تصبحون على وطن من جنسية ومن جواز أحمر
السفير 24 | طارق شهير
بعد “فاجعة زناتة” التي قضى خلالها عشرات الشباب غرقا –أواخر شهر شتنبر المنصرم- أثناء محاولتهم عبور الضفة الأخرى على متن قارب مطاطي، لم يتورع عدد كبير من المغاربة لا سيما الشبان منهم، عن الاستمرار في المحاولة لمغادرة الوطن وبلوغ الديار الأوروبية؛ ففي غضون شهر أكتوبر الجاري –نقلا عن منابر صحفية- أوقفت مصالح الدرك البحري زورقا بنواحي كلميم كان ينقل حوالي 12 مرشحا للهجرة متجهين نحو لاس بالماس، وبشاطئ سيدي عابد إقليم الجديدة تمكنت عناصر من الدرك يومه 17 أكتوبر من إنقاذ 19 شابا تعطل بهم قارب وسط موج البحر قبل إحالتهم على النيابة العامة. وفي 21 من الشهر نفسه أحبط الدرك البحري بالسعيدية محاولتين للهجرة غير المشروعة بعد توقيف قرابة 43 شخصا كانوا على متن يخت صغير تجاه أوروبا. وبعد يوم واحد أوقفت سلطات الدرك بنواحي أكادير شخصين نتيجة تورطهما في محاولة تنظيم رحلة في إطار الهجرة السرية، بعد اعتراف ضحاياهما بتقديم مبالغ مالية في سبيل الهروب إلى أوروبا.
وسواء اتفقت أم اختلفت مع هذه الفئة إزاء الطريقة التي تسلكها لمغادرة الوطن بحثا عن ملاذ يصون كرامتها ويحفظ عيشها بعد أن ضاقت بها السبل، فإن الدوافع وراء إقدامها على مغامرة محفوفة بالمخاطر تظل قريبة من المنطق وجديرة بالتتبع؛ وإن كان الإعلام عادة ما يتخذها مادة دسمة للدعاية، بل أحيانا يتحامل عليها عبر استضافة محللين في علم النفس أو الاجتماع أو السياسة لتقديمها في صورة أقل وطنية أو منعدمة الشعور القومي،علما أن هذه الفئة نفسها هي التي تحلم بالعودة إلى الوطن وتساهم في تنمية اقتصاده وتحرص على التمسك بروابطه، من غير أن تتخلى عن جنسيتها أو تطالب بإسقاطها كما حدث مع بعض المهاجرين المغاربة بهولندا الذين طالبوا- قبل شهر- حكومة الأراضي المنخفضة عبر رسالة موجهة إلى الفرق البرلمانية بمناقشة إسقاط الجنسية المغربية عنهم والإبقاء على الهولندية فقط، بدعوى أنها فرضت عليهم بقوة القانون المغربي، وهو الأمر الذي يحيل هنا على دوافع سياسية كما أكد ذلك أستاذ القانون الدستوري “رشيد الأزرق” -لأحد المنابر الإعلامية – في تفسيره لهذا الموقف، خاصة أن المعنيين بالأمر ينحدرون من أصول ريفية.
وبعيدا عن الدوافع السياسية و الاجتماعية فإن ثمة فئة أخرى لم يشفع لها رغد العيش الذي أغدقه عليها الوطن في الإقدام على “الهجرة المسبقة”؛ يتعلق الأمر هنا بنموذج الفنانة المغربية “سلمى رشيد” التي ما تلبث أن تتغنى بالوطن وتلتحف برايته فوق المنصات الفنية، لتضيق عليها –فجأة- مصحات ومستشفيات المملكة المغربية بما رحبت وتقرر الهرولة إلى ولاية بوسطن الأمريكية في اواخر غشت 2019 لتضع مولودها هناك، فتكون بذلك قد حققت السبق في الهجرة إلى أمريكا بضمان الجنسية لرضيعها في المهد، بعيدا عن رقابة الآلة الإعلامية وصخب الجماهير المغربية.
إن سلمى رشيد- على غرار مجموعة من النخب السياسية والثقافية والرياضية -من حقها أن تختار الجنسية الأمريكية لمستقبل أبنائها كما هو شأن حوالي300 ألف مغربي الذين يشاركون في قرعة “الحلم الأمريكي” سنويا –حسب إحصائيات وزارة الخارجية الأمريكية- لكن سيصبح من السخرية بما كان أن تصدح هذه الفنانة –بعد اليوم – بحبها الجم للوطن الأم وتلتف بعلمه الأحمر احتراما –على الأقل- لذكاء جمهورها.
هذه الرغبة الجامحة في الهجرة إلى الدول الأوروبية والأمريكية ومحاولة الظفر بجنسيتها،التي باتت هدفا مشتركا بين مختلف فئات المجتمع المغربي “المعوزة، والمتوسطة، والميسورة” سواء عبر القوارب المطاطية أو الهجرة الشرعية أو الحرص على الإنجاب ببلد المهجر، أو المطالبة بإسقاط الجنسية؛ لابد أن تدفع مثقفي هذا البلد ومسؤوليه إلى التفكير بجدية في كيفية التصالح مع هذا الوطن ،بعيدا عن الشعارات الفضفاضة والآليات الزجرية مثل ما صدر عن مدير مؤسسة تعليمية الذي دفعته الغيرة الوطنية –على حد تصرفه- إلى محاولة الزج بتلميذ في السجن بدعوى أنه أساء للنشيد الوطني، قبل أن يخيب وكيل الملك أمله ويقضي بحفظ القضية وإخلاء سبيل الحدث/التلميذ، أو كما فعل زميله حين أدت به الحمية إلى توجيه استفسار لأستاذ بالمؤسسة التي يديرها بحجة أنه كان منشغلا بالضحك والحديث أثناء رفع النشيد الوطني، ليفاجئه برد من جنس عمله، كون السيد المدير كان منشغلا بدوره عن النشيد بمتابعة تصرفات الأساتذة.
أصبح من الضروري إذن، تجاوز هذه المزايدات الضيقة لوضع اليد على الجرح والتنقيب عن الأسباب الحقيقة وراء ضعف الانتماء الوطني، والعمل على معالجتها بطرق فعالة وملموسة، عبر دراسات ميدانية شفافة وموضوعية تهدف غرس قيم المواطنة، إلى أن يحدث ذلك، وتتحقق بالملموس مقولة السيد رئيس الحكومة “سعد الدين العثماني” التي أدلى بها في جلسة مساءلة برلمانية: (إن مغاربة العالم يحرصون على العودة إلى الاستقرار في وطنهم)، لا يسعنا إلا أن نشارك هذه الفئات حلمها ونردد: “تصبحون على وطن” لكن ليس”من سحاب ومن شجر” كما أنشد الشاعر محمود درويش بل –هذه المرة- من جنسية ومن جواز أحمر.