في الواجهةكتاب السفير

المحمدية من “الزهور” إلى “الكلاب الضالة”

le patrice

* بقلم : عزيز لعويسي

بقدر ما تفاعلنا إيجابا مع خبـر الإفراج النهائي عن “قنطرة المصباحيات” بالمحمدية، والذي لم نتردد في تخصيصه بمقال نشر بعدد من المواقع والجرائد الإلكترونية الوطنية، اعتبارا للأهمية التنموية والإشعاعية والتواصلية والاستراتيجية للقنطرة بالنسبة للمدينة والجماعات التي تدور في فلكها، واعترافا وتثمينا بكل العقول والسواعد التي أخرجت حلم المشروع من عنق الزجاجة إلى الحقيقة التي انتظرتها ساكنة فضالة منذ ما يزيد عن العقد من السنـة، بقدر ما نجد أنفسنا اليوم، مجبرين مرة أخرى على مسك القلم للكتابة عن واقع حال المدينة التي عرفت ذات يوم بلقب “مدينة الزهور” في ظل ما باتت تعيشه من مشاهد الإقصاء والتهميش، بشكل يجعل منها مدينة البؤس بامتياز بعيدا عن مفردات الجاذبية والجمالية والإشعاع، أو بتعبير أدق “مدينة الكلاب الضالة” بامتيـاز”…

القادم إلى المحمدية عبر “قنطرة المصباحيات” أو “مدخل بني يخلف” سواء من السكان المقيمين أو الزائرين أو العابرين، وبدل أن يتنفس أريج زهور المحمدية، تستقبله الكلاب الضالة بالأحضان مثنى وثلاث ورباع …، في مشاهد بئيسة عاكسة للوجه الشاحب لمدينة لم تعد تحمل من الزهور سوى اللقب والذكريات الهاربة ونوستالجيا الزمن الجميل، بعدما باتت الكثير من زقاقاتها وطرقها ومداراتها وأحيائها تعيش تحت رحمة “الكلاب الضالة” التي بات حالها داخل المدينة كحال الصعاليك وقطاع الطرق الذين يعيثون في البلاد عبثا ورعبـا، فمن “الجوطية” إلى حي الحسنية، ومن حي النصر إلى حي الرشيدية ومن الشحاوطة إلى البرادعة، لايمكن المرور من حي أو زقاق أو شارع رئيسي أو مدارة طرقيـة، دون أن تتوقف عقارب الانتباه عند “الكلاب الضالة” التي باتت تتقاسم حركة المرور والسير والجولان مع مستعملي الطريق من الراجلين والسائقيـن، بكل ما يحمله ذلك من عرقلة وخوف ورعب وقلق …

حضور الكلاب الضالة في شوارع مدينة الزهور (سابقا) خاصة بشارعي المقاومة والرياض وما يرتبط بهما من مدارات طرقية، هو حلقة من حلقات مسلسل الأزمة المتعددة الزوايا التي تعيشها المدينة منذ سنوات، فمن الباعة المتجولين إلى باعة الرصيف والأسواق العشوائية، ومن العربات المجرورة إلى الحمير والبغال والمواشي، ومن حضور دور الصفيح إلى تواضع المشهد البيئي والجمالي، ومن ضعف البنيات الطرقية التي شاخت بسبب الإهمال الشامل (نموذج شوارع المقاومة والرياض وسبتة) إلى بـؤس الإنارة العمومية وانعدام جاذبيتها، كلها مشاهد من ضمن أخرى، تبرز حجم ما وصلت إليه المحمدية من تراجع يقوي الإحسـاس بالحسرة على زمن ولى وراح استطاعت من خلاله المدينة أن تنتزع لقب “مدينة الزهور”…

قد نتقبل حضور الكلاب الضالة والعربات المجرورة والدواب والمواشي في قرية، وقد نتفهم وجود بؤس البنيات الطرقية ومحدودية الخدمات العمومية في المدن الصغيرة والمجالات الريفية، لكن يصعب القبول بمشاهد من هذا القبيل، في مدينة تعد امتدادا مجاليا حضريا للدارالبيضاء الكبرى، واعتبارا لما تتمتع به من مؤهلات صناعية وتجارية وطبيعية (غابات، بحر)، وما تنفرد به من موقع استراتيجي متميز يجعلها حلقة وصل بين العاصمة الاقتصادية والعاصمة الإدارية وما يدور في فلكهما من مجالات (بوزنيقة، بن سليمان، المنصورية، عين عتيق، تامسنا، الصخيرات، تمارة …).

ونحن نعري عن سوءة واقع المحمدية، ليس بالضرورة أن نلبس بذلة المحامي للدفاع عن هذه الجهة أو تلك، أو نتقمص دور القاضي لتوزيـع صكوك الادانة والاتهام بشكل مجاني، لأن المسؤوليات واضحة وضوح الشمس وطريقها سليمة لاتحتاج إلى تعبيد أو تزفيت، ونأمل أن تتحرك روح المواطنة في كل من يتحمل مسؤولية تدبير شأن المدينة، وأن تحضر “الغيرة” في نفـوس كل من يتقاسم حب وأنفاس وهوى المحمدية، من أجل التحرك “المواطن” و”المسؤول” لتحرير المدينة من كل مشاهد البؤس والتواضع والانحطاط.

وعلى رأسها “الكلاب الضالة” لما تشكله من مخاطر صحية خاصة ونحن في زمن الجائحة، ومن تهديدات مباشرة للساكنة خاصة الأطفال/التلاميذ ومن عرقلة لحركة السير والجولان، وتخليص الشوارع والمدارات الطرقية من كل صور البؤس عبر استعجال إخضاعها لتهيئة شاملة تتحقق معها غايات الجمالية ومقاصد الإشعاع (الأغراس، الترصيف، التشوير الأرضي (الصباغة)، النظافة، العناية بمداخل المدينة (شارع: الرياض وسبتة)، تأهيل المحاور الطرقية المؤدية إلى القنطرة (المصباحيات) التي باتت واجهة المحمدية، النهوض بجمالية المدارات الطرقية، تهيئة شاملة لشارع “الرياض” بعدما بات المدخل الرئيس للمحمدية عبر المصباحيات، والانتباه إلى ما بات يعرفه الشارع من مشكلات مرورية منذ الفتح الرسمي للقنطرة … ) وحسن العناية والاهتمام بالجانب البيئي (التشجير، تهيئة الكورنيش، تهيئة المحيط الغابوي المشرف على قنطرة المصباحيات، تأهيل الفضاءات الخضراء … ) وتوسيع دائرة فضاءات وملاعب القرب، وإيجاد حلول ناجعة وعملية للباعة المتجولين، لما للظاهرة من تأثيرات على الجوانب البيئة والجمالية، ومن مساس بالملك العام وتشويش على صورة المشهد الحضري … إلخ.

هكذا إذن هي المحمدية وهكذا تبدو لنا صورتها بعد أن استقر بنا المقام بترابها وبين أحضانها الدافئة منذ قرابة العقدين من الزمن، وهي مدة زمنيـة ليست بالهينة، كانت كافيــة لنمد جسور العشق ونوثق صلات الإعجاب بيننا وبين مدينــة وصفت ذات يوم بمدينــة الزهـور، لكن “زهور المحمدية” أو “زهور فضالـة” ذبلت وتراجعت إلى الخلف في صمت، وكأنها تعبـر عن موقف الإدانـة والاحتجاج جراء ما وصلت إليه المدينة من تراجع وبــؤس وتقهقر في جميع المستويات، في “مناخ إداري وتدبيري” علا ويعلو فيــه صوت الأنانية المفرطة وتقاطع المصالح والعناد والصراعات الخفية والمعلنة، بعيدا عن رحاب المواطنة الحقة والغيرة واستحضار الصالح العام والمسؤولية والمحاسبة.

وعليه، فإذا هدرنا اليوم جانبا من الزمن واستنزفنا قسطا من الطاقة للكتابة عن المحمديـة كما نراها وكما نتمناها، فليــس ذلك من باب الترف الإبداعي ولا من زاويـة توجيه الأصابـع لجهة دون أخرى، لأننا مجرديــن من أي انتماء سياسي حزبي أو إعلامي من شانـه أن يكبح جماح القلم ويرسم لأفكارنا خطا تحريريـا “متحكما فيــه” مشكوكا في مصداقيته وموضوعيته، لذلك فكل ما ورد في هذا المقال من رؤى وأفكار واقتراحات، هو نابع مما نــراه كل يوم من مشاهد غارقة في البـؤس والعبث، حركت وتحـرك في ذاتنا الرغبة في الإدانة والاحتجاج ضد كل تصرف أو ممارسة غير مسؤولة تجعل المدينة رهينــة التواضع وأسيرة التقهقر الحضري، ولن نجد طريقة أو أسلوبا لإسماع الصوت وإيصال هموم الساكنة لمن يهمه الأمـر، إلا بالمرور عبر “قنطرة الكتابة”، لعل وعسـى تستطيع حروف وكلمات وسطور هذا المقال، أن “توقض الضمير النائم” و”تحرك الغيـرة الغائبــة” و”تزحزح المسؤولية الهامدة”، من أجل إعادة الاعتبـار لمدينة لم يعد واقعها يسر الناظرين من مقيمين وزائرين وعابرين.

وعليه، وعلى بعد أشهر قليلة من الانتخابات، نتمنى أن يتم تدارك الوضع، باستعجال إصلاح ما يمكن إصلاحه وتصحيح ما يمكن تصحيحه لحفظ ماء الوجه، من أجل مدينــة سئمت العبث والعناد وضاقت ذرعا من الترقب والانتظار، وإلا ما قيمة السياسة ؟ وما جدوى الأحزاب والحملات الانتخابية المسعورة ؟ وما الغاية من المؤسسات المنتخبة ؟ ما لم تكن آليات مساهمة في الدفع بعجلة التنميـة والارتقـاء بمستوى عيـش الإنسـان …

وخير ما نختم به، نأمل تكون الجماعات الترابية بكل مستوياتها عبر التراب الوطني، في مستوى الأوراش الإصلاحية والتنمويـة الكبرى التي يقودها برصانة وتبصر جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وعلى رأسها مشروع تعميم “الحماية الاجتماعية” الذي يعد “ثورة ملكية اجتماعية ناعمة” من شأنها الارتقاء بمستوى عيش المغاربة وصون كرامتهم، و”النموذج التنموي المرتقب”، وهي أوراش تنمويـة وغيرها، لايمكن قطعا كسب رهاناتها الآنيـة والمستقبلية، إلا بالتعبئة الفردية والجماعية واستحضار المصالح العليا للوطن، وما تفرضه “المسؤوليات” من قيم وطنية حقـة، بدونها لايمكن المرور إلى مرحلة “المسؤولية” و”الإقلاع الشامل” … وإذا كتبنا من أجل المحمدية، فنحن نكتب من أجل محاصرة العبث والارتجال والإهمال .. نكتب من أجل الرقي والجاذبية والجمال والإشعاع .. نكتب من أجل الوطن الذي نتمناه سراجا منيـرا على الدوام، وواحة أمن وسلام ونماء، مهما عبث العابثون وكره الكارهون وتربص المتربصون …

[email protected]

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى