“عقدة هشاشة القضيب” المرأة …اللغة …العنف…الحب
"عقدة هشاشة القضيب" المرأة ...اللغة ...العنف...الحب

السفير 24 – عبد السلام المساوي
إن اللغة تحمل سلطة اجتماعية محايثة لها ، وهي تتخذ مظهرا بريئا يتمثل في منظومة القواعد الفعلية والنحوية والتركيبية ، وبتعبير آخر إن اللغة كمؤسسة اجتماعية لها استقلال عن الأفراد الناطقين بها ، وباعتبارها لها قواعدها الضابطة لنظامها الصوتي والمعجمي والنحوي وهكذا فاللغة كنسق تتكون من بنيات كالبنية الصوتية ، والنحوية والمعجمية ، إذ من خلال هذه البنيات يمكننا رصد مظاهر سلطة اللغة والبحث عن التمييز الذي يقوم على النظرة الدونية للمرأة .فعلى المستوى المعجمي سنجد حضورا قويا للتفريق بين الجنسين ، فإذا وقفنا مثلا على المعجم العربي ، فإنا سنلاحظ أن كلمة امرأة مشتقة من فعل ” مرأ ” أي طعم ومن هنا تواجهنا صلة المرأة بالطعام ، ويقال مرأ فلان مرءا أي صار كالمرأة . وتجمع المرأة على غير أصلها فيقال نساء ونسوة ، بدل ” مرآت ” ، والنساء تعني المناكح ، ومن هنا تواجهنا صلة المرأة بالجنس .
لقد لعبت كذلك البنية النحوية العربية دورا أساسيا في ترتيب الجنسين وتصنيفهما . فإن كان التمييز بين الجنسين ظاهرا على المستوى المعجمي وعلى المستوى النحوي ، فإننا سنعاين هذا التمييز كذلك على المستوى الصوتي ، فالأصوات تقوم بوظيفة التأكيد على المنطقة التي ينتمي إليها المتكلم ، فبالنسبة لنطق ” القاف ” القريب من الهمزة غالبا ما يدل على أن متكلمه أنثى ، كما أن خاصية ترقيق الأصوات بصفة عامة هي خاصية نسوية .
إن اهمية المستوى الصوتي تكمن في تحديد نوعية المتكلم وتمييزه بل احتقاره في بعض الأحيان ” صوته كصوت المرأة ” ،” الكلمة هي الرجل ” ، ” ما عندك كلمة كالمرأة ” ، ” الكلام مع الرجال لا مع العيالات ” .
وهكذا فاللغة العربية ليست أداة للتواصل فقط بل فيها تنطوي أبعاد الوجود الانساني العربي ، إنها تعتبر مدخلا أساسيا لفهم واقع الدونية الذي تعاني منه المرأة وتكتوي بناره ، فأن نتكلم إذن ليس هو أن نتواصل بل أن نسود ونسيطر ، إن اللغة لا تنتج تواصلا بل تنتج علاقة ، علاقة سلطة وسيطرة .
ويظهر أن الاسلاميين ، شيوخ الايديولوجية السلفية والإخوانية ، متشبعون بالموروث الثقافي التقليدي الذي يحتقر المرأة ويكرس دونيتها ، من هنا عندما يتكلمون اللغة أو تتكلمهم اللغة ، فإنهم يخاطبون المرأة بفحولة جنسية وفحولة معرفية وسياسية ، وهذا ما يدل عليه انفجار اللاشعور البنيوي والمكبوت الأصولي في خطابهم …إنها قناعات تعكس موقفا ذكوريا من المرأة…
إن الاسلاميين ، إذن ، يلعبون ” لعبة ” الذكر ، وهذه اللعبة كما تؤكد على ذلك الثقافات القضيبية الرجالية الفحولية ، تتمثل في تلقين وحقن دماغ الذكر بأن يكون شديدا عنيفا ، بطلا مقداما وكل مشتقات السيطرة كالعنف والبطش ، لذا تنسب هذه الثقافة الذكر إلى الحكمة والعقل ، وفي مقابل هذا الاحتفال الطقوسي بالعقل والحكمة والشدة والمبارزة …تشترط على الأنثى ثقافيا الميوعة والنعومة والانفعال والعاطفة والرومانسية …إنها تدفع المرأة إلى مناطق الانفعال ، الشعر ، الشعوذة ، الزينة ، التبرج ، الكبد …أما حكمة السيطرة على الانفعالات وقتل جواسيس النفس أقدس من أن تمارسها المرأة ، ويفسر بعض المفكرين المعاصرين هذا الموقف الذكوري بارجاعه الى ما يسميه بريان اسلي ” عقدة هشاشة القضيب ” .
وهنا نسجل بأنه لا بد من مراجعة ومساءلة الموروث الثقافي الذي ما زال يرقد في الخطاب الإسلامي .
تقول سيمون دي بوفوار : ” ان المرأة لا تولد امرأة ولكنها تصبح كذلك ” ، وتماشيا مع الخطاب الديبوفواري ، يمكن القول ان الرجل لا يولد رجلا ذكرا وانما يصبح بالثقافة كذلك ، والتحديد الذي يعطيه رايلي لمفهوم الذكر والانثى انما هو بالأساس يعتمد المتواليات من النعوت التي تنسب الى كل منهما ، وفقا للثقافة : المهد ، البيئة ، الأسرة ، السياسة …الثقافي هو الذي لطف ما سمي ويتسمى الجنس اللطيف وهو الذي أوجد الخشونة لدى الجنس الخشن ، اما الطبيعة فلا يبدو أنها جنسوية ،
اي تفاضل بين الجنسين .
وبعبارة أخرى فالطبيعة لم تنتصر للرجل ضد المرأة ، ولكن الرجل ، انطلاقا من وعيه الفحولي للعالم ، هو الذي ذكرن الذكر وذكرن المعرفة وذكرن العلم وذكرن السياسة …وفي المقابل أنثن الطبيعة وأنثن المرأة وانثن العاطفة وأنثن القلب ” كلنا يلعب لعبة الذكر والأنثى ، لقد تعلمناها من المهد .”
إن التشريط الثقافي ، حسب لغة هيرسكو فيتس، هو الذي يمسرح الحياة بعد توزيع الأدوار ، وفق معايير سلوكية حفاظا على مصالح المتحكمين في قواعد اللعبة وواضعي شروطها ، ومن يفعل ذلك غير الساسة ؟ وكل من لا يلعب لعبة الاسلاميين ” يفرد افراد البعير المعبد ” فينسب للشرك والمروق حينا والى الهرطقة حينا اخر والى الفساد والخيانة حتى …
الإسلاميون يتصورون أن كل شرور الكون تأتي من النساء ، وأن الحل هو عزل النصف الآخر من المجتمع في انتظار منعه وسجنه في المنازل قريبا…
هاته العقلية المتخلفة ، والتي لا ترى في المرأة الا الوعاء الجنسي الصالح لتفريغ المكبوتات ، والتي نتصور كل مرة أننا تخلصنا منها والتي تظهر لنا في هاته الومضات أو ” الفلاشات ” المرعبة ، هي عقلية تعيش معنا وتحلم لنا بمجتمع على مقاسها وهواها ، تضع فيه النساء قرب الأطفال وقرب المتخلفين عقليا ، وتعتبرهن ناقصات عقل ودين ، وتؤمن انه يحق لنا ان نضيف اليهن عبارة ” حاشاك ” كلما ذكرناهن . وهذه العقلية لها مشكل مع نصفها السفلي الذي لا تستطيع له إشباعا ولا تعرف له ترويضا سويا ، ولا تملك ادوات التحكم العاقلة فيه وهو ما ينعكس على نصفها العلوي ويصعد لها مباشرة الى المخ ، ويدفعها دفعا نحو هاته التخيلات المرضية .
مشكلتنا مع هؤلاء الإسلاميين ستدوم طويلا بسبب عدم القدرة على التحكم في عضو من أعضاء جسدنا يعوض العقل في التفكير ، ويدفعنا دفعا كل مرة الى النزول الى هذا الحضيض ، ومناقشة ما اعتقدنا ونعتقد وسنظل على الاعتقاد ذاته ان البشرية السوية والحضارة السليمة قد تخلصت منه بشكل نهائي وتام ، بأن وجدت السبل السوية للتعايش معه وفق الحرية الفردية ومسؤولية على ما يرتكبه ويقترفه ويقوم به في حياته دون مساس بالاخرين .
الحب تجربة وجدانية تعاش ولا توصف ، هو أنبل وأسمى علاقة انسانية …واللغة عاجزة وقاصرة عن الإحاطة بالحب كاحساس داخلي وشعور عاطفي …واللغة في مجتمعنا ، في هذا المجال ، ليس أداة للكشف بل أداة للاخفاء ؛ ونجد انفسنا في كثير من الحالات امام من يخفي مشاعره ويداريها او من يتجمل ويظهر عكس الحقيقة.
الحب تجربة ذاتية ، داخلية ، فانا لا استطيع نقل أو اخبار الآخر بعمق مشاعري ؛ عالمي مغلق لا يمكن للآخر ان يلجه ، ابواب عالمي موصدة في وجه الغير . كما أنه لا يمكن لي أن الج عالم الغير ، أبوابه موصدة في وجهي …الحب كالموت ، لا احد يموت مكاننا ولا أحد يستطيع ان يحب بدلا عنا…
يغيب التعبير عن الحب في مجتمعنا كما تغيب في الدارجة العبارة او الكلمة التي تعبر عن الحب ، كما يقع الخلط بين الحب والجنس ، وخصوصا بين الذكر والأنثى ، ولهذا لا نعترف بالحب ولا نمنح للمراهق رخصة الحب . وبشكل عام نلاحظ حضور العنف اكثر من الحب ، إذ نجد الام تقول لابنها مثلا ” سير الله يعطيك موتا اولد الحرام ” ، فعن اي حب نتحدث ؟ وأما العلاقة بين الفتى والفتاة فليست حبا ، بل هي انجذاب جنسي وعاطفي . ويخجل المغربي من التعبير عن مشاعره لانه لم يترب على الحب والحنان….
إن النساء يقدسن الحب ويعتبرنه شعورا ساميا وينتظرن الكثير منه ، في حين يؤمن المجتمع بقيم ” الرجولة ” و ” الفحولة ” ، ويعتبر الحب ضعفا ولا قيمة.
إن نموذج ” الكوبل المنسجم ” ليس موجودا في المغرب ….إن الحب والرومانسية والحنان بالنسبة إلى الرجال ، موجودة في الافلام فقط ، وليس في الواقع ، كما أنهم يعتبرون تعامل الرجل بلطف وحنان مع امراته امام الناس ، مدعاة للشك في سلوكه ( فهو إما خانها او يخفي عنها شيئا ) ، وطريقة يستعملها من أجل أن تسامحه ، فان يعانق رجل زوجته او يمسك بيديها امام الملأ ” عار ” و ” مسخ ” في تصورهم ….
الحب شعور نبيل ، وهو أيضا تربية وثقافة …اجمل احساس …والأدب العربي والامازيغي زاخران بالاشعار والحكايات ، كما أن هناك ثراء كبير في التعبير عن الحب والمشاعر …
لنعمل جميعا ، بصدق ونبل ، على تجذير قيم الحب والتسامح لمحاصرة الإرهاب والتعصب ومحاربة الحقد والعنف …