في الواجهةكتاب السفير

حتى لا نضيع المستقبل

حتى لا نضيع المستقبل

le patrice

السفير 24 – منير لكماني – ألمانيا

حين ينظر الشاب إلى الأفق ولا يرى سوى جدران تضيق بأحلامه، يصبح الوطن نفسه في مهب الأسئلة. ليست القضية في قلة الطموح، بل في انسداد المسارات. وعندما تُهدر الطاقات في الانتظار أو تُستهلك في صراع مع ظروف معيشية خانقة، يترسخ الخوف من أن ينقلب الشباب من أمل الغد إلى عبء على الحاضر.

نزيف العقول

تُشير تقارير دولية إلى أن كلفة تكوين طالب في مجالات دقيقة كالطب والعلوم التطبيقية تصل إلى ما يفوق 6000 دولار للفرد الواحد. ومع ذلك، كثير من هؤلاء الخريجين يغادرون مباشرة بعد التخرج نحو آفاق أرحب. النتيجة واضحة: تستثمر الدولة في تكوين الكفاءات، بينما تجني بلدان أخرى ثمار هذا الجهد.

شباب على عتبة الرحيل

يحكي “يوسف”، شاب متفوق في الهندسة، تجربته قائلاً: “قضيت سنوات من عمري في الدراسة والتدريب، لكن حين بحثت عن فرصة تليق بمهاراتي، لم أجد سوى عروض برواتب هزيلة، فاخترت المغادرة.”

قصة يوسف ليست فردية، بل مرآة لآلاف الشباب الذين يجدون أنفسهم بين خيارين: البقاء في ظروف لا تُنصفهم، أو الرحيل بحثاً عن قيمة حقيقية لجهدهم.

غياب الرؤية

في بعض المعامل الحديثة، تُستورد آلات متطورة، لكن الخبرة البشرية لتشغيلها نادرة. يروي “الحسين”، وهو عامل تقني: “أشاهد آلات ضخمة تعمل، لكن في كل مرة تحتاج لإصلاح بسيط، ننتظر خبيراً أجنبياً يسافر خصيصاً، بينما شبابنا قادر على التعلم لو أُتيح له التكوين.”

هذه المفارقة تكشف عن فجوة عميقة: استثمار في الحديد والخرسانة، مقابل ضعف الاستثمار في الإنسان.

حلقة مفرغة

الواقع أن نزيف الكفاءات يخلق دائرة مغلقة:
• المؤسسات المحلية تضعف بسبب نقص الخبرة.
• الفرص المتاحة تصبح أقل جاذبية.
• الشباب يهاجر بحثاً عن التطوير.
• والنتيجة… ازدياد النقص في الطاقات المؤهلة.

هذا الفراغ لا يهدد سوق العمل وحده، بل يهدد الثقة الجماعية في المستقبل.

فرص ضائعة

في تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، أُشير إلى أن نسبة الشباب في عمر العمل تشكّل أكثر من ثلث السكان، ومع ذلك يواجهون صعوبات في الاندماج المهني. البطالة في صفوفهم تتجاوز 20% في بعض الفئات.

هذه الأرقام لا تعكس فقط معاناة شخصية، بل تنذر بإهدار قوة بشرية هائلة كان يمكن أن تكون رافعة للتنمية.

بارقة أمل

رغم هذا، هناك تجارب شبابية تبرهن على إمكانية النجاح محلياً. “سمية”، شابة تخصصت في الإعلاميات، اختارت البقاء وتأسيس شركة ناشئة صغيرة في مجال البرمجة. تقول: “الطريق لم يكن سهلاً، لكن بدعم بعض المبادرات المحلية، تمكنا من فتح أبواب جديدة.”

قصتها تُظهر أن التغيير ممكن حين تتوفر إرادة مؤسسية لمساندة الشباب.

المعادلة واضحة: إذا تُرك الشباب بلا أفق، فإنهم لن يروا في وطنهم إلا محطة مؤقتة، وقد يتحول الإحباط إلى قطيعة. أما إذا وُجدت سياسات حكيمة تستثمر في الإنسان قبل الحجر، فسيبقى الأمل قائماً.

ويبقى السؤال الملح: هل نستمر في إنفاق الطاقات والموارد لتغذية اقتصادات الآخرين؟ أم نعيد صياغة مسار التنمية بحيث يكون الشباب في القلب لا في الهامش؟ وهل ندرك أن ربح المعركة على المستقبل يبدأ من اليوم… لا من الغد؟

إعلان gardenspacenouaceur

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى