة، تمثل تهديدًا مباشرًا لحرية الصحافة في المغرب، وعرقلة واضحة لحرية التعبير التي ناضلنا لسنوات من أجل ترسيخها في المجتمع المغربي.
في البلدان الديمقراطية التي تُبنى سياستها على حرية التعبير، يعتبر التضييق على الصحفيين جريمة لا يمكن السكوت عنها. فتخليق الحياة العامة في أي مجتمع، لا يتم إلا من خلال حماية رجال الإعلام والصحافة من كل القوانين الزجرية التي تُعرقل البحث عن الحقيقة، وكشف الممارسات غير القانونية التي يمارسها مسؤولون حكوميون.
إن خرق القانون، وهدر المال العام، جريمة لا تغتفر. وما يسعى إليه وزير العدل وشركاؤه في هذه الحكومة، هو لجم الصحفيين والإعلاميين عن ممارسة رسالتهم النبيلة، تلك الرسالة التي تعيد الثقة للمواطن، وتدفعه للمشاركة الفاعلة في الحياة العامة.
السكوت عن الجرائم التي تقع في المجتمع يتطلب المحاسبة والمتابعة من طرف الصحفيين. وهي مهمة، كانت عبر التاريخ، شاقة، بل مستحيلة أحيانًا. وستصبح أكثر استحالة في ظل الإجراءات الحكومية الجديدة، إذ سيُستهدف بموجب هذا “القانون” الجديد كل من تطاول على من يُدبر شؤون الحكومة.
إنه في رأيي قانون لجم الأفواه و”إعادة التربية” بمفهوم رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش، ووزير العدل الذي كان من الأجدر به أن يختار التمثيل بدل السياسة. فهو، سواء في الحكومة أو في المعارضة، يتقن أداء مسرحيات هزلية في مداخلاته البرلمانية، تُثير اشمئزاز المتابعين للشأن السياسي في البرلمان المغربي.
ويتساءل العديد من الشرفاء: من أفتى لوزير العدل الحالي باللجوء مجددًا إلى قانون تكميم الأفواه، والمس بحرية التعبير والصحافة، والزج بالبلاد في مستنقع عفن يُسيء لصورة المغرب في الخارج، ويزيد من تأزيم الوضع الاجتماعي، ويُساهم في العزوف السياسي من طرف فئات واسعة من الشعب؟
إن فتح النقاش من جديد حول مشروع تقييد حرية التعبير، يُعتبر في نظر الأغلبية المطلقة مشروعًا مدانًا، لا يمكن تمريره، لأنه يمس حرية التعبير والصحافة، ويعرقل مهمة كشف الحقيقة وما يجري من فساد في البلاد.
وحتى نكون وطنيين بامتياز، فإنني أوجه هذه الرسالة إلى كل الأحزاب السياسية، وإلى كل المستهدفين من القوانين الجديدة، التي تهدف بالدرجة الأولى إلى وقف مسلسل فضح الفساد في البلاد. هذا الفساد الذي ذهب ضحيته جزء كبير من الشعب المغربي، ويُضاف إليهم الآن، بموجب “قانون لجم الأفواه”، الصحفيون ورجال الإعلام، الذين كانوا محميين بموجب القوانين السائدة في العالم، لكنهم اليوم أصبحوا مستهدفين، ومُهدّدين، ولا يستطيعون القيام بمهامهم في كشف الفساد الذي يضر بالعباد.
إنها مصيبة حلّت بالمجتمع المغربي، وتُضاف إلى مسلسل فضائح قد تُعمّق، بلا شك، الأزمة الاجتماعية في البلاد. وقد أُعذر من أنذر.
وسؤالي الأخير موجه إلى رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان: ألا تعتقدين، سيدتي، أن حرية التعبير أصبحت مصادرة في بلادنا بموجب التضييق المتزايد على الصحفيين ورجال الإعلام؟
وفي نظرك، وأنت الحريصة على حماية حرية التعبير في المغرب، أليس من الضروري، في ظل ما يقع، فتح نقاش مجتمعي واسع لوضع حد لهذا التراجع الخطير في حرية الصحافة والإعلام؟
أغلب الصحفيين ببلادنا تم تلجيمهم عبر الدفع المسبق للمال بسخاء حتى يغضوا الطرف عن ما يجري من خروقات وفساد في جميع المجالات دون حسيب ولا رقيب. منذ تنصيب هذه المحكومة الحالية لم يتجرأ إلا القليل من الصحفيين على انتقاد المحكومة وكأننا نعيش بالسويد، وواقع الحال يقول بأن المغاربة غارقين في المشاكل حتى الأذنين…