في الواجهةكتاب السفير

بدل سيناريوهات “الثأر” .. أمام إيران الخيار الأجدى !

isjc
* الصادق بنعلال

 1 – ما من شك في أن اغتيال اللواء قاسم سليماني يعد حدثا بالغ الخطورة ضمن سياق الأزمة السياسية المشتعلة بين القوتين الاستعماريتين للقطر العربي العراقي أمريكا و إيران. و نحن إذ نندد بهذه الجريمة الشنعاء التي أقدم عليها الرئيس الأمريكي ، فإننا لا نضمر أي محبة لهذا الجنرال الفارسي الذي عاث في أرض العراق المجيدة فسادا و غطرسة ، و تغول في دماء أهل دجلة و الفرات، و اجتهد في نشر التعصب الديني الأعمى و استنبات النزعات الطائفية السوداء ، و وأد الحراك الديمقراطي في أكثر من بلد عربي ، كل ذلك في سياق رغبة النظام الإيراني في التوسع على حساب الوطن العربي المثخن بالجراح ، و السيطرة على خيراته كما هو الشأن بالنسبة للقوى الأجنبية الأخرى. لا نبرر عملية الاغتيال هذه ، و لسنا معنيين أيضا بالدفاع عن أي عنوان يتقاطع و المصالح الاستراتيجية للعرب. و لئن كنا نقر بحالة التشظي والانهيار غير المسبوق لأمتنا ، فإننا لا يجب أن نستغل لحظة السقوط العظيم هذه لجلد الذات و صوغ قصائد البكاء و النحيب “على ماض تولى” بقدر ما نحن مطالبون بمعرفة أين نضع أقدامنا ، و السبيل المفروض أن نسلكه نحو “ضفة الأمان” .

2 – إن نظرة خاطفة إلى الراهن السياسي للشرق الأوسط و الخليج العربي ، تجعلنا نستنتج دون تعب في الاجتهاد و التأمل ، أنه بخلاف المشهد العربي الكئيب هناك ثلاث أمم تعلن بجلاء فعلي عن مشاريعها الحالية و المستقبلية المفصلية ، إسرائيل و تركيا و إيران ، و كلها تروم الهيمنة و التحكم و الدفاع المستميت عن مصالحها العليا ، مع فارق واضح يتجسد في التجربة السياسية التركية ، إذ استطاعت هذه الأخيرة و بنجاح لا بأس به أن توازن بين النهضة الاقتصادية الرفيعة و التشبث بالقيم الديمقراطية الكونية ، بيد أن إيران و منذ ثورتها سنة 1979 لم تتمكن من اجتراح كيان سياسي حديث يضمن الحرية و الحداثة و التصالح مع مستلزمات الحياة الإنسانية المعاصرة ، صحيح لقد استطاع الإيرانيون و بفضل مواردهم الطبيعية الخصبة و حضارتهم الضاربة في التاريخ ، أن يبلوروا قوة عسكرية ضاربة مقارنة مع جيرانها العرب ، بيد أن القوة المطلوبة في يوم الناس هذا يجب أن تعم كل مجالات حياة الأفراد  الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و السياسية و الفنية .. و العسكرية، فليس بالسلاح وحده يعيش الإنسان .

3 – قد يقدم النظام الإيراني على الانتقام من اغتيال اللواء قاسم سليماني فالأمر جلل ، و رغم العدد الكبير من السيناريوهات التي يستعرضها “الخبراء و المحللون” السياسيون و العسكريون ، فإن خير قرار يمكن أن يجنب المنطقة كلها الدمار و الحرب التي “لا تبقي و لا تذر”، هو قرار ضبط النفس و قراءة المرحلة الحارقة قراءة راجحة بعيدا عن الحماسة العاطفية غير محسوبة العواقب ، و التوقف الكلي عن التدخل في شؤون جيرانها ، و وضع حد نهائي لنزعة تصدير ثورتها إلى محيطها ، و مد يد التسامح و التضامن إلى البلدان العربية و الإسلامية، بمنآى عن الاصطفافات المذهبية الماضوية البائدة  فالإسلام الذي نعرفه جميعا هو الذي نزل على النبي العربي محمد عليه السلام ؛ القائم على المحبة و الأخوة الإنسانية و أصالة العقل و يقين العلم ، و المقدسات في ديننا العظيم لا تخرج عن عبادة الله عز وجل و الاقتداء بخاتم الأنبياء محمد عليه السلام و التسلح بالعقل المستقيم ، أما الشخصيات الإسلامية الأخرى المحترمة من قبيل علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين .. فهي علامات بشرية نهتدي باجتهاداتها و لا نسقط في تقديسها و أسطرتها . إن بين المسلمين سنة و شيعة  قواسم مشتركة كثيرة دينية و حضارية و علمية ، يمكن أن تنتقل بهم نحو التلاحم المطلوب و التآزر المأمول و القوة التنموية المرتقبة ، شريطة القطع مع التعصب الديني  و الفساد المالي و الاستبداد السياسي !

* كاتب مغربي

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى