في الواجهةكتاب السفير

فلسفة رمضان وروحانياته

le patrice

* د. يسين العمري

في الحقيقة كنت أتهيّب كثيراً الكتابة في موضوع كهذا، لأنّه بكلّ بساطة له أهله من أئمّة ومشايخ، ولكوني دائماً أشعر بكوني لست المسلم المثالي، فكنت دوماً ما أحاول أن أنأى بنفسي عن دور الواعظ أو ما يشبهه، لكن قرّرت أن أدلو بدولي من باب التجرّد، لا ناصحاً ولا واعظاً لأنّني أقلّ من ذلك بكثير، بل فرد من عامّة المسلمين يلاحظ ويحاول التفاعل مع ما يرى ويعايش.

بعد هذا التقرير المبسّط، ونحن على مشارف العشر الأواخر من رمضان، طرحت على نفسي هذا السؤال: لماذا نصوم نحن معشر المسلمين لمدّة شهر بأكمله؟ هل الله عز وجلّ محتاج لصومنا؟ أم تراه يودّ عقابنا وإهلاكنا على ما نقترف من ذنوب ومعاصي كبيرة وصغيرة طوال السنة؟ أم ماذا؟

طبعاً الله عز وجلّ لا يحتاج صومنا، ولا هو بتوّاق لهلاكنا ولو شاء لفعل بأمر مكوّن من حرفين الكاف والنون، لكنه عزّ وجلّ رحيم بعباده، فلماذا شرع الصوم؟

الصوم واجب سبقنا إليه أمم أخرى كاليهود والنصارى مثلاً، وصام الأنبياء منذ آدم عليه السلام، فإذن فريضة الصوم ليست بجديدة، هذا أولاً، ثانياً الصوم جاء لفائدة العباد، قد يتساءل أحدنا كيف ذلك؟ الصوم ليس مجرّد تحمّل للجوع والعطش، أو صبر على شهوة الجماع، أو إقلاع عن التدخين يوميا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولمدّة شهر كامل، الصوم في رمضان أبعد من ذلك بكثير جداً.

فلسفة الصوم أن يشعر أولا الغني بالجوع كما يشعر به الفقير المعوز، فيتذكّر وهو شبعان أنّ هناك من ينام وهو يتضوّر جوعاً، فيسارع إلى مساعدته، الصوم يتطلّب تزكية النفس، وتربيتها على السمو، الصوم يمنح الروح غذاءها الذي تفتقده، وفي رمضان المسلمون يجتهدون في دينهم أكثر، مع أنّ المفترض أن يتعبّدوا الله في سائر السنة على إيقاع واحد، إذ بالإضافة إلى الصوم نجد الإقبال على الله بمختلف الطاعات والعبادات كإطعام المساكين وصلاة التراويح وختم القرآن وصلة الرحم والصدقة وزكاة الفطر وقيام الليل والتواصي بالخير… إلى آخره.

فلسفة الصوم وروحانيته تتجلى ليس فقط في تحمّل الجوع والعطش، بل تعدّ تمريناً جيداً في غضّ البصر عن المحارم، وترويض النفس على الطاعة ومقاومة الهوى، وإمساك اللسان عن الغيبة والنميمة.

ولكن للأسف في مجتمعنا المغربي وكذلك في باقي الدول العربية والإسلامية، نجعل من رمضان شهر الأطباق الشهية، وشهر الخيام الرمضانية (الشيشة والرقص)، ولعلّ من محاسن كورونا أن أوقفت هذه “الخيام السهرانية”، بل أكثر من ذلك للأسف الشديد الشباب المسلم مع إقباله على العبادات في هذا الشهر بشكل ملحوظ، وكأنّه تعبّد موسمي، فهو يقبل أيضاً بشراهة على المواقع الإباحية، والمغرب ثالث دولة عربية في ذلك بعد مصر ثمّ العراق، ومن المفارقات المضحكات المبكيات، شهر رمضان الذي شهد أشهر معارك المسلمين وأهمّ انتصاراتهم، حوّلناه لشهر الكسل والسهر ومتابعة أتفه البرامج، ونربط كلّ هذه الأمور برمضان وكأنّ رمضان عادات وتقاليد، وليس شهراً مقدّساً لأداء فريضة دينية تعتبر ركناً من أركان الإسلام الخمسة.

ختاماً، أتمنى أنّ كل واحد منّا يطرح على نفسه وهو مقبل على العشر الأواخر من رمضان حيث ليلة القدر: هل فعلاً أنا أحقّق المراد من رمضان كما أراد الله عزّ وجلّ وكما يحبّ رسوله الكريم عليه السلام وكما حاول الصحابة والتابعون أن يفعلوا؟ أم أنني أقوم بمسرحية الجوع والعطش لمدّة ثلاثين يوماً؟ وطبعاً إن كذب المرء على العالم أجمع فلن يستطيع الكذب على الله سبحانه وتعالى ثمّ على نفسه، لأنّ عالم النوايا والبواطن لا يدركه إلا الله ثم الفرد المعني بالأمر، وبمجرّد أن نطرح على ذواتنا أسئلة صادقة وحقيقية سيأتينا الجواب من أنفسنا صريحاً صارخاً لا شبهة فيه، ومن ثمّ يتحقّق الرضا النفسي لمن يحسّ أنّه يحسن صنعاً، أو العتاب لمن  يظنّ بنفسه التقصير في أداء المهمّة على أكمل وجه، أو السخط لمن يستشعر الفشل في تحقيق المطلوب كما ينبغي له أن يكون.

باحث في دراسات الدين والسياسة *

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى