في الواجهةكتاب السفير

رمضان في المغرب: التواصل والسلوكات الاجتماعية

le patrice

د. يسين العمري 

اقتضت المنهجية دوماً تقديم المفاهيم المراد تناولها لتوحيد الرؤية، و تفادي اللبس و الغموض، و من نافلة القول أنّ التواصل هو تمرير طرف هو المرسل رسالة ما (معلومة، خبر مشاعر … الخ) إلى طرف آخر هو المتلقي، إما شفويا أو كتابة أو عبر رموز أو تعبيرات أخرى قد تدخل ضمنها الحركات و الإيماءات، أما السلوك الاجتماعي فهو موجّه نحو المجتمع أو الذي يجري بين أفراد نفس المجتمع، من الحوادث الجارية في حياة الأفراد يومياً، والأنشطة التي يقوم بها فرد ما و يتفاعل من خلالها مع مجموعة أفراد آخرين.

و سواء التواصل أو السوكات الاجتماعية تجد لها وضعيات افتراضية عديدة في المجتمع، ممكن مثلاً الحديث عن تواصل بين الجنسين أو تواصل بين الأجيال أو تواصل بين أشخاص من طبقات اجتماعية مختلفة أو مستويات تعليمية متفاوتة أو متشابهة أو متقاربة، ب هذا يعطينا فكرة أنّ التواصل أمر غنيّ جداً، و كذلك الأمر بالنسبة للسلوكات الاجتماعية فهي تتفاوت من شخص إلى آخر باعتبار شخصيته و ثباته الانفعالي و نفسيته و ثقافته و تعليمه … الخ، بمعنى أنّ كلّ فرد يمثّل جزيرة مستقلة عن الآخرين، و لكنه يكوّن مع الآخرين مجتمعاً معيّناً يتشابه في أمور معينة مثل اللغة و العادات و ربّما الدين و الأزياء…. الخ.

و بعد هذه التوضيحات السابقة أطرح التساؤل التالي:

ما الذي يميّز التواصل بيننا كمغاربة في شهر رمضان الأبرك؟ و كيف تكون سلوكاتنا الاجتماعية كأفراد و كمجتمع؟

نبدأ بالتواصل في شكله الإيجابي، فهذا الأخير لدى المغاربة يبدأ بشكل مبكّر خلال رمضان من خلال تبادل التهاني بحلول الشهر الفضيل، و غالباً يكون عبر الرسائل القصيرة أو الواتساب و فايسبوك، و اللافت للنظر أنّ المغاربة باتوا يكتفون بصور أو فيديوهات تهنئة عوض كتابة كلمات شخصية من إبداعهم، و هذا مؤشر مقلق، فيما يخصّ القدرة على التعبير و الابتكار و الإبداع، أما تبادل التهاني مع المحيط المباشر يكون بالتهنئة المباشرة بالكلام و المصافحة و العناق، وهذه النهاني تستمر طيلة أيام رمضان لا سيما ليلة النصف و ليلة السابع والعشرين أي ليلة القدر و بنهاية رمضان وحلول عيد الفطر المبارك، و إذن، يمكن القول أنّ جزءاً هامّاً من التواصل بيننا كمغاربة خلال شهر رمضان يكون بغية تبادل التبريكات و التهاني.

طبعاً التواصل مع الله خلال الشهر الفضيل عبر الإكثار من الطاعات و التنافس فيها، يخلق أيضاً مجالاً للتواصل بين المغاربة، خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتبادلون مواقيت الصلوات، و الحِكَم الدينية و الأحاديث النبوية الشريفة و بعض مقاطع الفيديو المتضمّنة للمواعظ الخاصّة بالشهر الفضيل، و هذا بالنسبة للجنسين، و تزيد المغربيات عن المغاربة بتبادل الوصفات الخاصة بالطبخ، فمعروف أنّ شهر رمضان يعرف إقبالاً على أطباق مختلفة و متنوعة، و كذلك تبادل مختلف أنواع المقاطع و المقالات التي تتضمّن النصائح الطبية الخاصّة بالصوم أو بالوزن أو غيرها من الأمور التي تساير تغير النظام الغذائي خلال رمضان.

