في الواجهةمجتمع

“السفير 24 ” تلتقي مشعوذين وتكشف عن أسرار مهنة تكاد تكون الأقدم في التاريخ

le patrice

السفير 24 – روبورطاج: هشام.ض – سلمى. و

طاعون الشعوذة يخترق العقول والنفوس

«شعر الفار اليتيم» وشارب الجرد المطلق» و “القنفذ الأصلع” “وبومة حاجبة” “الساكتة والمسكوتة”، هي أمور تقترن بعالم السحر والشعوذة، يستعملها بعض المشعوذين المغاربة لقضاء مآرب زبنائهم المتعطشين لكلمة تهدئ أعصابهم، أو حل مشكلة استعصى عليهم فك شفرتها أو لصرع الجن أو للزواج والمحبة بين الزوجين.. تختلف الشرائح الاجتماعية التي تقصد «فقيه» أو «شوافة» داع صيتهما على ألسنة من زاروهما “وتقضى غراضهم” بين فئة كادحة متخلفة، يسود فيها الجهل، والاعتقاد بالأرواح أنها هي المتحكمة في مصيرها، وبين فئة متعلمة جدا، تسلك درب الشعوذة، بعد أن صرمت حبل الطب المتقدم وتيقنت أنه لا جدوى منه.

فقيه الحومة

“إلهام. ن ” (27) موظفة بقطاع عمومي، أول حالة إلتقت بها “السفير 24” على مشارف باب “فقيه الصحراوي” بالمدينة القديمة بالبيضاء، ذكرت أنها لا تجد حرجا في الذهاب عند “فقيه الحومة”، من أجل أن يصف لها وصفة مكونة من الأعشاب، أو البخور، التي تريح النفس بعد استنشاقها لها، موضحة بعد أن قرصت على شفتها السفلى، وسحبت سحابة حقيبتها الجلدية.. ” أنا امرأة مريضة بالفشل الكلوي”، جربت كل الطرق والأدوية الطبية والفحوصات بالأشعة في أكبر مستشفيات البلاد، لكن والو.

نصحوني شي عيالات نجي عند هاد الفقيه رآه كايجيب الله على يدو الشفاء» مستطردة كلامها بوجه شاحب الإرهاق.

وعلامة مرسومه المعايير على جفونها.. «عطاني واحد العشبة سميتها هراس الحجر والزبيب اليمني وشي زريعة صحراوية نشربها ، مع أتاي..واليوم أنا جاية عندو باش نشوف آش غادي يقول نديروعاود ثاني”.

وكيف تجدين حالتك الصحية قبل وبعد زيارتك للفقيه هذا؟ تستفسر «السفير 24″ ، إلهام، مجيبة بعد أن هرشت بظفرها حاجبها الأيسر قائلة «في الحقيقة لافرق .. فقط أحاول عدم قطع حبل التفاؤل، والتمسك ببارقة أمل العيش والشفاء.. وفعل أي شيء بغية البقاء على قيد الحياة».

الرغبة في العيش، ومصارعة تيار المرض بلا أدرع، والسعي بين صفا الأطباء ومروة «الفقهاء» هي الحالة الإجمالية لإلهام المتخبطة ذات اليمين وذات الشمال في فلك الهلاك والأحياء.

شاهد على العصر

يجمع العديد من الناس حول أن المشعوذين هم كفرة وزنادقة وقاطعين يديهم من رحمة الله» ويلعبون على الوضع والكذب في الأحاديث النبوية مثل قولهم «قال رسول الله (ص) جلد النمر وريش النعام فيهما دواء للأبرص أو الأبهق» مؤثرين بذلك على عقول السذج والواهمين من الذين يرتادونهم، إضافة إلى ممارسة أفعال «الشياطنية» كالتوضؤ ب(البول) وكتابة وقراءة السور القرآنية بطريقة مقلوبة، والاستحمام بدماء حيوان الضبي الصحراوي، بغية “مخاوة” أو السيطرة على جن أو شيطان.. أمور قادت «السفير 24″، لإستكشاف أعمال أحد المشعوذين عن كثب بدوار الكدية بمدينة مراكش” ل.س” (56 سنة) أسر لنا بعد مد وزجر من الحديث معه،

مشترطا عدم ذكر اسمه، أنه دخل إلى كهنوت الشعودة واتخادها مهنة له، يدر من خلالها أموالا تعد بالملايين، منذ أن كان يدرس بمسجد عتيق، نواحي تارودانت، بعدها حصل بمعية بعض أبناء جلدته على كتب مشرقية، من جهات لم يفصح عن مصدرها من قبيل “السنان بين الإنس والجان” لي السيوطي وكتب الدمياطي لاستخراج الكنوز من باطن الأرض، فتعلموا كيفية كشف “الخط الزناتي” واللعب ب التراجم والطلاسيم” وقراءة الأكف والفناجين، مستفيضا في سرد سيرة حياته “الشعوذية” بعد أن جلس على فروة أضحية العيد، ضاما رجليه إلى خصره، وناثرا بعض البخور على جميرات مجمره الملفوف بسلك من نحاس رفيع، متحدثا “كثير من الناس يرون أن الفقيه هو مجرد نصاب ومحتال على عقول وجيوب زبنائه، وهذا صحيح، ما دمنا نشهده اليوم، لي حافظ جوج ديال الحروف من عند شي طالب بغي يولي يفك السحور ولا يركبو” مستطردا كلامه “هاد الحرفة راه عندها القواعد ديالها وليس مجرد قوالب”.

