في الواجهةكتاب السفير

قضية الصحراء المغربية…. المكاسب المغربية صداع في رأس جنرالات الجزائر

le patrice

* ياسين. ع (أبو زينب) 

تمهيد:

    طبعاً لا داعي للتذكير بأنّ قضية الصحراء هي قضية كلّ المغاربة، وكما يقال لا يختلف عليها مختلفان ولا تتناطح عليها عنزتان، ومن واجب كلّ من ينتسب إلى بلد اسمه المغرب الدّفاع حتى آخر رمق عن الوحدة الترابية من طنجة إلى لكويرة، فهو فرض عين لا فصال فيه.

  من هذا المنطلق، كان لزاماً على الباحثين الإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع، وتفعيل ما بات يعرف بالدبلوماسية الموازية أو الاستراتيجية الهجومية في هذه القضية المصيرية للمغرب والمغاربة، بحيث لا يبقى الملف في يد أهل السياسة وحدهم، وإن كانوا هم المعنيين بإدارته بشكل أكبر، لاطّلاعهم على أدقّ تفاصيله وحيثياته من جميع النواحي، لكن يبقى كذلك من واجب كلّ المغاربة كلّ على حدة، حسب تخصّصه وميدان نشاطه، أن يكون فاعلاً بقدر ما في هذه المعركة التي نخوضها ضدّ “أعداء” يحاربوننا في حقوقنا السيادية المشروعة بكل ضراوة وشراسة، لذلك فالبحث العلمي والدراسات لها دور، والإعلام له دور، والفنّ، وجمعيات المجتمع المدني، والرياضة … الخ كلّها يجب أن تضع بصمتها في هذا الملف.

   المعروف أنّ شهر أبريل من كلّ سنة، يكون موعداً ساخناً في مسار تسوية هذه القضية، على المستوى الأممي، ذلك أنّ اجتماعات مجلس الأمن تعقد سنوياً في شهر أبريل لتدارس الملف ومآلاتها، واستصدار توصيات بهذا الخصوص، بناءًا على تقارير البعثة الأممية “مينورسو”، رغم أنّه في السنوات الأخيرة هناك غياب لمبعوث أممي لإدارة الملف.

    إذن شهر أبريل من هذه السنة 2021، وكما هو الحال في سابق السنوات، يعرف الملف نوعاً من الصراع المحموم بين المغرب الذي يدافع عن حقّه في السيادة على جزء من بلده، وبين دولة جارة من جهة الشرق، جعلت همّها الوحيد وكلّ سياساتها وأموالها وخطّها السياسي والإيديولوجي هو معاكسة المغرب في حقوقه على جزء من ترابه الوطني، لذلك تجد أن تلك الدولة على مدار الأيام، وعندما يقترب شهر أبريل بالذات تحاول حشد أكبر قدر من الدعم لوجهة النظر الانفصالية، حيث ترصد لذلك ميزانيات ضخمة وتحرّك دبلوماسيتها وأبواقها الإعلامية وجماعات الضغط التابعة لها في المحافل الدولية، والمموّلة بأموال الشعب الجزائري الشقيق، المغلوب على أمره في الحقيق، والذي يحاول من خلال حراكه أن يتحرّر من القبضة الحديدية لجنرالات الدّم والنّار، الذين جعلوا من الجزائر كوريا الشمالية بشمال إفريقيا. غير أنّ شهر أبريل من هذه السنة يأتي في خضمّ تحوّلات استراتيجية عميقة في ملف الصحراء المغربية، جعلت جنرالات الجزائر وصنيعتها جبهة البوليساريو يصابون بالسُّعار، فما هي أبرز هذه التغيرات؟

1- فرض السيادة المغربية على معبر الكركرات، وقطع الطريق بشكل نهائي على ميليشيا البوليساريو، التي كانت كلّ مرّة تستغل هذه الورقة لتقوم باستفزاز المغرب، وسط صمت بعثة المينورسو، بحيث أرادت الجبهة أن تستغل عدم وجود قوات مغربية هناك،  

2- الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في أواخر العهدة الرئاسية للرئيس الأمريكي الأسبق “دونالد ترامب”، مع قرار فتح قنصلية أمريكية في الداخلية، واستثمار أمريكي بملايين الدولارات في الأقاليم الجنوبية، حيث نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية الأمريكية، وصار ملزماً للدولة، ومع مجيء الرئيس الجديد “جو بايدن” بقيت دار لقمان على حالها، وخاب ظنّ ومسعى الجنرالات والبوليساريو في إلغاء الإدارة الأمريكية لقرار “ترامب” بالاعتماد على بعض جماعات الضغط المأجورة، والسياسيين السابقين مثل “جون بولتون”، والمعلوم أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي “كاتبة قرارات مجلس الأمن”، أي أن مفاتيح اللعبة السياسية في قضية الصحراء المغربية أو غيرها في يدها أكثر من غيرها، بحكم أنّها القوّة العظمى رقم 1 في العالم، وهذا التطوّر الحاسم ضرب في الصميم جنرالات الجزائر ومرتزقة البوليساريو. وطبعاً زاد من قلق الطرف المعادي تلك المناورات العسكرية بين المغرب وأمريكا مؤخراً في جنوب المملكة، مع توالي زيارات الوفود الأمريكية من الساسة والفاعلين المجتمعيين وغيرهم إلى المناطق الجنوبية، وتأكيدهم على أنّ خيار الحكم الذاتي هو الحلّ الواقعي في ملف الصحراء المغربية.

3- عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية، وعودة المياه إلى مجاريها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وهما دولتان لهما من الثقل ما لهما عالمياً، فإسرائيل لها تأثير مباشر وقويّ على سياسات واشنطن، ولها جماعات ضغط في غاية القوة والقدرة على التأثير، وللمغرب مليون يهودي في إسرائيل لهم تمثيلية قوية جدّاً في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، أما دولة الإمارات فقد باتت فاعلاً رئيسياً في مختلف الملفات الشائكة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عموماً، بما لها من ثقل مالي بالأساس، إضافة إلى علاقاتها الدولية وتحالفاتها الإقليمية القوية، ممّا يجعلها دولة مؤثّرة، واصطفافها إلى جانب المغرب في قضية الصحراء كأوّل دولة عربية تفتتح قنصلية لها بالعيون، كان له أثر وعمق سياسية واستراتيجي له ما بعده، حيث تلتها في ذلك البحرين والأردن، اللذان افتتحا قنصليتين لبلديهما في العيون أيضاً.

4- دبلوماسية “المقصّ” وافتتاح ما يزيد عن 20 قنصلية وتمثيلية دبلوماسية إفريقية وعربية وأمريكية لاتينية في مدينتي العيون والداخلية، آخرها السنغال يومه الاثنين خامس أبريل 2021، وهذا يعكس ميدانياً وواقعياً الاعتراف الدولية المطّرد لدول العالم بمغربية الصحراء، وبمفهوم المخالفة، يضرب في الصميم الأطروحة الانفصالية.

5- إقبال العديد من المستثمرين الأجانب على الاستثمار في المناطق الجنوبية للمغرب، وخسارة جبهة البوليساريو للقضايا القانونية التي ترفعها في مختلف المحاكم لمنع استيراد الثروات المغربية من المناطق الجنوبية مثل الأسماك والفوسفاط، وكان آخرها الانتكاسة التي تعرّضت لها الجزائر والبوليساريو برفض المحكمة العليا بنيوزلندا دعوى ضد استيراد الفوسفاط المغربي.

6- تراجع حلفاء تقليديين من الأحزاب اليسارية الأوربية والأمريكية اللاتينية عن دعم البوليساريو، بعد ما حدث نونبر المنصرم في الكركرات التي أعلنت على إثرها الجبهة المرتزقة تنصّلها من وقف إطلاق النار، خارقة بذلك الاتفاقية العسكرية رقم واحد المبرمة بين المغرب والانفصاليين برعاية المينورسو، فمثلا الحزب الوطني الباسكي وهو حليف تقليدي للبوليساريو قال أنّ العالم تغيّر وعلى البوليساريو أن تدرك أن مطلب الاستقلال مستحيل.

7- تراجع المغرب عن نهج سياسة الكرسي الفارغ، وهذا الأمر انطلق منذ عاد المغرب لينضمّ إلى منظمة الوحدة الإفريقية التي كان قد خرج منها في الثمانينات من القرن الماضي احتجاجاً على قبول عضوية الجمهورية الوهمية حينئذ كدولة، فالمغرب أعاد العلاقات مع كوبا، وكثف من اتصالاته واستثماراته في دول إفريقية عديدة منها دول تعترف بالبوليساريو، وهذا إجراء جديد رسم أبرز ملامح التغير في سياسة المغرب في قضيته الوطنية، فبات يستغلّ كلّ المحافل القارية والدولية لطرح وجهة نظره والدفاع عنها.

8- وأد محاولات الجزائر لتحويل ملف الصحراء المغربية إلى يد مجلس السلم والأمن الإفريقي، الذي حاول الرئيس الجزائري تبون مدعوما من كينيا وجنوب إفريقيا تمريره، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل الذريع.

9- قطع الطريق على من يعرفون ب “بوليساريو الداخل” فيما يخصّ محاولاتهم اليائسة البائسة لاستغلال الملف الحقوقي، والتقرير الأخير لحقوق الإنسان الذي تنشره سنويا وزارة الخارجية الأمريكية، أشاد بدور مجلسي حقوق الإنسان بكلّ من العيون والداخلة، وأشاد بالأداء الاحترافي للأمن المغربي في مناهضة التعذيب، وهذا عرّى مؤخرة الانفصاليين داخليا وخارجيا، ممّن كانوا يلجأون سابقا إلى ورقة حقوق الإنسان للضغط على المملكة في المحافل الدولية.

10- ظهور المغرب بمظهر القوّة الإقليمية التي يُضرب لها ألف حساب، ظهر ذلك من خلال العديد من الأمور، مثل قيمة ونوعية المعلومات الاستخباراتية التي مدّها المغرب إلى الولايات المتحدة وفرنسا مثلاً، والتي جنّبت الدولتين حمّام دم، والدّور المغربي القوي في تدبير الملفّ الليبي، وجهود المملكة في تلقيح المغاربة ضدّ كوفيد، وسياسة المغرب في عديد الملفات مع الاتحاد الأوربي في ملف الهجرة، حيث رفض أيّة إملاءات أو القيام بدور الدركي لفائدة الأوربيين، وتوقيف الاتصال بالسفارة والمؤسسات الألمانية العاملة في المغرب بسبب بعض المواقف السياسية الألمانية مؤخراً، وتأجيل الرباط للقمة المغربية الإسبانية المشتركة بسبب الموقف المعادي لحزب “بوديموس” المشارك في الحكومة الإسبانية، وقيام المملكة بترسيم حدودها البحرية…

   هذه التحوّلات المفصلية لصالح المغرب، أزعجت إلى حدّ كبير جدّاً جنرالات الجار الشرقي، فبحثوا بكلّ السبل لافتعال أزمات مع المغرب، لتصريف الضغط عن الجبهة الداخلية، التي تعرف تصعيداً ثورياً متجدّداً ومتلاحقاً من خلال حراك الشعب الجزائري المقهور، الذي يطالب بدولة مدنية تحترم حقّه في العيش والكرامة والحرية، وهذه أشياء حرمهم منها نظام العسكر لسنوات طوال، فكان على الماسكين بزمام الأمور أن يحاولوا تصدير الأزمة السياسية الداخلية إلى الخارج، بالعودة كلّ مرة إلى الأسطوانة المشروخة “العدوّ الخارجي”، وهو المغرب طبعاً، وآخر تمظهراتها افتعال أزمة العرجة، قرب فجيج، وهو استفزاز لم ينسق له المغرب، وقبلها التطاول على أكبر رمز من رموز الدولة المغربية، بشكل عكس الإفلاس السياسي والفكري، لقناة إعلامية مسخّرة بأمر من الجنرالات، وكلّها محاولات بائسة ويائسة تعكس أنّ الجنرالات والانفصاليين باتوا في عنق الزجاجة، وأنهم يرقصون رقصة الديك المذبوح أمام المكتسبات القوية التي يحققها المغرب في قضيته الوطنية.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى