في الواجهةكتاب السفير

عن جاهزيتنا للتعليم عن بعد !

isjc

* الصادق بنعلال

ما من شك في أن التعليم مكون محوري في المنظومة المجتمعية لأي أمة تسعى إلى تحقيق الإقلاع التنموي الشامل ، و الاستقلال التاريخي رغبة في تجسيد حلم الفرد و المجتمع في الرقي و التقدم. غير أن العالم اليوم يئن و بألم غير مسبوق، تحت وطأة جائحة فيروس كورونا الذي أودى بحياة مئات الآلاف من الأفراد، و أصاب البنيات الاقتصادية الإنتاجية في مقتل، مما فرض على المعنيين بالشأن التربوي عالميا التفكير في صيغ تعليمية تكون سدا منيعا أمام مد مأساوي لهذا الوباء الشرس !

و هكذا واعتبارا للوضعية الوبائية الحرجة التي يعيشها بلدنا، حيث الارتفاع الملحوظ لعدد الحالات الإيجابية و الحرجة فضلا عن ارتفاع عدد الوفيات، قررت “وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحث العلمي” اعتماد صيغة التعليم عن بعد في بداية الموسم الدراسي المقبل، و الذي سيعرف انطلاقته الرسمية في 7 شتنبر 2020 بالنسبة لجميع الأسلاك و المستويات بكافة المؤسسات التعليمية العمومية و الخصوصية و مدارس البعثات الأجنبية.

و انطلاقا من تجربتنا المتواضعة في هذه الصيغة التربوية “الجديدة”، حيث قدم صاحب هذه الأسطر حوالي خمسين درسا عن بعد في مختلف مستويات و شعب التعليم الثانوي التأهيلي، و بغض النظر عن خطأ أو صواب هذا القرار الوزاري، نود أن ننبه بعجالة إلى بعض الملاحظات التي نعتبرها أساسية لإنجاح هذا “الوافد” الجديد في المنجز التعليمي المغربي كما يلي:

1 – التعليم عن بعد صيغة تربوية قديمة نسبيا عرفتها تجارب تربوية دولية و عربية، لكنه أضحى اليوم نهجا أساسيا إلى جانب الصيغة الحضورية التقليدية المألوفة في المدارس و المعاهد ، لتلقين المعرفة و نشر المواد التعليمية المتنوعة

2 – يظل التعليم عن بعد تعليماً بكل أركانه و أسسه البيداغوجية و الفلسفية ، يروم توعية المتمدرسات و المتمدرسين، و الرفع من أفق ثقافتهم و كفاءاتهم المتنوعة

3 – تستند العملية التعليمية التعلمية الراجحة (حضوريا أو عن بعد) إلى قاعدة التواصل التفاعلي،حيث النقاش الحر و الشرح و التحليل و التعقيب و الاستنتاج .. من أجل المساهمة في ترسيخ النزوع العقلاني و المقاربة العلمية لدى طلاب.

بيد أن السؤال المطروح في سياق هذا الوضع الوبائي الاستثنائي القاهر هو الآتي : كيف يمكن أن نجعل من التعليم عن بعد صيغة تربوية قادرة على بلورة الأهداف و الغايات السامية، الممثلة في تجسيد قيم “الإنصاف و الجودة و الارتقاء”، كما وعدت بذلك الرؤية الاستراتيجية للإصلاح ( 2015 – 2030 )؟

* لئن كان عدد كبير من السيدات و السادة الأساتذة قد أنجزوا مشكورين دروسا رقمية منذ الإعلان عن الحجر الصحي، فإن هذا المجهود قد صدر عن اجتهاد فردي و تجربة ذاتية، و ليس نتيجة تكوين بيداغوجي علمي، لذلك لم نتمكن من تحقيق النجاح المرجو ، بحيث كانت بعض هذه الدروس عبارة عن تسجيل صوتي أو “كبسولات” بالصوت و الصورة، تفتقد أحيانا كثيرة إلى مواصفات الجودة الفنية المطلوبة.

* من أجل إنجاح تجربة التعليم الرقمي ( عن بعد ) فإن الأمر يحتاج إلى استعداد بيداغوجي و تقني استثنائي، كي يتلقى المدرسات و المدرسون أبجديات هذا النمط التربوي الجديد على واقعنا التعليمي ، فالأمر ليس مجرد “تقديم درس” عبر تقنيات و أدوات تكنولوجية معينة ، بقدر ما هو إيصال معلومة مخصوصة في وقت وجيز بقدر كبير من النضج و الفعالية.

* لن يكون لمدرسة الإنصاف أي معنى هادف في هذا السياق، مع غياب تكافؤ الفرص بين المتعلمين و المتعلمات، و إذا لم يتم توفير مستلزمات التعليم عن بعد: من توسيع دائرة البث عبر الإنترنيت ، و تجهيز المؤسسات التعليمية بالوسائل التكنولوجية مثل السبورات التفاعلية و الحواسيب و توزيع الألواح الإلكترونية و إعداد التطبيقات التفاعلية المجانية ..

* لم يعد التعليم الرقمي مجرد صيغة تربوية جانبية أو إضافية، بل إنه أضحى خيارا استراتيجيا في المعطى التربوي الكوني، و بالتالي لا بد من التعاطي معه بمسؤولية وطنية رفيعة، إنه مصير أجيال مغربية قادمة ، و مستقبل أمة بأكملها، و بالتالي لا يمكن إلا أن نعمل جاهدين من أجل ربح رهان التعليم عن بعد، و لن يتأتى ذلك عبر مساحيق زائلة، و إنما من خلال فعل بيداغوجي ثوري بكل ما لهذه الكلمة من معاني التضحية و التجديد و التغيير نحو الأفضل !

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى