في الواجهةمجتمع

جيل “زد” بين الاحتجاج المشروع وخطر الانجرار وراء دعوات الفوضى

جيل "زد" بين الاحتجاج المشروع وخطر الانجرار وراء دعوات الفوضى

le patrice

السفير 24

تشهد الساحة الوطنية في الآونة الأخيرة زخماً من الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، كان محركها الأساسي فئة الشباب المنتمية إلى ما يصطلح عليه بـ”جيل زد” (Generation Z)، أي الذين وُلدوا مع بدايات الألفية الجديدة وتَشكّل وعيهم في ظل الانفتاح الرقمي وسرعة تدفق المعلومة. هذه الفئة، بما تحمله من طاقة ورغبة في التغيير، أصبحت اليوم في قلب الحراك الاجتماعي والسياسي ببلادنا.

لقد تضافرت عدة عوامل في تأجيج هذا الغضب الاجتماعي؛ فحادثة وفاة ثماني نساء حوامل بمستشفى أكادير، بكل ما حملته من مشاهد مأساوية وصدمات وجدانية، كشفت عن حجم الاختلالات البنيوية في قطاع الصحة، وأثارت موجة عارمة من التساؤلات حول نجاعة السياسات العمومية في ضمان الحق في العلاج.

كما جاء مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي ليُغذي هذا الغليان، إذ اعتبره الكثير من الطلبة والشباب مساساً بمبدأ تكافؤ الفرص ومحدداً جديداً لإعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية.

لكن المقلق في هذا المشهد هو انزلاق بعض التحركات من إطارها السلمي المشروع إلى سلوكات عدوانية، حيث سجلت اعتداءات على ممتلكات عامة وخاصة، وحتى على القوات العمومية التي لم تدخر جهداً في حماية الأفراد والممتلكات وضمان النظام العام.

هذه الانزلاقات تطرح علامات استفهام عميقة: من يحرض هؤلاء الشباب؟ ومن يدفعهم إلى خيار الفوضى بدل التعبير الحضاري؟ وكيف نفسر وجود أطفال قاصرين في الصفوف الأولى، يرددون شعارات معقدة عن الصحة والفساد لا تتناسب مع أعمارهم، ما يكشف بوضوح عن تدخل أيادٍ خفية تستغل براءة الطفولة لنقل رسائل سياسية ملغومة؟

إن جيل “زد” يتميز بقدرة هائلة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتحول الهواتف الذكية إلى منابر لتعبئة سريعة ونشر مضامين قد تحمل في طياتها تحريضاً أو تضخيماً للوقائع، دون المرور عبر التمحيص أو التثبت. وهنا تكمن خطورة “الوسيط الرقمي”، إذ يصبح أداة لتوجيه العواطف أكثر مما هو مجال لتنوير العقول.

وفي خضم هذه التحديات، يظل الدور الأبرز هو مسؤولية الدولة والحكومة في الإنصات والتفاعل، لكن أيضاً مسؤولية النخب والمجتمع في توعية الشباب بخطورة الانجرار وراء دعوات مجهولة المصدر. فالتاريخ أثبت أن الأوطان تُبنى بالحوار والاتزان لا بالعنف والفوضى.

إن المغرب، وهو يواجه هذه المرحلة الحساسة، بحاجة إلى شباب متزن يوازن بين الحماس والإدراك، بين النقد البنّاء والحفاظ على السلم والاستقرار. وعلى جيل “زد” أن يدرك أن احتجاجه حق مشروع، لكن خروج الأمور عن السلمية يفقد المطالب قوتها ويحوّلها إلى مجرد فوضى تُستغل ضد مصلحة الوطن.

هذا، وتبقى الرسالة واضحة، المغرب وطن الجميع، واستقراره مسؤولية جماعية، فلا إصلاح دون سلم اجتماعي، ولا ديمقراطية دون وعي شبابي راشد قادر على تحويل الغضب إلى قوة اقتراحية، لا إلى أداة في يد المجهولين.

إعلان gardenspacenouaceur

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى