مستشفى محمد بوافي بالدار البيضاء..كل شيء بـ “الرشوة”
السفير 24 / ح.ر – ب.م
حين يستشري الفساد والمحسوبية تنقطع الرحمة والشفقة، فظاهرة الإهمال التي انتشرت بالمستشفى العمومي الملازم الأول محمد بوافي بتراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان بالدار البيضاء، جعلت المرضى فريسة الإطار الطبي والممرضين الذين أصبحوا ينهشون جيوب الفقراء الذين أنهكهم المرض بدل أن يوفروا لهم سبل الراحة والشفاء.
فبين الطوابير الطويلة في مستشفى محمد بوافي الحكومي والمواعيد البعيدة لتلقي العلاج، يعاني المرضى من سوء الخدمات الصحية، أما المصحات الخاصة فلا يقدر عليها سوى ميسوري الحال في بلد ترتفع فيه نسبة الفقر ويرتفع فيه عدد الفقراء الذين يعانون من رحلة الموت البطيء.
ومنذ الإعلان عن خروج نظام المساعدة الطبية “راميد” الى حيز الوجود، مازالت الخدمات الطبية بهذا المستشفى مستمرة في الانهيار، كما أن أعداد المرضى وتكدسهم ما زال في استمرار متواصل، والنقص الكبير في الأطر الطبية نتيجة الغيابات المبررة بحجج واهية، أصبح هذا المرفق الصحي العمومي يطاله الفساد والعديد من التدابير الخاصة في عملية تقديم الخدمات، هذا بالإضافة إلى تعقيد وعدم إحاطة نظام التأمين الصحي “راميد” باحتياجات المواطنين من المرضى.
وتمر عملية العلاج في مستشفى الملازم الأول محمد بوافي، بسلسلة معقدة من الإجراءات الإدارية تبدأ بترسيم المرضى في قائمة الحالات الطارئة وأولوية إجراء العمليات الجراحية لهم، ونظرا للأعداد الكبيرة من المرضى الذين يحتاجون لتدخل طبي عاجل وقلة الأطر الطبية التي اختارت الراحة أو “السليت” للعمل في المصحات الخاصة، فقد تمتد مدة الانتظار إلى فترات طويلة تبلغ أحيانا أسابيع أو عدة أشهر.
وأمام تعقد هذه الحالة يلجأ ذوو المرضى إلى حيل أخرى تمكنهم من تقديم موعد إجراء الفحوصات وتلقي العلاج، ومن هذه الحيل تقديم رشاوى لبعض الأطباء والممرضين وحتى “السماسرية” من بعض حراس الأمن الخاص بهذا المستشفى، ليتدخلوا لهم في تحديد أجل قريب لموعد الفحوصات والعلاج.
وأكد أحد المرضى ممن التقت بهم “السفير 24“، أمام هذه البناية العمومية والذي يحتاج إلى عملية جراحية لإخراج حصى من الكلى، أنه وجد اسمه في آخر القائمة إذ جاء دوره بعد ثلاثة أشهر لإجراء العملية، لكن شدة الآلام التي يعاني منها جعلته يحتج على طول فترة الانتظار خاصة وأن مرضه لا يتحمل أن ينتظر أكثر، فأخطره أحد الممرضين بأن صلاحيات تقديم التاريخ يمكن تغييرها، لكن بـ “الرشوة” ونصحه بألا يقوم هو بهذا الاجراء وإنما عبر أحد الممرض.
وأضاف متحدث “السفير 24” لقد قمت بما أوصاني به الممرض، وحصلت على المطلوب كل ما في الأمر هو أن “جيبك خصو يكون عامر وهنتا قاضي حاجتك وفوق السلك “.
بعض الأطباء والممرضون والقابلات في مستشفى محمد بوافي العمومي، ينتزعون إكراميات من المرضى لقاء خدمات يتقاضون عليها أجرا من جيوب دافعي الضرائب، في غياب تام للادارة التي من أولوياتها السهر على السير العادي لهذا المرفق الصحي، بعيدا عن كا أشكال الابتزاز.