بعد رصد بعض تمظهرات التواصل بشكله الإيجابي بين المغاربة في شهر رمضان، أنتقل إلى رصد بعض مظاهر التواصل بشكلها السلبي، و أبدأها بما بات يعرف إعلامياً ببرامج رمضان في التلفزيون، حيث لا تجد عموماً القبول الكافي و الرضا اللازم لدى المغاربة، حيث دائماً ما يقولون عنها “حامضة” بمعنى أنها رديئة و لا تثير الإعجاب، أنتقل أيضاً إلى بعض المغاربة الذين تغلب لديهم العصبية في الشهر الفضيل إمّا بسبب الإقلاع عن التدخين في فترة الصوم أو لسبب آخر، وهو ما يعرف بظاهرة “الترمضين”، و الواقع أنّ هذا المشهد يجمع بين التواصل و السلوك الاجتماعي، حيث أنّ هؤلاء المترمضنين يميلون إلى العنف و التشاجر مع المواطنين.

أمّا السوكات الاجتماعية في المغرب خلال شهر رمضان، فتكثر بعض مظاهر التديّن من قبيل ارتياد المساجد، أو الصلاة في المنازل في ظرف وباء كوفيد، و الطموح إلى ختم القرآن الكريم، و إفطار الفقراء … إلى غيره من السلوكات الفردية و الجماعية التي تظهر لدى المغاربة خلال شهر رمضان بالذات، و من الناس من يكون سلوكهم هكذا طيلة السنة، و منهم من يكون هذا سلوكه فقط في رمضان، و بانقضاء رمضان ينقضي هذا السلوك.

أيضاً من المتعارف عليه في رمضان بالمغرب إقبال الشباب على الرياضة، سواء من خلال تنظيم دوريات رمضانية في كرة القدم أو الجري قبل أو بعد الإفطار أو غير ذلك، أما في الجانب الاقتصادي و التجاري فيكون إقبال المغاربة كبيراً على مختلف المأكولات التي تزيّن موائد المغاربة، لذلك فشهر رمضان شهر استهلاك و رواج بامتياز.

و يمكن كذلك رصد إقبال المغاربة على تتبّع بعض المسلسلات غالباً غير المغربية، و السهر أحياناً بشكل مفرط، رغم أنّ العديد منهم يشتغل، و هذا ينعكس على مردودهم في العمل، و هو للأمانة يتنافى مع فلسفة الإسلام في شهر رمضان، فالمسلمون الأوائل كانوا أكثر نشاطاً في رمضان، و ليس أكثر كسلاً، و يكفي القول مثلاً أنّ أكبر المعارك التي خاضها المسلمون كانت في رمضان مثل غزوة بدر الكبرى و فتح مكة و فتح الأندلس و معركة بلاط الشهداء و فتح عمورية و معركة عين جالوت و معركة حطين و حرب أكتوبر بسيناء سنة 1973، و انتفاضة مالابرم سنة 1980، وكلّها أحداث أظهر فيها المسلمون همّتهم وقمّة نشاطهم وحازوا مجداً تليداً وحقّقوا سؤدداً وهم صائمون، و بالتالي ضربوا لنا مثلاً عملياً على أنّ شهر رمضان شهر نشاط و عمل دؤوب و ليس شهر سهر و كسل و تراخي.

كما أنّ رمضان في المغرب يعرف نوعاً من الحضور الثقافي قبل الكوفيد، من خلال الأمسيات الثقافية و الفنية و الشعرية الليلية، كما يعرف الإقبال على المقاهي كما المساجد، و تبادل الزيارات العائلية، و كما سبق أن أشرت يعرف رمضان في المغرب بعض ملامح التآزر الاجتماعي و مساعدة المحتاج، و هو سلوك تقوم به الأفراد و الدولة و الهيئات الاجتماعية الناشطة من خلال توزيع ما يعرف بقفّة رمضان على الأرامل و المعوزين و اليتامي.

ختاماً كانت هذه محاولة لرصد بعد مظاهر التواصل و السلوكات الاجتماعية في بعديها السلبي و الإيجابي في المغرب خلال شهر رمضان المعظم.

* باحث في الدين والسياسة ومُكوّن متطوّع في الصحافة و التواصل

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى