في الواجهةكتاب السفير

مفرقعات عاشوراء.. الخطر الداهم!

مفرقعات عاشوراء.. الخطر الداهم!

isjc

السفير 24 – اسماعيل الحلوتي

      خلافا لكثير من البلدان العربية والإسلامية، يتميز إحياء “ذكرى عاشوراء” في المغرب التي تصادف اليوم العاشر من شهر محرم من كل عام هجري جديد، بطقوس وعادات مختلفة منها ما هو مستوحى من الثقافة الدينية، ومنها ما هو منقوش في الذاكرة الشعبية وموروث عن الآباء والأجداد، حيث أن تبادل الزيارات بين الأهل والأقارب وصيام هذا اليوم المبارك يعدان من أبرز المعتقدات الإسلامية…

      وبصرف النظر عن بعض الطقوس الأخرى من قبيل إضرام النار والتراشق بالماء يوم عاشوراء، الذي يحيل على رمزية الماء المقدس “زمزم” وما يتوفر عليه من يمن وبركة وقدرة على علاج الأمراض، وحرص الأسر المغربية على الإعداد الجيد لهذه المناسبة الميمونة.

      وبصرف النظر كذلك عما لهذا اليوم عاشوراء من رمزية دينية، باعتباره اليوم الذي نجى فيه الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه السلام وقومه من بني إسرائيل، وأغرق فرعون ومن معه من الجنود، وما يحمل في كنفه من سرديات بين الديانات والطوائف، إذ أنه يؤرخ كذلك لليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي سبط النبي محمد عليه السلام في معركة كربلاء.

      فإن طقوس الاحتفال تبدأ منذ حلول فاتح محرم، حيث يعم أسواق المدن المغربية رواج منقطع النظير، وتزدهر فيه تجارة بعض السلع الخاصة بالذكرى من خضر وأطعمة وفواكه جافة وألعاب أطفال وآلات موسيقية ودفوف وغيرها كثير، وبذلك تستمر الاحتفالات إلى غاية اليوم التاسع من شهر محرم، الذي تخرج فيه الفتيات والأطفال والشباب في الدروب والأزقة للرقص والإنشاد وإضرام النار، فيما يعرف اليوم العاشر من الشهر المبارك التراشق بالماء…

      بيد أن اللافت للنظر أن “ذكرى عاشوراء” فقدت للأسف الشديد رمزيتها الدينية وطابعها الاحتفالي، عندما أبى بعض منعدمي الضمير من كبار التجار الباحثين عن الثراء السريع على حساب راحة المواطنات والمواطنين وخاصة منهم المرضى والمسنين، إلا أن يفرغوها من عمقها الديني والثقافي ويحولونها ضدا عن الجميع إلى مناسبة لاستيراد أطنان من اللعب والمفرقعات بمختلف أشكالها في عدد من المناطق مثل “درب عمر” و”كراج علال” وسواهما بمدينة الدار البيضاء، الذين يعملون على بيعها لتجار التقسيط من أجل ترويجها إلى جانب ألعاب أخرى ذات صنع محلي في الأحياء والأسواق الشعبية.

      إذ أنه بالرغم من صدور القانون رقم 16.22 المتعلق بتنظيم المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية الترفيهية والمعدات التي تحتوي على مواد نارية والتنبيه إلى مخاطر هذه المتفجرات، ومن كون العقوبات الواردة في المادة 54 منه تتراوح بين سنتين حبسا نافذا وخمس سنوات سجنا نافذا وغرامة مالية من 50 إلى 500 ألف درهم، ويمكن معاقبة المخالف له بهاتين العقوبتين أو إحداهما، فإنه بمجرد ظهور هذه المفرقعات والشروع في بيعها بالمحلات التجارية مع حلول شهر محرم حتى يسارع بعض الأطفال والشباب إلى شرائها واستغلالها في إشعال الحروب فيما  بينهم، والقيام بتحول دروب وأزقة المدينة القديمة وأحياء مقاطعات عمالة درب السلطان- الفداء مثلا إلى ميادين لتقاذف هذه المتفجرات، دون الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن ينجم عن ذلك من مخاطر ويحدث من فوضى عارمة، مما يحول دون الخلود إلى النوم الهادئ ليلا، بالنسبة للكثير من الأطفال والأشخاص المسنين والمرضى وغيرهم… 

      فكلما حلت “ذكرى عاشوراء” إلا وتعالت أصوات العديد من المواطنين وفعاليات المجتمع المدني، الذين يستنكرون بشدة مثل هذه الألعاب الخطيرة ويطالبون المسؤولين في المصالح المختصة بوزارة الداخلية بضرورة التحرك العاجل وتكثيف الحملات الأمنية في اتجاه وقف ترويج هذه المفرقعات التي تثير الرعب والهلع والضوضاء في الشوارع والأحياء، والضرب بيد من حديد على المتورطين والمخالفين القانون المنظم لاستعمالها، ويوجهون الدعوة أيضا إلى تجار الجملة والتقسيط قصد تجنب ترويجها مراعاة للمصلحة العامة وحماية المواطنين وعلى رأسهم الأطفال، ناهيكم عن ارتفاع أصوات الأهازيج التي تستمر إلى ساعات متقدمة من الليل، التي تستفز الكثير من المواطنات والمواطنين وخاصة منهم المرضى والمطالبين بالصحو باكرا للعمل. 

      وبهذه المناسبة وجهت “جمعية أوكسجين للبيئة والصحة” مراسلة رسمية إلى مجموعة من القطاعات الوزارية والترابية، تحثهم من خلالها على ضرورة التدخل من أجل وقف استيراد وترويج المفرقعات، بما فيها تلك المفرقعات الاحتفالية الخفيفة المستورة من الصين، داعية وزارة الداخلية إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات كفيلة بالحد من انتشار هذه “القنابل” التي لم يفلح القانون القائم في القيام بذلك، ومنبهة في ذات الوقت إلى المخاطر الجسيمة للمفرقعات على البيئة وصحة وسلامة المواطنين.

      إن مفرقعات عاشوراء وما يرافقها من ألعاب نارية خطيرة، فضلا عما تحدثه من هرج ومرج في أحياء وشوارع مدننا حتى آخر ساعات من الليل، طالما أضرت بالبيئة وتسببت في إيذاء الكثير من بناتنا وأبنائنا، وخلفت لبعضهم عاهات جسدية مستديمة، مما يستوجب تضافر جهود كل مكونات المجتمع والإعلام، وتدخل السلطات الأمنية بكل حزم وصرامة لمنع هذه الاحتفالات الهوجاء، التي تحولت في عيون عديد المواطنات والمواطنين إلى مناسبة سوداء.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى