
السفير 24 – بقلم: عزيز لعويسي
من ميناء طنجة المتوسطي الذي بات واحدا من أكبر الموانئ وأكثرها رواجا في العالم، إلى ميناء الناظور غرب المتوسط، وميناء الداخلة الأطلسي جوهرة الصحراء المغربية .. ومن إرساء بنيات صناعية وطنية، في صناعات حيوية واستراتيجية كالسيارات والطائرات، إلى المشاريع الوازنة المرتبطة بالطاقة الخضراء .. ومن البنيات التحتية الكبرى على مستوى الطرق السيارة والسكك الحديدية والسدود والمطارات، إلى الإشعاع الكروي العالمي ..، ومن الرهان على التنمية البشرية الشاملة، إلى بناء جيل جديد من البنيات الاستشفائية، الدافعة في اتجاه النهوض بواقع الصحة العمومية، وخدمة أهداف ومقاصد مشروع الحماية الاجتماعية..
ومن مبادرة إفريقيا الأطلسية، إلى مبادرة تمكين بلدان الساحل من منفذ على المحيط الأطلسي، ومن مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، إلى توطين واحد من أكبر حقول الطاقة الشمسية في العالم .. ومن التدبير الآني للفعل التنموي، إلى التفكير الاستراتيجي في المستقبل، عبر إحداث منصات خاصة بالمخزون والاحتياطات، تأسيسا لنموذج مغربي في تدبير المخاطر المرتبطة بالكوارث والأزمات الفجائية، في ظل سياق جيوسياسي إقليمي ودولي، موسوم بالقلق والتوتر والصراع.. و “من مرحلة تدبير قضية الوحدة الترابية للمملكة، إلى مرحلة التغيير داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف، والتحلي بالحزم والاستباقية” .. ومن الانخراط في شراكات اقتصادية وأمنية وعسكرية استراتيجية، إلى جعل الصحراء “تلك النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، وذاك “المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات” ..
مكاسب ونجاحات تنموية ودبلوماسية واستراتيجية متعددة الزوايــا، ما كان لها أن تتحقق على أرض الواقع، لولا وجود “ملك استراتيجي” خلفه فريق مساعد، من خيرة الرجالات والخبرات والكفاءات، يجمع بين الصمت والرصانة والحكمة والتبصر، والضربات “الناعمة” الموجعة لخصوم وأعداء الوطن، كما يجمع بين القدرة على الانخراط في علاقات دولية متوازنة ثنائية ومتعددة الأطراف، مبنية على مرتكزات الصداقة والسلام والتسامح، والتعاون والشراكة والمنافع المتبادلة وفق قاعدة “رابح” ..”رابح”، كان من ثمارها خدمة قضية الوحدة الترابية للمملكة، وتوسيع دائرة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، وبقوة ومصداقية مقترح الحكم الذاتي، ومنح زخم قوي لدبلوماسية القنصليات، ومن آثارها، تحول المغرب إلى وجهة جذابة للاستثمارات الخارجية، التي لن تكون إلا داعمة لما تتطلع إليه المملكة، من نهضة تنموية واقتصادية، ومن إشعاع إقليمي ودولي، يخدم القوة المغربية الناعمة، في محيط إقليمي، مطبوع بالكثير من التحديات، بعيدا كل البعد عن “الحساسية المفرطة” و”العنتريات” و”المناورات” الخفية والمعلنة، التي ظلت طيلة عقود من الزمن، عقيدة وشريعة لعالم آخر، يقوده عداؤه السرمدي، إلى حافة الإفلاس، في وقت تراهن فيه الدول العاقلة، على أدوات الصداقة وحسن الجوار والتعاون والمصالح المتبادلة؛
بالمقابل، وفي الوقت الذي يراهن فيه ملك البلاد، على المشاريع الوازنة والقضايا الاستراتيجية، التي من شأنها تقوية القدرات الذاتية وتحقيق إقلاع تنموي حقيقي، نجد وجوها وقيادات وزعامات حزبية وسياسية، منشغلة بالكلاشات في مواجهة بعضها البعض، وبإنتاج خطاب سياسي بئيس، لا يليق البتة، بمغرب لم يعد كمغرب الأمس، ولا بحجم الرهانات والتحديات المطروحة أمام البلاد، تسخر فيه بدون حرج أو حياء، الميكروبات والحمير والذئاب والكلاب …، في معارك سياسوية وانتخابوية ضيقة، تحكمها المصلحة والأنانية المفرطة، والبحث عن مكاسب السياسة ومنافعها ..
