في الواجهةكتاب السفير

أية سلطة لرئيس الحكومة في تدبير الأزمة الصحية الشاملة لوباء كورونا؟ – الجزء الأخير

le patrice

* بقلم: ذ. المصطفى ساجد – أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية

فبرنامج التقويم الهيكلي، والذي طبقه المغرب منذ 1983 إلى حدود 1993، أثر كثيرا على السياسة الاقتصادية والاجتماعية من خلال ضرب دور الدولة على مستوى الاستثمارات والنفقات العمومية وتشجيع خوصصة القطاعات العمومية وتملص الدول من مهامها الاجتماعية، باعتبار النفقات الاجتماعية مسؤولة عن عجز الميزانية وعن تفاقم الديون. فرغم التخلي عن برنامج التقويم الهيكلي منذ 1993، فالسياسة الاقتصادية بقيت سجينة هاجس تحقيق أهداف التوازنات الماكرواقتصادية بتبريرات عدم تسديد المديونية وضعف دينامية الاقتصاد الوطني، وبالتالي فالحكومات المتعاقبة على تدبير شؤون البلاد لم تغير من جوهر السياسة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

إلا أن الليبرالية الاقتصادية ستتفاقم أكثر مع حكومات ما بعد “الربيع العربي”، وهذا ما يطرح الاستغراب والتساؤل وهو كيف أن حركات وانتفاضات وثورات ما يسمى بالربيع العربي- والتي كانت تطمح الى أنظمة سياسية ديمقراطية تضع في صلب اهتماماتها كرامة وحقوق الإنسان- تمخضت عنها حكومات وأنظمة سياسية أحبطت شعوبها بعدم الدفع بالتغيير الحقيقي الذي يقطع مع سنوات احتكار السلطة وتوجيهها لخدمة الطبقة النافذة الماسكة بقنوات التحكم في السلط وفي موارد وخيرات البلاد؟

كيف يعقل أن حكومات ما بعد دستور 2011- رؤساءها من حزب يزمر ويسوق إصطفافه مع المستضعفين ويركز في برنامجه الانتخابي على “محاربة الفساد والحكامة الجيدة”- اجتهدت بقوة في مباركة وتزكية سياسة اقتصادية لبيرالية وصوب هاجس تحقيق التوازنات الماكرواقتصادية وبتهميش التمويل العمومي لقطاعات اجتماعية وتاركا الفئات النافذة الميسورة تنعم في ثرواتها الفاحشة دون اقتطاعات ضريبية عادلة و دون القطع مع نظام الامتيازات و اقتصاد الريع؟  

فالأزمة الصحية لوباء كورونا أوضحت جليا كارثة عدم الاهتمام بالقطاعات الاجتماعية، كالصحة والتعليم، وأن الاستثمارات في هذه القطاعات الاجتماعية لها آثار ايجابية على حياة المواطنين وعلى المجتمع برمته وعلى تثمين وإنتاج الرأسمال البشري كعامل أساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فضآلة الموارد العمومية تتفاقم أكثر في حالات اقتراف اختلاسات ونهب للمال العام باستغلال للنفوذ وللمسؤوليات بالقطاعات والإدارات العمومية وبكل دواليب الدولة. فالأزمة الصحية الحالية بينت أنه لا حل للمشاكل الاجتماعية دون موارد عمومية لتمويل الاستثمارات الاجتماعية كالمستشفيات والمدارس والجامعات ومرافقها وللنهوض بالحماية الاجتماعية لكافة المواطنين.

فتنمية الموارد العمومية وحمايتها من التبذير واستغلال النفوذ، بمراقبة صرفها والحد من اختلالات تبويبها وتخصيصها لمهام و قطاعات معينة، هي برامج وآليات تقتضي العمل على سن نظام ضريبي عادل وناجع وله مردودية، وعلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما هو منصوص عليه في المادة الأولى من الدستور، عبر الفرض الصارم لمبادئ الشفافية في صرف المال العام ومراقبة استعماله ومعاقبة كل من تورط في استغلاله واختلاسه بدون تمييز اعتبارا أن المواطنين سواسية أمام القانون.

فالمتابعات القضائية، بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات، يجب أن تطال الجميع بدون محاباة أو تمييز أو انتقاء بين المتورطين كيف ما كانت مسؤولياتهم ورتبهم بالإدارات العمومية المحلية كالجماعات الترابية والإدارات العمومية المركزية ومصالحها الخارجية (وزراء، عمال، ولاة، مدراء مديريات، رؤساء أقسام…) وبهرم و دواليب أخرى للدولة. فلا تنمية اجتماعية واقتصادية، من شأنها الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، دون الفك مع إستراتيجية الإفلات من العقاب ومع نهج سياسة التغاضي عن نهب و استغلال خيرات و موارد البلاد.

فالأزمة الصحية الحالية أوضحت الحاجة الى مستشفيات عمومية والى مواطن ملم بحقوقه وبواجباته اتجاه الآخرين واتجاه المجتمع، وبالتالي فلم يعد مقبولا بتاتا اعتبار النفقات العمومية، المرصودة للقطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، كعبئ على ميزانية الدولة، بل هي نفقات ضرورية لتمويل حاجيات إنتاج الإنسان داخل مجتمع لا يمكن اعتباره كمجتمع أفراد منقسمين الى مستهلكين ومنتجين، وأنه عكس ذلك روابط إنسانية، تاريخية، ثقافية، اجتماعية، نفسية…

وهنا يجب استحضار التصريحات المخجلة والبئيسة لرئيس الحكومة السابق، عبدالاله بنكيران، عندما أدلى أنه “حان الوقت أن ترفع الدولة يدها عن قطاعات الصحة والتعليم” !!! فبتصريحاته الخطيرة وغير المسؤولة، وبضربه لعدة حقوق ومكتسبات اجتماعية، كحق الإضراب وبالترهيب والتهديد والاقتطاع من الأجور وإصلاح نظام التقاعد على حساب الفئات المأجورة غير المسؤولة عن إفلاس الصناديق العمومية- فقد أبان أن الحكومة الذي كان يترأسها تلميذ نجيب لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وكذلك خادم ذوي النفوذ والفئات الميسورة باستثماراتها الريعية و امتيازات استغلال النفوذ والمسؤوليات بدواليب الدولة. فامتناعه عن سن ضريبة على الثروة يفسر تجنبه الدخول في صراع مع ذوي النفوذ والقرار الأخير في تسير شؤون البلاد، خاصة وأن هناك ارتباط لصيق بين الثروة والسلطة بحيث أن النفوذ السياسي والإداري يستغل لبسط النفوذ الاقتصادي عبر الاستثمارات الريعية والاستحواذ على الخيرات من موارد عمومية وطبيعية ومأذونيات وتسهيلات وامتيازات وتطاول على الوعاء العقاري لاستحواذ على الأراضي المسترجعة وأراضي الملك العمومي الخ.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى