حقوق الإنسان ومعاناة المواطنين بإقليم بنسليمان – الجزء (2)
حقوق الإنسان ومعاناة المواطنين بإقليم بنسليمان – الجزء (2)
السفير 24 – ذ. المصطفى ساجد
يبدو أن استراتيجية ممنهجة هدفها الابقاء على أبناء الاقليم إن لم نقل غالبيتهم رهين إطار تعليمي محدود في ظل الغياب التام لمؤسسات التعليم العالي رغم حملات التطبيل الدعائية خلال فترة الانتخابات وتقديم وعود كاذبة للمواطنين بوضع حجر أساسي لخلق مدينة جامعية.
فالرأي العام المحلي والجامعي لا يزال يتساءل أين هي مائة هكتار بنواحي بنابت بابن سليمان التي تم الادعاء بأنها ستخصص لمؤسسات جامعية تهم التعليم العالي؟
وموضوع التأسيس اعتمده بعض رؤساء الجامعة كخطاب وشعار لمجرد الاستهلاك. وهي الوعود التي قدمت كشعار يرمي الى تحقيق نوع من السلم الاجتماعي مع الأساتذة ومحاولة استقطابهم بامتيازات عقارية في إطار تمرير المخططات التي تستهدف الجامعة.
فالتهميش المجالي يؤثر حتما على الوضعية الاجتماعية للساكنة، بحيث أن غياب المرافق والخدمات العمومية الاجتماعية، كمؤسسات التعليم العالي والأحياء الجامعية والداخليات، يحد من المستوى التعليمي لأبناء المناطق المهمشة، كإقليم بنسليمان، ومن حوافزهم وسقف طموحاتهم، وبالتالي فالتعليم لا يلعب دوره كمصعد اجتماعي (Ascenseur social) لتمكين أبناء هذه المناطق من استكمال دراساتهم العليا. فهذا التهميش المجالي والاجتماعي يولد تعليما طبقيا يعمل على إعادة إنتاج النخبة (اذا كانت لها فعلا مقومات النخبة) أو الفئة التي تتقلد مناصب القرار والمسؤوليات وتخدم منطق استمرارية احتكار السلطة والثروة.
فالفوارق الاجتماعية ومراكمة الثروات هي عوامل تزيد من حدة المعاناة لدى أبناء الفئات الفقيرة والهشة و حتى المتوسطة التي ليس في وسعها تغطية تكاليف دراسة أبنائها، في ظل مناخ اقتصادي واجتماعي صعب يتسم بالتضخم (غلاء الأسعار) وخوصصة الخدمات الاجتماعية والشراسة الجبائية وتملص الدولة من مهامها الاجتماعية تحت ذريعة الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية وتسديد خدمة الدين الخارجي.
الملاحظ هو أن هناك سخاء للوعاء العقاري لبناء المدارس العسكرية ومدارس الدرك والقوات المساعدة وندرته وشحه فيما يخص مؤسسات التعليم العالي التي لا يوجد لها بكافة جماعات الاقليم علما أن أقاليم ومناطق أقل كثافة سكانية وضآلة مساحتها توجد بها مؤسسات جامعية كبنكرير، وقلعة السراغنة وأيت ملول والناظور وتازة الخ.
نفس المعاناة تتكرر بخصوص قطاع الصحة والحق في التطبيب والرعاية الاجتماعية. حيث يتشكل إقليم ابن سليمان من 16 جماعة في حين يتوفر على مستشفى لا يستجيب بتجهيزاته وخدماته لمطالب السكان، علما بأن العديد من السكان يتواجدون في نقط ترابية بعيدة جدا عن مركز الإقليم (سيدي بطاش، بئر النصر، أحلاف، مليلة….) حيث تتضاعف مشاكلهم ومعاناتهم نظرا لبعد المسافة خاصة في الحالات الخطيرة التي تتطلب تدخلا عاجلا لإنقاذ أرواحهم.
ومن بين المؤشرات الخطيرة التي يشهدها الإقليم توجد معضلة البطالة وفقدان الشغل، حيث ترتفع نسبة البطالة بمستوى أكبر مقارنة مع مناطق أخرى على الصعيد الوطني.
والأسباب في ذلك نرجعها الى عدم تشجيع الاستثمارات الصناعية المنتجة، والإقليم لا يزال يؤدي فاتورة المراهنة عليه كمتنفس وكرئة لجهتي الرباط والدار البيضاء.
وادعاءات خلق منطقة صناعية بابن سليمان هو من قبيل الادعاء الكاذب لا غير، حيث صارت المنطقة وتحولت الى مشاريع سكنية وعقارات مخصصة للمضاربات استفاد منها منتخبون عبر المجالس المتعاقبة.
وفي غياب استثمارات منتجة تخلق فرصا للشغل ومدرة للدخل يلجأ المواطن الى الحلول الترقيعية السهلة لضمان قوت يومه، والمس بجمالية العمران الحضري وتشويهها من خلال خلق ورشات حرفية وسط الأحياء السكنية بمخلفاتها الملوثة للمجال والمضرة بصحة المواطنين (ميكانيك، نجارة، ألومنيوم، سودور…) ويزداد المشهد سوءا بتناسل الباعة المتجولين بعرباتهم المجرورة ودوابهم و إغلاقهم لمنافذ الطرقات، وهي معضلة كان من الممكن تفاديها لو خلقت لهم أسواق نموذجية أو أسواق يومية يتم الحرص على تنظيمها وفق توقيت زمني محدد، في الصباح غالبا، وضمان نظافة أمكنتها بعد استعمالها.
عوض إيجاد حلول وبديل للفاعلين بالاقتصاد الغير مهيكل، عبر تشجيع الاستثمارات المنتجة والمدرة لفرص الشغل، وعبر سن رعاية اجتماعية لجميع المواطنين لحمايتهم من الأخطار الاجتماعية (البطالة، المرض، الشيخوخة، العجز عن العمل الخ)، فالسلطات العمومية تختار طريق المراقبة الأمنية والحملات الشرسة لمواجهة الباعة الجائلين وأنشطة أخرى للاقتصاد الغير مهيكل.
منذ سنة 2007، تاريخ تفويت مكان تنظيم السوق الأسبوعي ليوم الأربعاء لفائدة شركة العمران للسكن، تفاقمت ظاهرة الباعة المتجولين بمدينة ابن سليمان التي أصبحت قبلة لجحافل الوافدين عليها من كل الجهات، وذلك في ظل تبعات الجفاف والهجرة القروية. مع تسجيل تقاعس مدبري الشأن المحلي بتراب جماعة ابن سليمان عن إتمام إنجاز مشروع السوق النموذجي بحي مريم، والمتوقفة أشغاله رغم الميزانية المرصودة له. توقف تجهل لحد الساعة أسبابه ويحرم هؤلاء الباعة من خدماته وأحقيتهم في ذلك، مما يضطرهم الى امتهان التجول واللجوء الى الملك العام والأرصفة وسد مداخل الأزقة والشوارع رغم الحملات الشرسة للسلطات المحلية، علما بأن إتلاف عربات هؤلاء ومنتوجاتهم ليس بالحل المثالي لهذه المعضلة.
ومدينة ابن سليمان التي كانت الى وقت قريب جوهرة من حيث المجال والهدوء والتنظيم (نوستالجيا كامبولو)، تحولت الى بؤرة ونقطة سوداء، بالنظر الى كثرة الروائح الكريهة وفظاعة تنوعها وعجز المسؤولين والمعنيين بتدبير الشأن المحلي للقيام بمهامهم المنوطة بهم وبدورهم، وتدارك الأمور من منطلق التمتع بحق العيش في بيئة سليمة ونظيفة توفر الحق في استنشاق هواء نقي، هذا الهواء الذي حرمنا منه نظرا لاستهتار المسؤولين ولا مبالاتهم بنمط العيش لانشغالهم بالكعكة وضرع البقرة الحلوب.
