المباراة الرابعة لشغل منصب عميد كلية الحقوق بالمحمدية .. تطاحنات و تهديدات و مقايضات للسطو على “الكلية الضحية” أو “الكلية الحلوب” !!
إنه لغريب ما تعيشه الساحة الجامعية من تطاحنات وخروقات وصراعات ضيقة ومصلحية لتقلد المسؤوليات الإدارية و بالهياكل الجامعية. إلا أن الصراعات والرهانات تتفاقم عندما يتعلق الأمر بشغل منصب رئيس مؤسسة جامعية. فهذه الوضعية المأساوية والمؤسفة تتجسد جليا من خلال ما تعرفه مباراة شغل منصب عميد لكلية الحقوق بالمحمدية، والتي تم إجراؤها مؤخرا بتاريخ 16 أكتوبر 2019، للمرة الرابعة، بعدما تم إلغاء نتائجها ثلاث مرات من طرف الوزارة المعنية بالقطاع، وذلك بالامتناع عن التعيين من بين المرشحين المرتبين.
فقد عرفت جل المباريات إلغاءات وإعادة إجرائها في ظل غياب أي طعن من طرف المرشحين المعنيين بالمباريات. فقرار الإلغاء يتطلب التعليل من طرف الوزارة المعنية وأنه في غياب الطعون يتم غالبا اللجوء للتبريرات الأمنية أو تحقير نتائج مباراة أجريت في عهد الوزير السابق وعدم تفعيل صلاحيات الاقتراح في شأنها. في هذا الإطار، يجب التذكير بإلغاء مباريات لشغل منصب رئيس مؤسسة جامعية من طرف الوزراء المشرفين على القطاع، لحسن الداودي ومحمد حصاد، وذلك بمنطق التملص من الحسم في إجراءات و مساطر المباريات المنظمة في عهد الوزير السابق و في ضرب بعرض الحائط للأعباء المكلفة للمباريات ولدور اللجان المشرفة و مكانتها .
وعليه، فإلغاء مباريات بدون تعليل وتبريرات قانونية يعتبر مسا بالقانون وبالحقوق و يكرس سلوكيات فرض أسلوب القوة والمزاج واستعراض العضلات.
فالإلغاء الأخير، لمباراة أجريت للمرة الثالثة، من طرف الوزير المعني بالقطاع سعيد امزازي، أثار استغراب الرأي الجامعي المحلي ولدى الفاعلين بالمؤسسة حول دوافعه ومدى مصداقية التبريرات لتعليله. فحصر الاقتراح في مرشح واحد من بين المرشحين الثلاث المرتبين، دون استنفاد الاقتراحات لتشمل الباقي من المرشحين، فهذا يعتبر عبث واستهتار بالمسؤولية وأنه يجب على الجهات والأطراف المعنية بالسهر على تطبيق القانون والنقابة الوطنية للتعليم العالي استفسار الوزير المعني بهذا السلوك المزاجي والانفرادي والغير قانوني.
فعدم استنفاذ الاقتراحات لتشمل باقي المرشحين المرتبين يعتبر تحقيرا صارخا لمكانة الأساتذة الباحثين و للجنة المشرفة على تقييم وترتيب المرشحين على أساس مشاريعهم وعروضهم وكذلك لأعضاء مجلس الجامعة الذين يعود لهم الاختصاص فيما يخص الدراسة والمصادقة على المسطرة المتبعة.
فاعتبارا لكلفة المحطات المسطرية للمباراة وخاصة على مستوى تنظيمها، فإعادة إجرائها للمرة الرابعة تعتبر حالة استثنائية بالجامعات المغربية، وذات عواقب غير محمودة على السير العادي للمؤسسة المعنية والتي ظلت بدون عميد لمدة تناهز أربع سنوات.
فإذا كانت نتائج المباراة الرابعة سيتم الإعلان عنها خلال اجتماع مجلس الجامعة الذي سينعقد يوم 18 دجنبر 2019. إلا أن ما نسجله باستغراب هو ما يتم تداوله داخل الأوساط الجامعية حول ترتيب المرشحين، علما أنه من واجبات أعضاء اللجنة التكتم على النتائج وعدم إفشائها. ما يتم تداوله في هذا الشأن، أن بعض المرشحين سيلجأون الى الطعن في المسطرة المتبعة في حالة عدم ترتيبهم ضمن المرتبين الثلاث. فهذه التهديدات المفترضة توضح خطورة منطق الطموحات الشخصية والفئوية بحيث أن الطعن يصبح مرتبط بالترتيب وليس بخروقات المسطرة المتبعة، وهذا يعني أنه في حالة الترتيب المريح لبعض المرشحين، فلن يبالون بطبيعة المسطرة وأنها كانت في قمة النزاهة وفي احترام تام للنصوص.
