في الواجهةكتاب السفير

تكناوي يكتب : التعليم المدرسي الخصوصي بالمغرب وجائحة كورونا…لا حياة لمن تنادي

le patrice

* محمد تكناوي

في تاريخ الامم والشعوب وحياة عموم الناس لحظات فارقة عما كان قبلها، ويكون لها ما بعدها من شؤون وتبعات؛ كما يقول المفكر النمساوي ستيفان سفايج في كتابه الموسوم ب ” اللحظات الحاسمة في التاريخ “.

والشعب المغربي مثل باقي الشعوب والامم عاش لحظات جائحة كورونا، التي شكلت بالفعل لحظات فارقة وحاسمة ليس فقط على مدى جسامة الحدث انسانيا وما خلفه من ضحايا وأضرار، ولكن ايضا بما ترتب عليها من تحولات كبرى لامست كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية، هي لحظات عاشها وعايشها ايضا عموم الناس الذين واجهوا مفارقات مؤلمة غير مسبوقة من حظر الحركة وفرض اجراءات التباعد الاجتماعي وغيرها.

هذه اللحظات الفارقة بقدر ما كشفت عن الجانب المشرق لدى الكثير من الهيئات والقطاعات التي ابانت عن روح المواطنة واستعدادها للتضحية، اماطت اللثام عن هيئات اخرى وابانت عن اقسى اوجه جشعها وتغولها، بل و اتاحت مختبرا لتمحيص كثير من الا دعاءات المؤطرة لواقعها خاصة على مستوى مرتكزات تدبيرها للحظة حالة الطوارئ الصحية ومقاربتها الاستفرادية ، و الكلام هنا ينسحب على العديد من مؤسسات التعليم الخصوصي بالمغرب.

جائحة كورونا جسدت لحظات اخفاق لعدد من هذه المؤسسات التي لم تستطع أن تبقى في منجاة عن الطابع التجاري سلوكا ونظاما، فضاضة وسطوة وتطاول وتوغل وتبديد وهدر لفرص التقرب والتشابك مع انتظارات وتطلعات المواطنين والأسر، والتأسيس لوعي نوعي يمكن ان يسهم في تأصيل لواقع تعليم خصوصي جديد بحس وطني رفيع.

فمن رحم المواقف العصيبة للجائحة والتي شهد الجميع بقساوتها، كانت الجمعيات الممثلة للتعليم الخصوصي اول المهرولين الى مراسلة رئيس الحكومة للاستفادة من صندوق تدبير جائحة كورونا، بل ولجأت بعدها إلى انتهاج اساليب تدليسية واحتيالية حسب تعبير وزير التشغيل والادماج المهني للحصول على تعويض 2000 درهم من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي .

المحظور الذي وقعت فيه هذه المؤسسات امتد الى محاولة اجبار الاسر على اداء واجبات التمدرس خلال الفترة التي توقفت فيها الدراسة بسبب الحجر الصحي رغم ان التلاميذ لم يستفيدوا من كل الخدمات المنصوص عليها في العقد الذي يجمعهم بها، بل وأن بعضها توجه الى القضاء لاستخلاصها.

امام هذه الممارسات التي لم يطاوعها المجتمع المغربي والتي دفعت بالتوتر بين المدارس الخاصة والأسر الى مسالك وانفاق لا قرار لها، وجب على الدولة التدخل لاجتثاث الممانعة بهذا القطاع، ووضع اليد بجرأة وشجاعة على الاختلالات التي عرفها تدبير مسار جائحة كورونا من طرف هذه مؤسسات، بل واعادة النظر في هذا القطاع برمته، ومواجهة الحقائق والوقائع التي ابانت عنها تداعيات هذه الجائحة بما يستلزم من اساليب المكاشفة باعتبار التعليم المدرسي الخصوصي هو مقاولة مواطنة فوضت تقديم خدمة التعليم مقابل رسوم لها معقولية ومصداقية وليس المتاجرة بها، و ليس أيضا مجالا للإثراء الفاحش، وللجم ممارسة دواليب الهيئات المسيرة له من مقامري الفرص الخدماتية باستغلال حاجة المواطنين للتربية والتعليم، ووقف طغيان الحس الربحي والتحصيل الهيستري.

والكلمة التي لابد من قولها في خاتمة هاته السطور أن المغرب سيعرف لا محالة تحولات لما بعد مرحلة كورونا ستفرض طرح العديد من الاستفهامات حول التصورات العامة المستهدفة خلال المرحلة الجديدة القادمة والتي ينبغي على قطاع التعليم مواكبتها والاسهام في بلورة مضامينها وتعميق المرتكزات الكبرى حولها، والتعليم المدرسي الخصوصي ليس بمنأى عنها باعتباره مكونا اساسيا من مكونات المنظومة التربوية والتكوينية ودون خوض في مزايدات ينتظر الشعب المغربي من التعليم الخصوصي بالدرجة الاولى ان تنسحب عليه مسوح الوطنية وقواعد العقلنة و أسس التضامن والتكافل لتدشين مرحلة جديدة في التعامل والتواصل بينه وبين الاسر تعطي الامل وتعيد الثقة التي بددتها تداعيات تدبير جائحة كورونا.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى