كتاب السفير

مسؤوليات رئيسة جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء: تساؤلات في نجاعة وواقعية مشروع تنمية الجامعة ..وانتظارات حول نزاهة وصرامة “القبعة الإدارية”!!!

le patrice

* بقلم: ساجد المصطفى

فإذا كان لرئيسة الجامعة من خلال تواصلها مع الفاعلين الجامعيين ، برنامج طموح لتطوير التكوينات وتشجيع البحث العلمي والانفتاح على محيط الجامعة من خلال إبرام الاتفاقيات والشراكات مع الفاعلين بالقطاع العام والخاص والمجتمع المدني في المجالات المرتبطة بالمتطلبات الراهنة وبرهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في ظل ما تقتضيه شروط العولمة والتنافسية، فهذا المشروع قد يبقى حبرا على ورق ويشكك في واقعيته ونجاعته إذا لم يتم تثمينه ومواكبته من طرف الفاعلين الجامعين في إطار الهياكل الجامعية وبصفة خاصة مجلس الجامعة الذي يعود له الاختصاص فيما يخص تطوير وتنمية الجامعة.

فلا يمكن تطوير وبلورة تصور تنمية الجامعة بدون الاهتمام الجاد بالإكراهات والمشاكل التي تتخبط فيها الجامعة والمؤسسات التابعة لها.

فمن المهام الرئيسية لرئيس الجامعة هو الحرص على التطبيق الصارم لمقتضيات القانون والنصوص المنظمة للتعليم العالي ، ولتسيير الجامعة المعنية فعلى رئيسة الجامعة أن تفعل بكل حزم ومسؤولية وتفاني في خدمة الصالح العام “قبعتها الإدارية” بتفعيل سلطة الوصاية على رؤساء المؤسسات وبمحاسبة كل من يعبث بالمسؤولية بارتكاب تجاوزات وأفعال منافية للقانون ويوجهها لخدمة الأغراض الخاصة بمنطق المحسوبية والزبونية وضدا على تحقيق المصلحة العامة.

وفي هذا الإطار، وللدفع باحترام النصوص وباختصاصات الهياكل ومهامها وحقوق وواجبات الفاعلين الجامعيين، يجب ربط المسؤولية بالمحاسبة كما تنص على ذلك المادة الأولى من دستور 2011.

خلال اللقاء التواصلي المنظم مؤخرا برحاب كلية الحقوق بالمحمدية مع الفاعلين بمؤسسات هذه المدينة ، أوضحت رئيسة الجامعة انه اعتبارا لمحدودية الموارد العمومية وضعفها المخصصة للجامعة فعلى المؤسسات تطوير وتنمية مواردها المالية والتفكير والعمل على الانفتاح وتشجيع التكوين المستمر. لكن يبقى السؤال أي تكوين مستمر نريد؟

فعلا الجميع يجمع على أهمية هذا الطرح وانفتاح الجامعة على المحيط، والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين لتحقيق الآثار الإيجابية على هذا المحيط ، لأن التكوين المستمر في شكله الحقيقي كما هو معمول به في بعض الدول ، يتجسد في تنمية الرأسمال البشري واستثماره ايجابيا وكذا تطوير الرأسمال اللامادي كعامل أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

لكن المؤسف أن التكوين المستمر كيفما يتم تصوره وتدبيره حاليا بالجامعات المغربية لا يمت بأية صلة لهذا التكوين ، لأنه يقوم على أهداف ريعية محضة ويرمي إلى ضرب الجامعة كمرفق عمومي في العمق في أفق خوصصتها وضرب جودة التكوينات الأساسية.

الملاحظ على مشروع الرئيسة أنه أعطى أولوية للاتفاقيات والشراكات كعامل أساسي لتنمية الجامعة ، علما بأن التجربة سجلت عدة نقاط سلبية أثرت على مصداقيته وفعالية مجموعة من الاتفاقيات والشراكات المبرمة بين الجامعة والفاعلين على الصعيدين الوطني والدولي.

بحيث أن العديد منها طبعته مسلكيات انتهازية تفتقر إلى الرؤية الشمولية وتنحصر دلالاتها وأثرها على الأطراف الموقعة فقط، بدون أن يتم الإخبار بمحتواها وأهدافها وإشراك كافة الفاعلين الجامعيين المتوفرين على إمكانيات وكفاءات للمساهمة في تحقيق مهام وأهداف هذه العلاقات الثنائية مع الشركات القطاع العام والقطاع الخاص المجتمع المدني).

وقد أكدت التجربة محدوديتها وقصور أثرها على ذوي النفوذ والدائرين في فلك رئاسة الجامعة وإدارات المؤسسات (الدورات التكوينية، السفريات، المساهمة في الندوات الكبرى…)، رغم محدودية الميزانية المرصودة لفائدة الجامعات العمومية، فانه ينبغي الحرص على تدبيرها بطرق شفافة وبعدم تسخيرها لأغراض شخصية، وكذا الحرص على تفعيل آليات مراقبة المال العام وقطع الطريق على كل من سولت له نفسه استغلال ( المال العام) للاغتناء غير المشروع.

أيضا ينبغي الالتفات إلى مرافق ووسائل الجامعة والمؤسسات التابعة لها ، للوقوف على طرق تدبيرها حتى لا يتم استغلالها هي الأخرى وخوصصتها لفائدة فئة محدودة من ذوي المسؤوليات.

وخلال اللقاء التواصلي للرئيسة مع الفاعلين تم التطرق إلى نقطة مهمة وإشكالية ذات أهمية قصوى ، والتي تتعلق بالميزانية المخصصة لمؤسسات العلوم الإنسانية والاجتماعية والتي للأسف تحظى بتهميش ملحوظ وتحقير لتكويناتها وبحوثها في مجالات تخصصها تعكسها الميزانية الهزيلة ضدا على إستراتيجية الدول ، التي تولي أهمية كبرى لارتباطها بطبيعة معالجتها لقضايا الإرهاب والجريمة وانحراف الشباب والمعضلات الاجتماعية والنفسية الخطيرة والهشاشة المجالية والاجتماعية.

ومن بين ملاحظات المتدخلين ، تمت المطالبة بضرورة إعادة النظر في المعايير المعتمدة في توزيع وتبويب الميزانية (عدد المسجلين بالنظام المعلوماتي، مساحة المؤسسة، طبيعة التكوين والبحث بالمؤسسة، الميزانية السابقة…) أخذا بعين الاعتبار الأهمية الراهنة للعلوم الاجتماعية والإنسانية.

ويعكس هذا استمرارية لعقليات بعض المسؤولين الذين تعاقبوا على القطاع ، وهنا يجب استحضار تصريحات الوزير السابق لحسن الداودي الذي ضرب في العمق مصداقية كليات الآداب والحقوق عبر تبخيس قيمتها وفعاليتها على اعتباره بالنسبة إليه تفرخ لنا العاطلين ولا تساهم في خلق الثروة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما تم التطرق من خلال هذا اللقاء إلى مشاكل الطلبة بالنسبة للنقل والسكن والمطاعم. فكيف يعقل أن مدينة جامعية تأوي أربع مؤسسات جامعية (كلية العلوم والتقنيات، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، كلية الحقوق والمدرسة الوطنية العليا للدراسات التكنولوجية) لا يوجد بها حي ومطاعم جامعية، خاصة وأن طلبة الجامعات القروية والحضرية المجاورة يتابعون دراستهم بها؟

فيما يهم مشاكل النقل، فعلى الرئيسة وأعضاء مجلس الجامعة إعطاء أولوية لمسالة توفير شروط ملائمة لتنقل الطلبة وأن ينزلوا بثقلهم في التفاوض مع الجهات والسلطات المعنية من أجل فتح المجال لشركات أخرى بتشجيع المنافسة، خاصة وأن الشركة المحتكرة لخطوط التنقل، بناء على استغلال النفوذ وعلى منطلق الاستحواذ على غنيمة النقل، لا تحترم معايير وشروط السلامة وجودة الخدمات بالنظر إلى الحالة الميكانيكية الكارثية لأسطول الحافلات وإلى تفاقم حوادث السير المتكررة. كما أنه لا توجد محطة للنقل بجوار المؤسسات الجامعية بالمحمدية. فيما يخص الخدمات الاجتماعية للطلبة يجب التسريع في تعميم وتفعيل الحق في التأمين الصحي الإجباري (Assurance Maladie Obligatoire) .

للحد من مجموعة من المشاكل التي يتخبط فيها طلبة الجماعات الحضرية والقروية الخاضعة للمؤسسات الجامعية الموجودة بالمحمدية، يجب العمل على خلق مؤسسات جامعية بإقليم بنسليمان وليس فقط نواة جامعية ذات الارتباط بخصوصيات المنطقة والتي ستكون محدودة الاستقطاب.

فكيف يعقل أن يبقى دائما هذا الإقليم سجين إستراتيجية استغلال موارده ومؤهلاته الطبيعية والمناخية بفرض تصور بهدف إدماجه في المحيط السوسيو اقتصادي والثقافي والبيئي، والذي لا يخدم متطلبات وتطلعات سكانه من خلال تهميش الاستثمارات المنتجة والمدرة لفرص الشغل، وعدم تشجيع المشاريع المرتبطة بالحاجيات الاقتصادية والاجتماعية وكمثال صارخ لهذا التهميش عدم إدراج إقليم بنسليمان بالمطلق ضمن اهتمامات المشرفين على القطاع التعليم العالي والبحث العلمي.

فإذا كان لرئيس الجامعة، بناء على القانون 00.01 المنظم للتعليم العالي. اختصاصات ومهام واسعة، فللهياكل كذلك دور هام في تسيير الجامعة والمؤسسات التابعة لها. فعلى الهياكل الجامعية القيام بالأدوار والاختصاصات المنوطة بها بكامل المسؤولية والحزم فيما يخص التدبير البيداغوجي والعلمي والمالي.

وللهياكل النقابية (المكاتب المحلية والجهوية) دور أساسي في الدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للأساتذة وللتصدي بكافة التجاوزات وكل أشكال التهميش والأفعال المنافية للقانون بالجامعة والمؤسسات التابعة لها.

وبصدد العمل النقابي بقطاع التعليم العالي، فلا يفوتنا أن نسجل بأسف كبير غياب الصوت النقابي بمجلس الجامعة بحيث أن المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي مازال يتماطل في الحسم فيما يخص ممثلي النقابة بمجالس الجامعات.

فلا نعلم خلفيات هذا التماطل وكيف أن المكتب الوطني يكرس منطق التعيين كأن الأمر يتعلق بمناصب علما أن النقابة الوطنية للتعليم العالي ما فتئت تندد بأسلوب التعيين فيما يخص رؤساء المؤسسات الجامعية مطالبة بانتخابهم من طرف زملائهم الأساتذة. فإستراتيجية “الكرسي فارغ” ليست في مصلحة الأساتذة والتدبير الصحيح للجامعة بقدر ما تخدم مصالح الأطراف المتسلطة والمتعسفة على المهام والحقوق من ذوي المسؤوليات بالجامعة وبالمؤسسات التابعة لها.

فلا يمكن تطوير الجامعة وتشجيع مناخ الابتكارات والبحث العلمي المنتج والجاد بدون فك ارتباطات المنفعة والتواطؤات بين هياكل ورئاسة الجامعة من جهة وذوي المسؤوليات بالمؤسسات من جهة أخرى، والتي تهدف إلى اقتسام المنافع وتبادل المصالح من خلال تفشي ثقافة التسلق السريع وتبرير الطموحات الشخصية الزائدة والغريبة على منتج الأفكار والمعرفة باستغلال المهام والموارد والمرافق في إطار منظور ليبرالي يتوخى تسليع وتبضيع المعرفة وكل مناحي ومهام الجامعة العمومية في أفق ضرب جوهرها ومكانتها كمرفق عمومي مجاني.

أستاذ الاقتصاد السياسي بكلية الحقوق بالمحمدية

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى