وجود اسرائيل “دولة” صهيونية وعنصرية هل يستقيم مع مبادئ ميثاق الامم المتحدة
وجود اسرائيل "دولة" صهيونية وعنصرية هل يستقيم مع مبادئ ميثاق الامم المتحدة
السفير 24 – بقلم: ذ. محمد بادرة
عندما ينكشف الوجه العنصري للصهيونية
كانت الصهيونية العالمية والدول الاستعمارية الكبرى وراء الحركة التي دفعت غالبية الدول والحكومات في الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948 الى ان تؤيد قيام ما يسمى ب”الدولة اليهودية” على ارض فلسطين العربية وكانت المنظمة العالمية قد اقتنعت في ذلك الوقت بان اقامة دولة “لليهود” في ارض فلسطين قد ينهي الى غير رجعة الاضطهاد الذي كانوا يعانونه في روسيا واوربا وهذا يعني ان قرارها المؤيد لقيام “الدولة الإسرائيلية” وقبول هذه الاخيرة عضوا في المنظمة كان في “نظر” الامم المتحدة اجراء لصالح السلام العالمي لكن الاحداث التي استتبعت نكبة فلسطين 1948 وما تلاها من حروب التصفية والتهجير والتنكيل وابادة الشعب الفلسطيني وطرده من ارضه في يافا وحيفا وفي القدس والضفة وغزة وغيرها مباشرة بعد قيام “الدولة الإسرائيلية” اطاحت بهذا (الامل الاممي في السلام) حيث ان ما قام به المحتل الاسرائيلي من اعمال التهجير والتقتيل والابادة ضد السكان العرب الفلسطينيين في سبيل تحقيق الاهداف التوسعية للدولة الصهيونية وإخلاء الارض الفلسطينية من شعبها واعدادها لاستقبال النبت الغريب (الصهاينة) جسدت صورة الابارتايد لدولة الاحتلال وسياسة العنف الصهيوني باعتبارها (الاداة العملية لاستعادة “ارض الميعاد” وتحقيق رسالة “شعب الله المختار”). هذه الجرائم ضد الانسانية التي اقترفتها الالة الحربية والقمعية والتصفوية الاسرائيلية هي التي احدث تغييرا جذريا في موقف الامم المتحدة ازاء الصهيونية التي لم تعد في نظرها اداة للسلام وانما مجرد عقيدة قائمة على العنصرية والتمييز العنصري. وهكذا صدر قرار اممي في 10 نونبر 1975 تحت رقم 3379 وبتصويت (72دولة بنعم) مقابل (35 دولة بلا) و(امتناع 32عضوا عن التصويت) يحدد القرار “ان الصهيونية هي شكل من اشكال العنصرية والتمييز العنصري ” وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الايديولوجية الصهيونية التي حسب القرار تشكل خطرا على الامن والسلم العالميين لكن هذا القرار وبضغط من امريكا والدول الاوربية الغي في 16 دجنبر 1991 (بعد ان اشترطت اسرائيل مشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام في سنة 1991 بإلغاء القرار3379).
سيبقى هذا القرار الاممي تاريخيا وعادلا لان النظام العنصري الحاكم في اسرائيل يرتبط ارتباطا عضويا بأيديولوجية دينية تميز الشخصية اليهودية كجماعة اثنية ودينية متفوقة واخذت هذه المسالة (الصهيونية) في تلك الفترة اهتماما بالغا من طرف منظري الحركة الصهيونية كتابا وصحفيين وباحثين وسياسيين وعسكريين وحتى الاستخباراتيين:
فهذا (ابا ايبان) يتهم الامم المتحدة وقرارها التاريخي (3379) بانها على وشك ان تصبح مركزا عالميا لمعاداة السامية وكانه يريد القول ان لا فرق بين معاداة السامية وانكار “حق” اسرائيل في الوجود و” حق ” اليهود في ان يكونوا مواطنين داخل مجتمع واعتبر الصهيونية عبارة عن (احساس الشعب اليهودي باهله ووجهته في الارض التي ارتبطت باسمه بصورة ابدية).
ان تصرفات كل الحكومات الاسرائيلية من النكبة (1948) الى النكسة (1967) الى الابادة الحالية ازاء السكان الفلسطينيين والعرب تنطبق عليها المواصفات التي وضعتها اتفاقية جنيف الدولية لسياسة (الابارتايد) او(الفصل العنصري) اضافة الى ان “اسرائيل” تفتقر الى قانون مدني مستقل عن الدين مما يحرم كل من لا يدين بالديانة اليهودية من صفة المواطن غير ان هناك من المثقفين الاسرائيليين من يرى عكس ذلك و”اجتهد” بعضهم لتخليص الصهيونية من دلالاتها العنصرية كالكاتب (ايلي المالح) الذي اكد انه حدث تحريف للرسالة الصهيونية من خلال تلاعب سياسي في موازين القوى بين الطبقات الاجتماعية الاسرائيلية ودعا المثقفين والاعلاميين والطبقات الجديدة في اسرائيل (المؤمنين)ب “المثالية الصهيونية” الى ان يعودوا بالصهيونية الى مضمونها الاصلي والى رسالتها القومية “للشعب اليهودي” من خلال مفهوم ديموقراطي متعدد وليس راديكاليا للدولة ويقترح الكاتب (ايلي المالح) سريان قانون العودة على اليهودي والفلسطيني على السواء كما يرى (المالح) ان ما يمكن ان يوصف بالعنصرية هي تصرفات المسؤولين الاسرائيليين وليس الرسالة “الاخلاقية” لليهود ؟؟؟
(ناثان جليزر) مؤلف كتاب (اليهودية الامريكية) من جهته يرى انه يجب التمييز بين الصهيونية والعقيدة اليهودية بالرغم من وجود جذور عميقة بين الاثنين من خلال التوراة وكتب الصلاة اليهودية التي (تناشد الرب عودة صهيون) الا ان الصهيونية هي حركة سياسية انشاها اليهود المضطهدون في روسيا القيصرية للتخلص من معاداة الساميين في العالم وهي تؤمن بان الخلاص هو اقامة (امة يهودية) ولو على انقاض امة اخرى وهو ما ادى الى معارضة عدد من اليهود الحركة الصهيونية لأنها حرضتهم على النزوح من كل مكان مما يعني ان الحركة الصهيونية هي حركة سياسية تقوم على الغصب وابادة شعب اعزل.
وعلى عكس الكاتبان الصهيونيان السالفان الذكر هناك من بين الكتاب الاسرائيليين الذين فضحوا عنصرية الصهاينة ومنهم (اسرائيل شاهاق) الذي سبق ان قال انه مقتنع تماما بان “اسرائيل” دولة عنصرية حيث يعاني السكان العرب الذين يعيشون فيها من التمييز على نحو دائم وشرعي وفي اهم مجالات حياتهم اليومية.. لا لسبب الا لأصلهم ودينهم اما هذا التمييز العنصري فهو نابع عن الصهيونية كما تطبق اليوم في مختلف مؤسسات الحركة الصهيونية، ويعدد (اسرائيل شاهاق) مظاهر هذه السياسة الصهيونية في تطبيقها على السكان غير اليهود من قبيل:
– الحرمان من الاقامة او انشاء اي مؤسسة في مكان يختاره الفرد غير اليهودي.
– الحرمان من الارض بحجة انها قد (انقذت) وعادت الى ملاكها الاصليين اليهود مع عدم وضع حدود لهذا التوسع الصهيوني.
الحرمان من المساواة امام القانون.
ليصل الكاتب الى نتيجة انه يجب الاعتراف بان اسرائيل دولة عنصرية وان عنصريتها هي النتيجة الحتمية لعنصرية الحركة الصهيونية وبذلك يتساءل وبصيغة انكارية لماذا تدان العنصرية التي مورست ضد اليهود تم تصبح امرا مقبولا ولازما عندما يكون اليهود هم الذين يمارسونها !!!
ومنذ قيام ما يسمى بدولة “اسرائيل” الى الان استمر العمل في كل الحكومات الاسرائيلية بقانون القومية ويهودية الدولة والعقيدة الصهيونية وهو ما يعني منح الافضلية لليهود في كل مناحي الحياة في فلسطين التاريخية على حساب الوجود العربي الفلسطيني كما ان قانون القومية ويهودية الدولة بني على اساس فكرة عنصرية ومفاهيم دينية توراتية متطرفة تتعلق بتفسيرات حاخامات الصهيونية الدينية التي اصبحت اليوم مهيمنة على الخطاب وعلى فكر وثقافة المجتمع “الاسرائيلي”.
ان “اسرائيل” بإعلامها وحاخاماتها وساستها وقادتها يمارسون نظام فصل عنصري والتصريحات الاخيرة لبعض وزرائها تشكل ذخيرة دعائية من التصريحات العنصرية فوزير مالية الكيان الصهيوني (سموتريتش) دعا في الصيف الماضي لمحو قرية حوارة الفلسطينية ووزير الامن القومي (ايتمار بن غفير) قال ان حقه وحق زوجته واولاده داخل الضفة الغربية تسبق حق الفلسطينيين بها وهو ما دفع العديد من المراقبين الدوليين الى القول بان تصريحات (بن غفير) هي تصريحات عنصرية سافرة تعزز الموقف الذي يعتبر ان اسرائيل تدير نظام فصل عنصري.
ومن داخل الكيان الصهيوني تظهر اصوات تنتقد بشدة هذه السياسة العنصرية التي تتبعها الحكومة “الاسرائيلية” وخاصة من الكاتب والناشط السياسي اليهودي (ميكو بيليد) حفيد احد مؤسسي ما يسمى بإسرائيل يعترف ان اسرائيل دولة عنصرية منذ 75 عاما لكن اليوم خطابها اصبح اكثر صراحة وعلى لسان المسؤولين والوزراء والعسكريين وجزم ان (المجتمع الإسرائيلي اساسه ونظامه التعليمي عنصري والتغير يكون نحو اليمين المتطرف …والآن نرى الوزراء يقولون انه لا ابرياء في غزة…ويستمرون بالإبادة على حساب الفلسطينيين) ورأى (انها حالة وخيمة لدولة عنصرية تفوقية، وان الفلسطينيين لم يكن لديهم يوما جيش، ويتعرضون للفظائع والعالم يغض بصره ويؤيد اسرائيل …).
ورئيس الموساد السابق (تمير باردو) قال انه في منطقة جغرافية يعيش فيها شعبان يديران حياتهما وفق منظومتين قضائيتين مختلفتين وهذا يعني اننا نعيش في نظام فصل عنصري (ابرتهايد).
وتطرق باردو لتصريحات بن غفير العنصرية حول الحق بالحركة في الضفة على حساب الفلسطيني، وقال للإذاعة العبرية العامة في يوليوز الماضي ان نتانياهو فقد البوصلة بعدما ادخل عناصر متطرفة غيبية لحكومته وان بعض الوزراء يتطابقون مع وزراء عنصريين في العالم بل انه شبه هؤلاء الوزراء العنصريين بالتنظيم الارهابي الغربي (كوكلوكس كلان) المؤمن بتفوق البيض ويتبنون نظريات عرقية عنصرية وكراهية للأخرين.
هذه الشهادات المؤكدة لعنصرية العقيدة الصهيونية من داخل “المجتمع” الاسرائيلي احدثت فجوة كبيرة في الجدار السميك الذي اقامته “الدولة” الصهيونية وفضحت الاطروحة الايديولوجية للإسرائيليين الذين يمزجون بين المعاداة للسامية والمعاداة للصهيونية من اجل “شرعنة حق” اسرائيل في الدفاع عن نفسها من خلال ابادة الاخر بحجة انها (وطن قومي لليهود شعب الله المختار ).
ان الحركة الصهيونية بالأمس التي ادانتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من شهر نونبر 1975 هي نفسها الحركة الصهيونية التي تدعو للقتل العمد للفلسطينيين وتمنح الحصانة لعصابة المستوطنين وتدعم منظمات ارهابية يهودية لارتكاب جرائم بحق العرب الفلسطينيين وهو ما يجب ان يدفع من جديد هذه المنظمة الاممية وكل المنظمات الموازية الى تغيير موقفها ازاء الصهيونية و”الدولة الصهيونية” التي لم تعد اداة للسلام – ولم تكن قط حركة للسلام – وانما هي مجرد عقيدة قائمة على العنصرية والتمييز العنصري ولقد اصاب تمير باردو رغم انه من صناعة العقيدة الصهيونية حين ذهب في تلميح خطير بقوله انه لا يريد التطرق لأمثلة من سنوات الثلاثين في القرن الماضي في اشارة الى النازية؟؟؟
فهل يستقيم وجود دولة صهيونية عنصرية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمات الاممية الموازية ؟؟؟ وهل تستقيم مبادئ ميثاق الامم المتحدة مع قانون القومية ويهودية الدولة المبنية على اساس نظام الفصل العنصري بين اليهود والفلسطينيين ؟؟؟