بحالاش هاد “القوالب” تسأل “السفير 24” “ل.س” مجيبا بصوت مرتجف ينم عن عدم رغبته في ذكر تلك الطرق الخادعة، لكنه قال ” مثل تدواب الشمع فالغطا ديال الطاجين مع بعض خصلات ديال شعر، وهذه الطريقة يقوم بها أغلب “السحارة” لتبطيل مفعول السحر، إذ يخيل للمرء أن سحره يذوب ويختفي من بذنه، كما هو الحال في الغطا ديال الطاجين..ثم هناك طريقة أخرى تتمثل في تذريب قطعة من الرصاص في إناء معذني وغطسه في دلو ماء بارد، كي يتجمد، وبعد ذلك يتم قراءة الطالع من خلال التأمل في قطعة الرصاص، التي تحولت إلى “لدون” وهذه العملية ملتصقة أكثر ب “الشوافات” موالين الفال.

زبناء من كل فج عميق

يتعدد زبناء ” ل.س” من أناس فقراء وأصحاب المال والجاه، من مختلف المدن المغربية وكذا الدولية منها، يقصدونه على نحو التبرك به، ووصف لهم وصفة سحرية تتكون أغلب مقاديرها من بخور أو جلد أو ريش أو أطراف حبوانات مثل الضبع والهدهد والبوم.. إضافة إلى ثمائم وحروز ثقيهم من سهام العين والحسد.

يتقاضى أجرا يدعى ب “الفتوح” يقدر مابين 10 دراهم إلى ما فوق 14 مليون سنتيم، كل حسب “غراضو” فقبل حوالي شهرين، زاره رجل خليجي، طالبا منه أن يصطحبه هو وفقيه سوسي آخر، إلى دولة الكويت بغية صرع امرأة من الجن، في محافظة الجهراء، يكشف “ل.س” الأخير طلب منه 10 ملايين كعربون ومسائل السفر من تأشيرة وتذكرة الطائرة، وأن يكونا جاهزين، كي يذهبا إلى هناك، مردفا كلامه في ضحكة ما فتئت أن فارقت فكه العلوي، وهو يتناول كتابا أكل الدهر عنه وشرب، من على كرسي محاذي ل “هيدورة جلوسه” “هاد الخليجيين ماكايعرفو فالمغاربة غير أنهن كيصرعو الجن وحتى بنادم”.

مولات الكارطة

غير بعيد عن دوار الكدية بمراكش، اتجهت “السفير 24” إلى جامع الفنا، مكان الإستجمام والثراث الثقافي الشعبي، والضحك والفرجة، وكذلك قراءة الطالع وضريب الفال، عند الشوافات.

“الحاجة خدوج” إحدى هؤلاء الشوافات، جلست على قطعة من “الكارطون” ، أقرب إلى معانقة الأرض، مستظلة بمظلة قضبانها انتبتها ثعلبة الدأ، وهي تؤرجح بين كفيها الضخمتين أوراق الكارطة، مغمغمة بكلام مبهم لا يكاد يسمع منه سوى اسم الله تعالى… طلبت من “إلياس” (زبون) حل عندها بعد أن قسمت “الكارطة” إلى ثلاث مجموعات، أن يضع يده فوق كل مجموعة، ويقول على التوالي “ها قلبي، ها تخمامي، ها باش ياتيني الله”.. بسرعة البرق فعل إلياس ما أومر به، لتبدأ “الحاجة خدوج” بتلاوة طالعه وحظه، بكلام يقطر عسلا.. “شي مرض خايب غادي تمرض بيه، والطريق لي قدامك ما واضحاش..فيها ناس مزيانين وناس ما عرفتش آش نكوليك..نكوليك عديان نكوليك صحاب..وبرضات الوالدين وجاه النبي والأولية الصالحين غادي تغلب عليهم” عيني إلياس الكليلتين بدأتا تجمعان صبيبا من الدموع، موشكة على أن تنهمر على خذه، لكن أسارير وجهه بدأت تنشرح، بعد سماع “الفال الزين من عند الشوافة”، في سرد غير متناه لطالعه المتأرجح ما بين السلب والإيجاب، ” غادي تزوج واحد بنت الحلال لي غادي تولد ليك شي تريكة صالحة” قاطعها إلياس بسؤال أكثر إلحاحا، ” منين هاد البنت ؟” مجيبة وهي تتأمل غي ورقة ” السوطة ديال الكوباس” يمكن وجدية، ويمكن كرسيفية..”.

اللعب بالكلام، والكلمة الحلوة، واستعمال المحسنات البديعية في خطاباتهم من سجع وجناس، وطباق، هي أسرار بعض السحرة والمشعودين، الذين يستعملونها ويسمعونها، لأحد راغب في الترويج عن نفسه، وسماع كلام يعطيه قوة، ويشحن بطارية حياته من جديد.. تكشف “الحاجة خدوج” ل ” السفير 24″.

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى