منهاج وبرنامج مادة التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي .. واقع العقم وآفاق الإنجاب
منهاج وبرنامج مادة التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي .. واقع العقم وآفاق الإنجاب

السفير 24 – بقلم: عزيز لعويسي
مرسوم النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، وجه البوصلة في مادته 68، نحو واحدة من المشكلات التي تجسد ضعف منظومة التربية والتكوين، وتحول دون كسب رهانات ما يتم الترويج له من جودة وريادة، ويتعلق الأمر بمسألة مراجعة وملاءمة المناهج والبرامج الدراسية، وفتح بالتالي، الإمكانية لتحرير المدرسة الوطنية، من جائحة مناهج وبرامج، بات عمرها يتجاوز أعمار التلاميذ المخاطبين بها، وربما أعمار بعض الأساتذة الجدد حديثي العهد بالتدريس؛
منهاج وبرامج التاريخ والجغرافيا نموذجا، هو مرآة عاكسة لأزمة المناهج والبرامج الدراسية، لما يؤطره من توجيهات تربوية وأطر مرجعية وطرائق تقويمية، تتلاقى جميعها في إنتاج معرفة بات حالها، كحال السلع التي تقرر إتلافها بعدما فقدت الصلاحية تماما، وتتقاطع في بناء أجيال من المتعلمين لا حول لهم ولا قوة، تحولوا إلى ما يشبه “الآلة”، التي لا تصلح إلا للشحن والتخزين، ما حول المادة، إلى مادة مقرونة بالإرهاق والشقاء والرتابة والنمطية، وكلها مسيلات مغذية لينابيع الغش، الذي بات عنوانا عريضا لمادة بئيسة تحتاج إلى جرأة الانقلاب، لا إلى وضعية “الستاتيكو”؛
فأن يفرض على المتعلم تلقي كم هائل من المعارف، التي تعزله عن سياقه الوطني والإقليمي والدولي، وتفصله عما تعيشه الدولة من متغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية وحقوقية ومؤسساتية وتنموية، وما يمر به عالم اليوم، من تحولات اقتصادية ورقمية وجيوسياسية واستراتيجية، ولا تعترف بحاجياته ومتطلباته واهتماماته، في زمن التحول الرقمي والمعلوماتي والاقتصادي والجيواستراتيجي والتواصلي والمهاراتي…، فهذا ليس فقط، “اعتداء” واضحا ومعلنا على الحقوق، بل ويشكل، ما يمكن وصفه بالجرائم البيداغوجية والمعرفية الصامتة؛
مادة التاريخ والجغرافيا بالتعليم الثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي، بما يؤطرها من وثائق تربوية تتجاوز أعمار الفئات المخاطبة بها، وما تقدمه من مناهج وبرامج “منتهية الصلاحية”، باتت خارج السياقات والحاجيات، ولابد أن تكون لنا جرأة الاعتراف، أنها وصلت إلى مستوى متقدم من “العقم” ولم تعد البتة قادرة على “الإنجاب”، غير إنتاج الرتابة والنمطية والنفور والإرهاق؛
وفي ظل هذه الوضعية المشكلة، فأي مقاربة لمضامين المادة أو نقاش حول ما يتحكم فيها من كفايات وقدرات ومهارات، لن يكون إلا إسهاما في بؤس المادة وتكريسا لما هي عليه من نمطية ورتابة ونفور، وهي أولا، في أمس الحاجة اليوم، إلى من يقر بعقمها ويعترف بعدم صلاحية ما تقدمه من عروض بيداغوجية، وفي حاجة ثانيا، إلى حلول جماعية مبدعة ومبتكرة تستحضر السياقات الوطنية والدولية، وتستوعب حاجيات المتعلم وحاجيات الوطن، وحاجيات عالم يعيش على وقع التحول الرقمي والمعرفي والاقتصادي والجيوسياسي، وقبل هذا وذاك، تحتاج إلى فاعلين تربويين يتملكون ثقافة “الإصلاح” و”التغيير” و”التجديد” و”التفتح”، لا إلى ما يشبه “جيوب المقاومة”، التي تفرض “الحماية” على المادة، وتصر أن تبقى كما هي، ولا تقبل بأي مسعى تجديدي إصلاحي، يحرر المادة من حالة العقم المستعصي، ويمنحها فرص الإنجاب و التحول في زمن التحول؛
ونؤكد في خاتمة المقال، أن ما تعيشه المنظومة التربوية من دينامية إصلاحية غير مسبوقة، هو مناسبة بالنسبة للأطراف المتداخلة في تدريس المادة، من مفتشين تربويين وأطر تدريس، من أجل الإسهام الفردي والجماعي، في خلق نقاشات متعددة الزوايا، بشأن واقع تدريس المادة ومتطلباتها، والتقدم بمقترحات وأفكار مبدعة، دافعة في اتجاه بلورة توصيات ومشاريع، يمكن إحالتها على المديرية المعنية بالبرامج، ومن خلالها على اللجنة المكلفة بتجديد وملاءمة المناهج والبرامج، من منطلق أن الإصلاح الحقيقي، يمر قطعا، عبر الممارسين في الميدان، لأنهم الأقرب من غيرهم، من واقع تدريس المادة وما تتطلبه من حلول واختيارات وطرائق. وفي المجمل، فإذا جلدنا المادة أو وجهنا نحوها سهام النقد، فمن منطلق الغيرة، ومن زاويـة الاعتراف بواقعها البئيس، ومن باب الدعوة المسؤولة، إلى نقلها من “حالة العقم” إلى “حالة الخصوبة والإنجاب”، لتكون كما نرضاها ونتطلع إليها، مادة حية، مسايرة لعصرها، ومعبرة عن قضاياه وحاجياته ومتغيراته.