في الوقت الذي يجتهد فيه ملك البلاد، لإرساء وترسيخ لبنات شراكات استراتيجية مع قوى كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، ونسف ما تبقى من أطروحة الوهم والانفصال، والدفع في اتجاه الطي النهائي لملف الصحراء المغربية، نجد قيادات وزعامات حزبية، منشغلة بالكوفية ورفع شعارات عنترية، ضد الدولة ومصالحها الحيوية وثوابتها الجامعة، وبعضها لا يتردد في التنديد العلني باختيارات وتوجهات الدولة، والإساءة لرؤساء دول، تربطنا بها علاقات اقتصادية واستراتيجية، دون مراعاة المصلحة العليا للوطن، أو تقدير آثار الشعارات الهدامة والمواقف الراديكالية، على أمن واستقرار البلد، وعلى التماسك والسلم الاجتماعيين ..
في الوقت الذي يبني فيه ملك البلاد حاضر ومستقبل البلاد، هناك من يسعى إلى الهدم، سواء بسلوكه اللامسؤول، أو بإفساده للحياة السياسية، أو بإنتاجه لخطاب سياسي عبثي، أو ببحثه عن المصالح السياسوية الضيقة، أو بركوبه على موجة فلسطين و”خريف غزة” لمواجهة الدولة، في أفق تحقيق قفزة كبرى في الانتخابات القادمة، أو بإعلانه الولاء لغير الوطن، أو المساس بثوابت الأمة، أو بعدم تقديره ومراعاته، لطبيعة الرهانات والتحديات المطروحة أمام البلاد .. أو بخدمته لأجندات خارجية بقصد أو بدونه؛
مغرب القرويين أحد أقدم جامعات العالم، ومغرب القاضي عياض الذي قيل فيه “لولا عياض لما ذكر المغرب”، والمغرب الذي بسط نفوذه على أجزاء واسعة من الغرب الإسلامي، والمغرب الذي رسم ملحمة معركة وادي المخــازن، والمغرب الذي وقف سدا منيعا أمام المد العثماني في شمال إفريقيا، ومغرب الجغرافي البارز الشريف الإدريسي، ومغرب الرحالة الشهير ابن بطوطة، ومغرب النضال والتحرير، ومغرب الشرفاء والعلماء والصلحاء .. يستحق سياسيين حقيقيين، وقيادات وزعامات حزبية مسؤولة، منتجة لخطاب سياسي رصين، وصانعة لمشاريع وبرامج تنموية، مساهمة في كسب رهانات التنمية المأمولة، وقبل هذا وذاك، تكون دعما وسندا، للمسيرة الإصلاحية والتنموية الكبرى التي يقودها ملك البلاد، بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والرياضية والاستراتيجية، من باب الإسهام الفردي والجماعي في خدمة الوطن وصون الثوابت الجامعة ..
مغرب اليوم، يحتاج إلى المسؤول المواطن، الذي يخدم الصالح العام، بتضحية ونزاهة واستقامة ونكران ذات .. إلى من يعلن الولاء للوطن وثوابت الأمة، ولا يرتبط بأية أجندات خارجية .. إلى من يترك الحيوانات آمنة ومطمئنة، ولا يدفع بها في معترك سياسي قوامه “المصلحة” و”الأنانية” و”النفاق” .. إلى من يترك “الكلاشات” ويتخلى عن “التبرهيش السياسي”، إلى من يحترم المواطنات والمواطنين، إلى من يضع حدا لخطابه السياسي المشحون بالتحكم والعنترية والاستقــواء، ويحاول فرض توجهاته عنوة على المغاربة، إلى من يتبارى في ملعب السياسة بشرف ونزاهة وأخلاق ..
وفي المجمل، وبقدر ما نتأسف على المشهد السياسي القائم، وعلى ما وصل إليه الخطاب السياسي من بؤس وعقم، بقدر ما ننوه ونثمن، ما تحقق منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، من إصلاحات ومنجزات ومكاسب تنموية واقتصادية واستراتيجية، كرست إجماعا دوليا متزايدا حول مغربية الصحراء، وهيئت الشروط المثلى لتشكل وبروز قوة مغربية ناعمة، يمكنها خدمة ما تتطلع إليه إفريقيا والأفارقة من وحدة واستقرار وسلام ونماء وازدهـار، ونفتخر في كل ذلك، بملك استراتيجي، ما حققه المغرب في عهده، هو نتاج عمل استباقي وتوقعي يمتد لسنوات، حضرت فيه مصلحة الوطن ووحدة التراب وحاضر ومستقبل البلاد، نتمنى له، موفور الصحة والعافية، والنجاح والسداد، لما فيه خير لهذا الوطن العزيز، الذي بقدر ما نسكن فيه، بقدر ما يسكننا، ويتحملنا باختلافاتنا وشقاوتنا وتناقضاتنا وعنادنا … فعاش الوطن وعاش الملك، ولا عزاء للحاقدين والحاسدين والكوفيين والخائنين …