فالاختلالات المسطرية، وخاصة كارثة لجنة على مقاس مرشح معين ومزكى للترتيب المريح، لها عواقب وأضرار على جميع المرشحين المعنيين بالمباراة، وليس فقط على البعض منهم المراهن عليهم من طرف مجموعات الضغط و”التيارات” المتصارعة لخدمة مصالح ضيقة وأهداف لا صلة لها بالمصلحة للعامة.
ففي حالات عديدة يتم تشجيع بعض النماذج للترشيح للمباراة ومساندتهم بكل الوسائل والتوصيات والدخول في مقايضات باعتبارهم كرعاة لمصالح مجموعات معينة وكرهائن لأولياء نعمتهم. لا أحد يمكنه أن يجادل أو يشكك في مسألة تشكيل لجان على المقاس في غالبية المباريات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وفي مؤسسات الجامعات العمومية بالمغرب.
إلا أن ما نسجله بغرابة هو كيف أن هذه المباراة الرابعة تثير اهتمام كبير لدى الرأي الجامعي المحلي و أسالت الكثير من المداد، وخاصة على مستوى اللجنة المشرفة وطبيعة تشكيلها، علما أن المباريات السابقة لم تسجل نفس ردود الأفعال كما لو أنها تمت في احترام تام للمساطر المتبعة وأن اللجان المشرفة، من خلال التقييم والترتيب، انخرطت بكامل الموضوعية والنزاهة في المهام الموكولة لها. فلأي مرشح الحق في اللجوء الى مسطرة الطعن في حالة إن ارتأى أن هناك اختلالات مسطرية تضرب مبدأ تكافؤ الفرص و ترجح كفة المقربين ضدا على مرشحين آخرين.
فبناءا على الفصل 20 من القانون 00-01 المنظم للتعليم العالي، فمجلس الجامعة له الصلاحيات لدراسة المسطرة والمصادقة عليها. وعليه، فمن اختصاص أعضاء مجلس الجامعة التدقيق في المحطات المسطرية للمباراة بدءا بباب الترشيحات حتى تشكيل اللجنة المشرفة والنتائج المعلن عنها بعد فتح الأظرفة في إطار اجتماع مجلس الجامعة.
فالدراسة المسطرية، من طرف أعضاء مجلس الجامعة، تنكب أساسا على مدى حرص رآسة الجامعة على نشر المعلومة حول فتح باب الترشيحات للمباراة للتدقيق في وجود أم لا ممارسات التعتيم على المعلومة والمراهنة على حصر نسبة المرشحين المتبارين في عدد قليل بنوايا خدمة البعض منهم.
فالملاحظات يمكن أن تصب كذلك في شأن مدى تكافؤ الفرص بين المرشحين ومواكبتهم بدون تمييز ومحاباة عند إعداد مشاريعهم التي تتطلب معلومات دقيقة حول المؤسسة المعنية بالمباراة. فما يجب توضيحه، بناءا على تجارب وكوارث المباريات السالفة، أن المحطة المسطرية الأكثر أهمية فيما يخص التأثير على نتائج المباراة فهي طبيعة تشكيل اللجنة المشرفة، بحيث أن تشكيل أعضاءها يجب أن يتم في احترام دقيق لبعض المعايير وذلك لتجنب الاختلالات الشكلية وفرضية الطعن فيها (احترام معيار الإطار والدرجة بالنسبة للأعضاء الأكاديميين، القرب في التخصص المعرفي، احترام نسبة التمثيلية بالنسبة للأعضاء الخارجيين ذوي الكفاءات…). فأضرار اللجنة تنجم كذلك من خلال ممارسات التقييم غير الموضوعي في حالات تأثير عوامل القرابات أو الحساسيات لأعضاء اللجنة اتجاه المرشحين والتي على إثرها يتم الاصطفاف بجانب مرشح أو البعض منهم على حساب آخرين.
فخلال تجربتنا بمجلس الجامعة، وقفنا عن قرب عند ممارسات خطيرة وغير مقبولة بتاتا بحيث أنه تمت مصادرة الرأي والتعسف على الإدلاء بالملاحظات والاستفسارات المدونة من طرف أعضاء مجلس الجامعة، في شأن المسطرة المتبعة لمباريات شغل منصب رئيس مؤسسة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، علما أن النقطة المتعلقة بسرد مساطر المباريات ودراستها تكون دائما مبرمجة كنقطة أخيرة في جدول أعمال اجتماع مجلس الجامعة. فقد تم خلال اجتماع مجلس الجامعة، المنعقد يوم 19 يناير2017، رفع الجلسة دون الرجوع الى أعضاء المجلس رغم إلحاحنا على ذلك، وذلك من أجل الدراسة و المصادقة على المسطرة والنتائج المعلن عنها، بناءا على الاختصاصات الموكولة لأعضاء مجلس الجامعة والمنصوص عليها في المادة 20 من القانون 00-01 المنظم للتعليم العالي. فقد حررنا رسالة في الموضوع، بتاريخ 20 يناير 2017، موجهة الى جميع أعضاء المجلس للتنديد بهذه الممارسات و التجاوزات الفظيعة ضدا على ما يخوله القانون من صلاحيات لأعضاء مجلس الجامعة.
الغريب أن مثل هذه الممارسات اللاقانونية والتي تتسم بالعبث والاستهتار بالمسؤولية والإقصاء الممنهج لآراء وصلاحيات أعضاء المجلس لا تجد مقاومة من طرف المعنيين والتنديد بها للدفع في اتجاه فرض احترام مقتضيات القانون.
نتساءل ما هو سر خاصية هذه المؤسسة الجامعية التي تعرف مباراة شغل عميدها تطاحنات وتقادفات وتبادل الاتهامات بحيث أن المرشحين يصبحون عرضة للنبش في حياتهم الشخصية والسب واتهامهم بكل ما قد يسيء اليهم وذلك بغية تلطيخ صورتهم والتأثير على ذوي القرار. فمتى سيتم الحسم في مصير هذه المؤسسة ووضع حد لمسلسل التطاحنات والابتزازات ومحاولات التهديد والترهيب للتأثير على الأطراف المعنية بالاقتراح والتعيين. فتجارب المباريات السابقة أوضحت أن كل الأفعال والسلوكيات تصبح قابلة للتطبيق للظفر بالمنصب عبر طرق جميع الأبواب المؤثرة وتحريك نماذج ذات صلة بالهيئات السياسية والنقابية المختلفة الألوان.
فهذه الطموحات الشخصية لشغل هذا المنصب والتطاحنات اللاذعة و انتظارات مجموعات الضغط توضح جليا أن المسؤولية لا تخدم المصلحة العامة، بل هي مفتاح ذهبي لفتح علبة الامتيازات والتسهيلات وقضاء المصالح وتكثيف المنافع واستغلال الموارد والمهام والمرافق.
فإسناد المنصب تحت الضغوطات والتهديدات أو في إطار أسلوب المقايضات والجزاءات مع أطراف نقابية وسياسية، سيكرس المنطق الاستغلالي للمؤسسة واستمرارية السطو والقبضة من حديد على دواليبها ومواردها وضرب هياكلها و خوصصة مرافقها، وسيزيد من تفاقم تأزم وضعيتها.
فإخراج “الكلية الضحية” أو ” الكلية الحلوب” من النفق المسدود يتطلب حزم المسؤولية بتغليب معايير الموضوعية والنزاهة والكفاءة ضدا على الممارسات المنبوذة و التجربة السابقة، بحيث أنه تمت المراهنة على عميد للكلية المعنية عمد على ضرب كل مقتضيات النصوص وتجاوز الهياكل الجامعية واقتراف الاعتداءات والخروقات والأفعال الإجرامية والخسيسة وتحويل الحقوق الى إمتيازات وجزاءات وربطها بواجب الطاعة والولاء والخنوع والانصياع للقرارت والأوامر المملوءة والمفروضة وحول المؤسسة إلى ضيعة خاصة تسير بطقوس الاستعباد والاستحواذ.
فجاذبية المسؤولية تفسر أساسا من خلال استراتيجية الافلات من العقاب (Impunité) وبعدم تفعيل المادة الأولى من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. ما هو ساري المفعول هو تشجيع ربط المسؤولية بالتعليف والتسمين المادي بجعل تحمل المسؤولية فرصة للتسلق السريع والاغتناء غير المشروع.
فالمسؤولية بالمغرب، نظرا للطقوس المرتبطة بها، من عجرفة وبهرجة وتقرب لدواليب وقنوات السلطة (La proximité avec les sphères du pouvoir) وتلذذ وتبجح بالدعوات الرسمية، والإغراءات وطبيعة الطموحات الشخصية، فمن تحملها وذاق مذاق طعمها ودهونها يصعب عليه فراقها “وفطامه” عنها، بحيث يصبح الالتصاق بالكرسي من أسمى أهداف بعض النماذج الانتهازية والوصولية. غريب أمر تحمل المسؤولية بالمغرب، فمن تقلدها لا يمكنه تصور استمرارية العيش بدونها وأن نهاية اللصيق بكرسي المنفعة، عوض مسؤولية الصالح العام، تعني نهاية الحياة.
وفي هذا الإطار يجب الإشارة الى أن من زاول مهمة عميد وعميد بالنيابة بكلية الحقوق بالمحمدية (ج.ح) فهو ضمن قائمة المرشحين للانتخابات، لشغل منصب عضوية المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، المنظمة من طرف الوزارة الوصية على قطاع التعليم العالي، والتي ستجري يوم 26 دجنبر 2019. هذا الترشيح يدخل ضمن عملية التدوير و الارتباط بالكرسي (Opération de recyclage et de collage).