تعيش بعض الجماعات الترابية مآسي خطيرة مع الماء، حيث تفتقد الى أساسيات العيش وتلبية الحاجيات الضرورية.
فكيف يعقل أن شريحة كبيرة من المواطنين لا تتوفر على الماء الصالح للشرب، ولا على قنوات الصرف الصحي والسكن اللائق. فهناك من يقيم في معازل عبارة عن أكواخ من التراب الحمري و القش ككائنات ما قبل تاريخية.
والخطير هو امتزاج الماء بمخلفات قنوات الصرف الصحي الفائضة كعين السفيرجلة، في غياب وصمت تام للسلطات المحلية والمنتخبين والذين لا يبالون لخطورة هذه الظاهرة وعواقبها الصحية الوخيمة على السكان.
في ظل انطفاء واجتفاف العديد من العيون والآبار التي كانت تسعف المواطنين بمياهها، خاصة الذين لا يتوفرون على اشتراك للتزويد بالماء الصالح للشرب.
فإذا كانت أزمة الماء مرتبطة بعدة عوامل كسنوات عديدة لمعضلة الجفاف وزحف التصحر لعدة مناطق، فعدة دراسات علمية وأبحاث متعددة الاختصاصات أوضحت أن السياسة الزراعية، وخاصة منذ 2008 سنة ابتداء تطبيق مخطط المغرب الأخضر (Plan Maroc vert)، لها مسؤولية قصوى في اضمحلال ونقص الفرشة المائية، و أفق استنزافها، بحيث أن هذا المخطط الزراعي يهدف الى الرفع من الانتاجية وتشجيع زراعات أكثر استهلاكا للماء من طرف أصحاب الضيعات الكبرى ذوي النفوذ والمنطق الرأسمالي الذي يهدفون الى غزو الاسواق المحلية والدولية وتحقيق الارباح على حساب الحفاظ على البيئة وعلى الموارد المائية وعلى كل ما تنص عليه مبادئ التنمية المستدامة.
المناطق المهمشة غير مزودة بالماء الصالح للشرب، وساكنتها تعيش المعاناة الشديدة بالنظر الى شح الماء وندرته وعدم تدخل الجهات المفروض فيها ذلك لتدارك محنة العطش التي تهدد الساكنة وتكرار سيناريو ومأساة ضحايا بني ملال الذين قضوا بسبب عدم إسعافهم وعدم توفر التجهيزات اللازمة بالمستشفى.
وقد خاض سكان سيدي بطاش عدة احتجاجات للفت انتباه المسؤولين لوضعيتهم الكارثية.
والغريب أن الشعار الموضوع كيافطة تروج لابن سليمان على اعتباره إقليما سياحيا يكذبه التوجه الطاغي والقائم على استفادة النافذين وذوي المسؤوليات من بناء وتشييد إقامات على طول الشريط الساحلي، من جماعة الشراط حتى جماعة المنصورية على حدود جسر (بون بلوندان) ليتجلى بالملموس حتى كعكة الاستفادة من أماكن الترفيه والاستجمام لم تسلم من استغلال النفوذ ونظام الامتيازات والمكافآت.
تم تشويه الشريط الساحلي لإقليم بنسليمان، هذا الساحل الذي أصبح عرضة للمضاربات العقارية وكل ما ينتج عن ذلك من نصب واحتيال من طرف أعضاء مكاتب الوداديات السكنية على الزبناء الذين رغم استخلاصهم لواجباتهم لا يتسلمون شققهم مما يؤزم وضعيتهم ومعاناتهم ولجوءهم الى القضاء. فما هي أهداف ومحفزات التسهيلات والتراخيص للمشاريع الاسمنتية التي تشوه المجال البيئي والطبيعي على مستوى الشريط الساحلي؟
والملاحظ أن الوداديات السكنية على طول الشريط الساحلي المنصورية بوزنيقة تحولت الى نقمة بالنسبة للمستفيدين “الزبناء” الذين وجدوا أنفسهم كضحايا لعمليات نصب واحتيال لا تزال ملفاتها مدرجة في ردهات المحاكم. رغم العديد من وقفات الاحتجاج التي لجأ اليها الضحايا بعد عدم تسلمهم لمفاتيح شقق دفعوا بشأنها الغالي والنفيس منذ عدة عقود. لدرجة أن بعض الاقامات تعرضت للتخريب وتحولت الى أوكار للطيور كطائر البوم، كحال إقامة اطلانتيك بالمنصورية.
كما أنه توجد معاناة من نوع آخر مع المكاتب المسيرة للملكية المشتركة (سانديك). ذلك أنه مقابل المساهمات المستخلصة لا يستفيد السكان من الخدمات الضرورية التي تستجيب لتطلعاتهم، مما يدفع الى رفع العديد من الشكاوي والمطالب والتمسك باحتجاجاتهم في أفق حل لمشاكلهم العالقة.
في إطار الافتراس العقاري واستغلال الواجهات الساحلية بالمغرب كشاطئ الداهومي الذي لم يسلم من حملة اجتثات الدور الشاطئية على الصعيد الوطني (إمساون…) قرى الصيادين السياحية وتهجير السكان الأصليين وحرمانهم من حقهم في الترفيه والاصطياف عن طريق القوة العمومية. لإفساح المجال للمستثمرين المدعمين والنافذين في أفق خلق وتشييد منتجعات تندرج في إطار سياحة البذخ وذوي المال واستغلالها لفائدة ثرواتهم بالنظر الى موقع هذه الشواطئ وجاذبيتها الساحرة (شاطئ الداهومي نموذجا)، والمراهنة على الرفع من السومة والقيمة العقارية لتجزئة (باهيا كولف بيش).
وقد خلفت هذه الهجمة الشرسة احتاجاجات ووقفات نظمتها الأسر ومالكي هذه “الكابنوات” بالنظر الى الطريقة التي عوملوا بها والمتمثلة في الغطرسة واستعمال منطق القوة. والحرمان التعسفي عوض اللجوء الى الحوار أولا وثانيا المساطر القانونية.
علما بأن الملك البحري هو في أصله يستفاد منه في إطار الاحتلال المؤقت مع ملاحظة استثناء شواطئ أخرى من هذا الاستهداف (شاطئ الصنوبر، دافيد،، شاطئ بوزنيقة…) والمعروفة تاريخيا ككعكة ساحلية يستفيد منها أصحاب النفوذ على المستويين المحلي والمركزي والخوف كل الخوف هو أن هذا الاحتلال المؤقت يتحول الى ملكية خاصة أبدية.
فيما يخص السطو على الملك البحري لم تسلم حتى الاجراف Falaise من التفويت لإقامة فيلات بمساحات شاسعة من طرف ذوي النفوذ والمسؤوليات على المستوى المحلي والمركزي. وهنا يجب الاشارة الى ما شيد من إقامات بموقع متواجد بين شاطئ بوزنيقة الجنوبي وشاطئ الدهومي وأن من شغل مهمة عامل سابق للاقليم (م.ع) هو الذي أشر على توزيع الغنيمة الساحلية.
العامل الأساسي الذي ساهم في استغلال المسؤوليات والنفوذ يتمثل في سياسة الافلات من العقاب (Impunité) واستراتيجية “اللي كال بصاحتو” على حد قول مصطفى الرميد الوزير السابق لحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان و ” عفا الله عما سلف” لصنوه عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة السابق، هذه الإستراتيجية المراد منها جعل المسؤولية جذابة لمن يريد الاغتناء الفاحش والاستدراك المادي السريع.
الواقع المعاش هو ربط المسؤولية بالتعليف والتسمين المادي في انتظار التفعيل، بدون استثناءات، لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
يتبع..
أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية *