المعذبون في الأرض
* ذ. طارق شهير
حين ألف الأديب “طه حسين” المجموعة القصصية (المعذبون في الأرض) سنة 1949- والتي تناول من خلالها مأساة من شرائح المجتمع المصري في الأربعينيات من القرن الماضي جراء ظلم وبغي الحكومات التي تعاقبت على أرض الفراعنة ،مما أسفر عن تفاقم الفقر والجهل والمرض والحرمان بشتى أنواعه- لم يكن يعلم أن ثمة شريحة ستظهر في أرض المغرب في القرن 21 تكابد جروحها في صمت وأنين ربما تجاوز حال أبطاله المعذبين، يتعلق الأمر هنا ب :أجراء التعليم الخصوصي لا سيما الأساتذة.
في الوقت الذي أقبل فيه أزيد من 200 ألف مجاز مغربي على إجراء مباراة التعليم يومه 16 نونبر 2019، وجدت هذه الفئة نفسها محرومة من هذا الحق على قدر بساطته، وذلك إثر إبرامها عقدا مع أرباب المؤسسات التعليمية الخاصة، يتضمن بنودا تكبلها بتعويض جزافي في حالة التخلي عن العمل إذا ما ظفرت بمباراة التعليم، أو بحرمانها القطعي من إجراء هذه المباراة طيلة مدة العقد الذي يتجدد كل موسم دراسي.
وخلافا للمعذبين عند “طه حسين” الذين يصرحون بآلامهم ويبسطون مآسيهم، فإن المعذبين في المدارس الخصوصية من أساتذة ومربيات ومرافقات وأطر تربوية المتفاوتة مؤهلاتهم المعرفية من مستوى بكالوريا إلى الإجازة والماستر وأحيانا الدكتوراه، عليهم أن يكتموا معاناتهم وأن يفشوا انفعالهم في داخلهم أمام أرباب المدارس الذين ساموهم سوء العذاب؛ يهتكون حقوقهم وينهكون طاقتهم ويبخسون أجورهم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم.
فهم الذين تُعلق الكاميرات فوق رؤوسهم لرصد تحركاتهم داخل الحجرات الدراسية أثناء الحصص، حتى يظلوا منتصبين على أقدامهم؛ لأن الجلوس ولو للحظات قد يعرضهم للمساءلة أو الإنذار إن لم يكن التوبيخ أو الفصل، بل إن درجة الوقاحة بلغت ببعض المؤسسات الخاصة لإصدار مذكرات داخلية تمنع الأستاذ (ة) من الجلوس حتى أثناء قيامه بتصحيح الدفاتر لاسيما في السلك الابتدائي. وهم الذين لا يستفيدون من التغطية الصحية إلا نادرا لعدم التصريح بهم لدى وكالة صندوق الضمان الاجتماعي بالشكل القانوني، وهم الذين لا يحق للمرض أن يصيبهم إلا أيام العطل، وهم المحرومون من حق الإضراب حتى وإن قابله الاقتطاع، وهم الذين لم تفكر النقابات مرة في الدفاع عن حقوقهم لعدم رغبتها في الرهان على مشروع خاسر (حسب التصور النقابي)، ولم تلتفت الوزارة الوصية إلى ظروف عملهم ولا إلى رواتبهم التي تظل في منأى عن سلم الأجور؛ أجور تنحصر بين 600درهم و1000درهم بالنسبة للمرافقات، وبين 1500و 3000 درهم للأساتذة، مع استثناء طبعا مدارس البعثات الأجنبية وشبه الأجنبية التي تدفع رواتب محترمة، إلا أن الأساتذة يعانون من الدلال المفرط للتلاميذ (الفشوش) الذي يصل إلى منع الأستاذ(ة) من الطرق على الطاولة للمطالبة بالهدوء لأن ذلك قد يتسبب في أذى نفسي أو سمعي لدى المتعلمين.
هؤلاء المعذبون في الأرض عليهم أيضا أن يحضروا للتكوين المستمر الذي عادة ما يكون يوم الراحة (صباح يوم السبت)، وأن يقوموا بدعم المتعثرين خارج جدول الحصص الرسمية ،لأن اللجن التفتيشية ما تلبث أن تتردد عليهم لتقييم عملهم،وهي اللجن نفسها التي تتغاضى عما يقترفه مسؤولو المدارس التعليمية من آثام في حق هذه الفئة التي لا تسلم أيضا من اتهام الأسر بالتقصير في العمل وضعف الأداء…
الفئة المكلومة هذه، على قدر معاناتها فهي مطالبة بالمحافظة على ابتسامتها في وجه أرباب المدارس (صحاب شكارة)، أمام هذا الحيف إذن، لا يسعنا إلا السؤال: من ينصف البعض من هؤلاء المعذبين الذين قد يحرمون من إجراء الاختبارات الشفهية بعد ما نجحوا خلسة في المباراة الكتابية لولوج مهنة التعليم المدرسي بمختلف أسلاكه؟ ومتى تتحرك الوزارة الوصية لصد هذا الظلم عن المظلومين؟.