وقال المصدر ذاته، إنه اضطر إلى تقديم مبلغ مالي للممرض الذي قام بعدها بكافة الإجراءات والتي تم بموجبها إجراء العملية خلال أسبوع بدلا من الانتظار ثلاثة أشهر، متقدما على غيره من المرضى في قائمة الانتظار. وأضاف أن “الرشوة” لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتوسع لتصل القائمين على النظافة وتقديم الخدمات داخل الغرف التي ينام فيها المرضى.
ولا تخضع غرف إقامة المرضى بهذا المستشفى الحكومي إلى شروط الصحة نتيجة الإهمال وغياب النظافة، حيث تتناثر فيها مخلفات الطعام والأدوية وتتجول فيها القطط، الأمر الذي يدفع المرضى الفقراء الى اخراج المال لكي يتم الاهتمام بهم، حيث أضحت الرشوة السبيل الوحيد لتلقي العلاج في بيئة صحية ونظيفة.
وتروي سيدة أخرى لـ “السفير 24” تجربتها في جناح التوليد بمستشفى محمد بوافي، خلال إجرائها عملية ولادة، حيث وجدت نفسها في غرفة قذرة تنبعث منها الروائح الكريهة مكتظة بالنساء لدرجة وجود مريضتين في سرير واحد، مما دفع بزوجها تحويلها إلى احدى الغرف الخاصة، رغم تمتعه بخدمة التأمين الصحي المجاني.
وأضافت أن زوجها واجه صعوبة في توفير غرفة نظيفة وغير مكتظة لها، حتى أرشده أحد أصدقائه إلى ضرورة تقديم “رشوة” إلى المشرفة عن الجناح، فدفع لها مبلغ مالي، حيث أصبحت في بيئة نظيفة وأصبحت تحضى باهتمام خاص.
وينتزع العاملون والممرضون والقابلات في هذه المؤسسة الصحية العمومية “رشوة” من المرضى لقاء خدمات يتقاضون عليها أجرا من الدولة، فتطالب القابلة بـ “البياض” وبشكل علني نظير إخطار الأهل بالمولود الجديد.
وتطالب عاملات النظافة في الغرف ب، ”الرشوة” مقابل عمليات التنظيف، كما يطالب حراس باب المستشفى بـ “الرشوة” للسماح بزيارة المرضى من قبل ذويهم، خاصة خلال الأوقات غير المخصصة للزيارة.
وفي حالة عدم تقديم “رشوة” يحصل المريض على خدمات طبية سيئة وبطيئة، كما يتعرض أهله وزواره إلى الطرد من الغرفة بداعي القيام بالنظافة.
ومن مظاهر الفساد المتفشية في مستشفى الملازم الأول محمد بوافي، تحويل وجهة المرضى من قبل بعض الأطباء إلى مصحات خاصة، من خلال التنسيق مع الممرضين والموظفين بتسجيل عدد محدود من المرضى للمقابلة بغرض الكشف الطبي والتشخيص في المستشفى، مما يدفع المرضى إلى مقابلة الأخصائيين وتقديم طلب التوجه إليهم في عيادات خاصة يشتغلون بها.
وللتصدي لعدوى الفساد في مستشفى محمد بوافي بالدار البيضاء، يتحتم على الحكومة اتخاذ التدابير اللازمة من خلال الاهتمام ببيئة العمل، وتحسين أجور العاملين بالقطاع الصحي للحد من “الرشوة” التي تنخر جيوب المرضى الفقراء، وحتى لا تدفعهم الحاجة إلى مثل هذا النوع من المعاملات الفاسدة في سبيل القيام بمهامهم ومسؤولياتهم الطبيعية، هذا فضلا عن تخصيص الميزانيات الكافية للقطاع الصحي الحكومي مقارنة بما تصرفه الدولة على قطاعات أخرى.