البرلمانسياسةفي الواجهة

كلمة رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي في اختتام ندوة العدالة الانتقالية

كلمة رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي في اختتام ندوة العدالة الانتقالية

le patrice

السفير 24

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد رئيس مجلس المستشارين،

السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان،

ضيوف المغرب الكرام،

السيدات والسادة، 

بعد يومين من المناقشات بشأن موضوع العدالة الانتقالية، سياقاتها، ونماذجها، وأهدافها، ومكانتها في مسارات الانتقالات الديمقراطية، ننهي اليوم أشغال هذه الندوة الدولية التي نتشرف بأنها كانت مكللة بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي أبى إلا أن يوجه إلى أشغالنا رسالة سامية، عميقة بمعانيها، ومتوجهة إلى المستقبل، وتفيض بالفخر لما حققته بلادنا من مصالحات تحت قيادة جلالته الحصيفة.

وفضلا عن الرعاية الملكية السامية، فإن ما يزيد من قيمة هذه الندوة هو أنها جمعت بين من كانوا في صلب اشتغال هيأة الإنصاف والمصالحة كممارسة مطبوعة بطابع مغربي، والهيئات الحقوقية الدولية والمغربية،والمشرعين أي البرلمانيين، والسلطة التنفيذية، والمجتمع المدني الوطني العامل في مجال حقوق الإنسان بمفهومها الواسع.

وما أحوجنا في عالم اليوم، وفي سياق ازدهار خطابات التعصب والانطواء والتوترات والأنانيات الوطنية أحيانا، إلى مثل هذه اللقاءات، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا هي من جوهر الإنسية، والضمير أي الحقوق بمعانيها وأجيالها المختلفة ؛ إذ الأمر يتعلق بقضايا توحد المؤمنين بالعيش المشترك والاختلاف.

وقد كنا سعداء، بأن نستقبل نخبا من مختلف القارات ومن جهات المغرب، ومن الهيئات الدولية. وكم سعدنا، بأن استقبلنا، هنا قامات إفريقية حقوقية
وفكرية وأدبية، ومن بينها كاتب إفريقي كبير حاصل على جائزة نوبل، الأستاذ 
Wole Soyinka أحد الرموز الكبرى للثقافة الإفريقية.

أعتذر إن كنت أشرت بالتحديد إلى إفريقيا، ليس فقط لأننا على أرض إفريقية أصيلة، ولكن أيضا لأننا نعرف معاناتها في السابق من الاستعمار ومن الظلم، ومعاناتها اليوم من نظام دولي غير عادل وغير منصف، وحيث يدفع الأفارقة ثمن الإرث الاستعماري، وثمن الاختلالات المناخية وجورالحكامة العالمية.  

السيدات والسادة،

كرئيس لمؤسسة تشريعيةّ، وكبرلماني لعدة ولايات، فإنني أعيش، وأَلْمس من موقع المسؤول والممارس، الديناميات الإصلاحية التشريعية العميقة التي كانت توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة في المغرب الحافز في اعتمادها، وأثر التشريعات التي تم سنُّها، تَمَثُّلاً لتوصيات الهيأة، وأساسا إٍعمالا للحق، وتحصينا لحاضر ومستقبل بلادنا، إذ إن إحداث الهيأة كما قال صاحب الجلالة “كان قرارا سياديا وإراديا”.

ليس العمق فقط هو ما طبع الإصلاحات التي اعتمدتها بلادنا، ولكن من سِماتها الأساس، الامتداد في مجالات وقضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، والشجاعة في قراءة الماضي، وتحويله إلى تاريخ حي يحفز على الوحدة، والجرأة في الإصلاح دون تردد، والثقة في الذي ننجزه.

هذا ما تُوِّجَ بدستور 2011 ذي الجوهر التحرري، الذي يكفل الحقوق في مختلف أبعادها، ويضع لها المؤسسات والمقتضيات القانونية التي تكفلها.

وينجز المغرب، ما هو بصدد إنجازه، دون قطائع حادة، وبناء على التراكم، وفي إطار التوافق. وتلكم من سِمات النموذج المؤسساتي والديمقراطي المغربي.

السيدات والسادة،

كما أكد على ذلك صاحب الجلالة، فإن ما حققه المغرب في مجال العدالة الانتقالية، هو من معالم التاريخ السياسي لبلادنا. وقد تجسدت فيها مرة أخرى الحكمة الملكية، وخصوصية المغرب وتميزه، تاريخًا ومؤسسات.

وتعكس الأوراش التي يرعاها صاحب الجلالة في مختلف المجالات، ذلك الحرص على إعطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان معناها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بأبعاد مجالية ومجتمعية.

لقد صار ما أنجزناه، إرثا وطنيا، وإنسانيا، ينبغي أن تحفظه الأجيال المقبلة. إنه من الرافعات التي ينبغي استثمارها لمزيد من التقدم، والاقتدار،والمستقبل ورفع التحديات التي تواجهنا، ومواصلة بلادنا أداء رسالتها التاريخية، كما كانت بلد سلم واستقبال وانفتاح.

إن هذا الرصيد، بقدر ما هو مصدر اعتزاز، بقدر ما ينبغي أن يشكل حافزا على مواجهة تحديات مغرب اليوم، وعالم اليوم، في سياق يتسم بتحولات عميقة ورهانات جديدة في مختلف المجالات.

ومن المؤكد أن مسؤوليتنا اليوم كفاعلين وكنخب الجد والاجتهاد من أجل ترسيخ المنجز الحقوقي والمؤسساتي، واستنهاض الطاقات لمواصلة معركة الجهاد الأكبر.

السيدات والسادة،

بالنظر إلى قيمة ما تقاسمتموه في هذه الندوة على مدى يومين، فإنه سيكون من المفيد، إضافته إلى رصيد الثقافة الحقوقية المغربية والعالمية بتدوينه وإصداره في الصيغة التي يمكن تقاسمه على أبعد نطاق، حفظا للذاكرة وإثراء النقاش العالمي حول مجال العدالة الانتقالية وآلياتها.

أشكركم على مساهمتكم وعلى إصغائكم.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى