وتحققت النبوءة في حزب العدالة والتنمية
* نورالدين زاوش
من كان ليصدق بأن التنبؤات التي أوردتُها في كتابي: “الجالية اليسارية المقيمة بحزب العدالة والتنمية”، على كثرتها وخطورتها، ستتحقق جملة وتفصيلا، وبلا تأخير أو تأجيل؛ بل حتى أصحاب الخيال الواسع لم يكونوا مستعدين حتى لمناقشة الافتراضات التي جاء بها الكتاب الذي نشرته سنة 2007م؛ ربما لأنني كنت حينها مجرد كاتب مبتدئ؛ أو ربما لأن مغني الحي لا يطرب؛ لكن، وكما قالت العرب: يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر.
من بين ما تنبأ به مؤلَّف “الجالية اليسارية” وصول حزب العدالة والتنمية لسدة الحكومة؛ ثم إفساده لدنيا الناس ودينهم على حد سواء، فقد جاء في الصفحة 193: “إننا اليوم في عهد برلماني “إسلامي”، وغدا سنكون أمام وزير “إسلامي”، وبعد غد أمام وزير أول من طينة “الإسلاميين”؛ لكن الإسلام سيبقى على حاله مثلما كان أول يوم، وربما سيصير أفظع”.
لقد تحقق الأمر بحذافيره بعد أربع سنوات فقط، ومثلما لم يتوقع أحد، تربع الحزب على عرش الحكومة في 2011م، أما إفساد الحزب لدنيا الناس ودينهم فقد تم اتباعا، حتى لم يعد يشكك فيه إلا من عَمي بصره وطُبع على قلبه؛ وما مصادقته، بالإجماع، على معاهدة “سيداو” التي تتنكر للتشريعات الإسلامية، ومعاهدات التطبيع التي غرق في وحلها، إلا فيض من غيض، والعجيب في الأمر، أنني أوردت فرضية قيادة الحكومة من لدن الإسلاميين في فصل: “حزب السيد بنكيران”، في إشارة واضحة إلى أن الوزير الأول المقصود هو السيد بنكيران وليس شخصا آخر.
لقد جاء في الصفحة 113: “حينما يصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم سيسقط عنه القناع، وستتلاشى الشعارات البراقة”، وقد سقط عنه القناع بالفعل، وتلاشت معه تلك الشعارات التي لم يكن لها هدف سوى دغدغة عواطف الشعب المتعطش لآمالٍ حتى ولو كانت كاذبة، وأحلام حتى ولو كانت زائفة، وما نراه اليوم من تذمر شعبي شديد، انعكس على نتائج انتخابات اللجان الثنائية متساوية الأعضاء، والانتخابات المهنية، خير دليل على أن الحزب يعيش أسوأ أيامه ويلفظ آخر أنفاسه.
لقد بدأ الجميع يفر بجلده من سفينة العدالة قبل أن تغرق في بحر السياسة مدلهم الخطوب؛ وللأسف الشديد، وربما للحظ الوافر، فإن أغلب قياديي العدالة والتنمية لا يُجيدون السباحة، وما نشاهده هذه الأيام من انشقاقات عظيمة، وانسحابات مهولة، في كل من مراكش وآسفي ووجدة وغيرها، إنما هي بداية انشقاقات أعظم، وانتكاسات أخطر وأعمق.
الطامة الكبرى أن أول من هرب من أرض المعركة المقدسة، وتخلف عن يوم الزحف الأكبر، هو السيد عبد العزيز أفتاتي الذي يعُدُّه المغفلون صقرا من صقور العدالة، والحقيقة أن الحزب من أقصاه إلى أقصاه ليس به غير صنف الحمام الزاجل؛ إلا من أبدع التمثيل، وأجاد التنكر في ثوب الصقور، ليترك مكانه لصديق دربه، وكاتم سره، وتوأم روحه، وظلِّه الذي لا يبرحه بالعشي والإبكار، السيد عبد الله الهامل، وكأن مدينة وجدة الشامخة عجزت عن أن تنجب الرجال غير هذين الشخصين.
لقد تفرق الحزب بمدينة وجدة شذر مذر، وانقسم إلى سبعين فرقة أو يزيد، صحيح أن أعضاء الحزب الأوفياء لم يفطنوا إلى تلاعبات حزبهم وحيله ومكائده إلا بعدما خرّب البلاد وشرّد العباد؛ لكن باب التوبة يظل مفتوحا، ما لم تشرق شمس الانتخابات من غرب صناديق الاقتراع.