في الواجهةكتاب السفير

التشكيلية المغربية ماجدة الشرايبي و الغضب الجمالي!

isjc

* الصادق بنعلال

 1 – مهندسة معمارية ومصممة مجوهرات، ومنشغلة بحقل العلوم الدقيقة، ومنجذبة إلى مضمار الفكر العلمي الباذخ، تلك هي المبدعة والفنانة التشكيلية المغربية ماجدة الشرايبي، التي ترعرعت بين أحضان أسرة متعلقة بدنيا الثقافة بحصر المعنى، مما ساعدها على الاحتكاك المباشر بمنابع المعرفة الإنسانية منذ الصغر، ومشاكسة فضاء اللوحة بريشة تحفل بكل ما هو جميل في الكون والإنسان والمجتمع .. إلى أن أضحت فنانة مستقلة متميزة، تشارك بعرض منجزها التشكيلي في أرقى المعارض المغربية، وتساهم في محاورة المعطى الجمالي وطنيا. بيد أنها لم تكتف بميلها العفوي وشغفها غير المحدود للتعبير الفني عن ذاتها وتطلعها إلى قيم الخير والجمال، وإنما عمقت تجربتها الذاتية وأغنتها عبر الدراسة الجادة والمنضبطة للفن، أثناء متابعة دراستها في المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالعاصمة المغربية الرباط، فجمعت بين الحسنيين الموهبةِ المتفجرة ألقاً و بهاءً، و التكوينِ الميداني المخصوص.

2 –  وجدت ماجدة نفسها وهي تعبر عباب محيط الإبداع في ضفة الفن التجريدي؛ حيث الخيال الخلاق والتقاء الألوان والأشكال والظلال بطرق متداخلة متناغمة، والتصورات الإنسانية المتشظية والحالمة بعالم آخر، عالم التعدد والإتلاف والتنوع والوئام. وإذا كانت كل لوحة تحمل موضوعا “مستقلا” و بوحا ذاتيا وتعبيرا عن إحساس متدفق بالحقيقة البشرية، فإنها لا تشكل سوى حلقة في سلسلة طويلة تشكل الصورة أو اللوحة الكبرى، التي يفترض أن تعكس بصوغ حداثي الرؤية المتراكبة إزاء الذات و المجتمع.

3 – وبنظرة فاحصة ومتأنية نخلص إلى أن لوحات المبدعة ماجدة الشرايبي حوار فني تجريدي يتخذ من التزاوج الراجح للألوان والمساحات، مادة لمساءلة النفس والعالم المحيط بنا، وقد عبرت عن جانب من هذا المعنى بما أسمته عن صواب بالاستناد إلى “ذاكرة الجسد” ذات الصلة بمنطقة اللاوعي، مما يفضي لا حقا إلى التساوق والانسجام بين الأحاسيس الفينة للمبدع، و بين المحتوى التشكيلي الملموس في اللوحة العينية.

4 – والفريد و الرائع في مجمل إنتاجات هذه الفنانة المغربية الشابة، حضور الألوان ذات المنحى التشابكي والتعارضي، و نخص بالذكر اللون الأسود والبني والأخضر والأبيض، في شكل تموجات تحيل إلى ضرب من ضروب القلق أو الغضب، والإفصاح عن عدم الرضا بواقع قائم والتطلع إلى آخر مأمول، إلا أن هذا الغضب يحمل توقيعا تفاؤليا شاعريا عميق الدلالة، ولعل الرسالة المتضمنة في مختلف أعمالها الفنية تحيل على حقيقة إنسانية مؤداها، أنه مهما ارتفع منسوب الألم واليأس، لا يجب أن نفقد الأمل في معانقة الخير والعدل والمحبة، ورؤية النور في آخر النفق. وما من شك في أن الفن عموما يساعد المتلقي على استكناه معالم الوجود، واستقراء مظاهر الذات الفردية والجماعية، وإيقاظ حاستي الذوق والإدراك، لفهم الواقع وتغييره نحو الأرقى والأجمل، و لعمري هذا ما ينبجس في الأعمال الإبداعية لماجدة البهية !

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى