النخبة العلمانية أمام اختبار تاريخي بعد إبعاد المُطَبِّلين والمحافظين عن تشكيلة لجنة النموذج التنموي

لم تمض سوى ثلاثة أيام على بلاغ الديوان الملكي الذي عرض تشكيلة لجنة النموذج التنموي، حتى عقدت اجتماعها الأول يوم الاثنين 16 دجنبر 2019 بمقر أكاديمية المملكة، مما يحيل على رغبة القصر في سرعة إخراج مشروع تنموي فعّال قابل للتنزيل، وذلك بعد إخفاق مشروع المبادرة الوطنية في تحقيق الأهداف المنتظرة، الأمر الذي يضع أعضاء اللجنة -المشهود لهم بالكفاءة العالية على المستوى الوطني والدولي- أمام اختبار تاريخي نتيجة أسباب ثلاث:
أولا: الكفاءات الأكاديمية والخبرات المهنية
تضم اللجنة شخصيات ذات كفاءات عالية من باحثين وأساتذة جامعيين ومقاولين ورجال الأعمال والإدارة والفكر، يتسم تكوينها بالطابع الفرنكفوني والأنجلوساكسوني، فضلا عن تأثر معظمها بالتيار العلماني، واشتغال البعض منها خارج الوطن المغربي، هذا وتتوزع تخصصاتها بين حقول معرفية عديدة: الاقتصاد والمقاولة والمالية والتدبير الإداري والأدب والفن وعلم الاجتماع والسياسة والتكنولوجيا الرقمية والتنمية الذاتية والهندسة والطب وعلم الأديان والبيئة. بتنوع هذه الحقول المعرفية تصبح اللجنة ملزمة ولا شك بتقديم أفكار ومشاريع تنموية تتصف بالإبداع والفرادة ،وتتجاوز ما هو متعارف عليه حتى تعكس خبرات أصحابها ومهارتهم.
ثانيا: إبعاد المُطبلين عن تشكيلة اللجنة
يبدو أن القصر قد سئم الموقف المطبل الذي ما لبث يمدح ويشيد بأي إنجاز حتى لو لم يكن يستحق ذلك المدح المبالغ فيه، من غير أن يلتفت إلى النقائص والعيوب التي تعتريه؛ سأم جسدته الخطب الملكية الأخيرة لاسيما خطاب 21غشت بمناسبة الذكرى 66 لثورة الملك والشعب، وخطاب 29يوليوز في الذكرى 20لعيد العرش الذي أقر بعدم نجاعة وفعالية النموذج التنموي الحالي، مما كان له وقع سلبي على هذه الفئة ومن ثمة إبعادها حتى يفسح المجال لأعضاء اللجنة للتفكير بموضوعية وطرح الأفكار بشجاعة والاشتغال بمزيد من الأريحية.
ثالثا: إبعاد المحافظين عن تشكيلة اللجنة
معظم أعضاء اللجنة كانوا يتخذون مسافة بعيدة من المشاركة في تدبير الشأن العام ويكتفون بالملاحظة من أبراجهم العاجية؛ ملاحظة تتسم عادة بالنقد إلى درجة السخط أحيانا على المحيط السياسي، والثقافي، والديني، مستوحية مرجعيتها من التيار العلماني حينا والحداثي أحيانا أخرى، وذلك عبر تصريحات أو ندوات أو محاضرات تعتبر أن العقلية المحافظة هي سبب عرقلة المشروع النهضوي المنشود، لعله السبب الوجيه الذي ساهم في إبعاد المحافظين بمختلف مشاربهم من رجال الدين؛ إذ رغم أهمية الجانب الديني في المشروع التنموي، فإن ممثله الوحيد هو الباحث في الإسلام الليبرالي/الفرنكفوني”رشيد بنزين” أحد المنخرطين في الحوار الإسلامي – المسيحي، الذي عرف بدراساته النقدية للتراث الديني من خلال مؤلفه “المفكرون الجدد في الإسلام” فيما تم إبعاد الفقهاء والباحثين في أصول الشريعة الإسلامية بمفهومها التقليدي، مرورا بذوي النظرة الوطنية الذين يضعون الهوية الوطنية في صلب مشاريعهم وأولوية مقترحاتهم مما قد يؤثر سلبا على عمل اللجنة، وانتهاء بإبعاد أنصار القومية العربية الحالمين بوحدة العالم العربي واتحاد شعوبه وأنظمته.
هو اختبار تاريخي إذن للنخبة العلمانية الفرنكفونية، تطرح من خلاله أفكارا استشرافية جديدة؛ وقد أكد في هذا السياق رئيس اللجنة وسفير المغرب بفرنسا “شكيب بن موسى” يوم 8 دجنبر 2019 أن عملها سيختلف عن مكاتب الدراسات؛ حيث ستركز على إشراك معظم الفعاليات الحية، كما صرح أنها ستشتغل بشكل تطوعي دون تعويضات مالية، إلا أن مصادر إعلامية أكدت أن 50 مليون سنتيم هو مبلغ التعويض الذي ينتظر كل عضو من أفرادها مقابل الخدمة المنوطة به.
تجدر الإشارة أن مهام اللجنة تستهدف تشخيصا موضوعيا للواقع، برصد المنجزات والوقوف على الثغرات وعرض اقتراحات متميزة، تستجيب لتطلعات الشعب المغربي، وهو ما سيكشف عنه تقريرها الذي من المنتظر أن تقدمه في نهاية يونيو 2020.
فهل تنجح لجنة “بن موسى” وزير الداخلية السابق، في بلورة نموذج تنموي مختلف عن البرامج السالفة، بعد ما حظيت بثقة أعلى سلطة في المملكة ومهدت إليها الطريق، لتفتق إمكاناتها وتبرز مهاراتها الفكرية على أرض الواقع بشكل يعكس تنوع اختصاصاتها أم أنها ستتوقف عند تقديم خطة تنموية تتطلب بدورها لجانا أخرى لتنزيلها على غرار “الرؤية الاستراتيجية 2015-2030” التي مازالت تتخبط في البحث عن سبل تفعيلها؟