في الواجهةكتاب السفير

استطلاع للرأي يكشف أن 94% من المغاربة لا يثقون في الأحزاب

استطلاع للرأي يكشف أن 94% من المغاربة لا يثقون في الأحزاب

le patrice

السفير 24 – جمال اشبابي

من يطالع نتائج الاستطلاع الأخير للمركز المغربي للمواطنة، سرعان ما يكتشف حجم الهوة التي اتسعت بين المغاربة وأحزابهم السياسية. أرقام قاسية، بل صادمة: 91,2% من المستجوبين غير منخرطين في أي حزب، وأكثر من 71% لم يسبق لهم الانخراط أصلا، فيما لا تتجاوز نسبة من يفكرون في الانضمام مستقبلا 23,8%. فكيف يمكن الحديث عن وساطة حزبية في ظل هذا الجفاء؟ وكيف يمكن إقناع الشباب بالسياسة إذا كان الحزب، في المخيال العام، مجرد نادي مغلق للنخب نفسها؟

المعضلة لا تقف عند حدود العزوف. الثقة تكاد تكون منعدمة. 94,8% من المشاركين صرحوا أنهم لا يثقون في الأحزاب، و91,5% منحوا أداءها تقييما سلبيا، وهو رقم يفوق حتى البرلمان (89,5%) والحكومة (87,3%). النقابات بدورها لم تسلم، إذ نالت 84,7% من الآراء السلبية، والجماعات الترابية 78,2%، وحتى وسائل الإعلام وضعت في خانة الأداء الضعيف بنسبة 73%. إنها أزمة ثقة شاملة تضرب في العمق كل المؤسسات الوسيطة، وتطرح سؤالا جوهريا: إذا كان المواطن لا يثق في حزبه، ولا في ممثليه، ولا في نقاباته، ولا في صحافته، فأين سيضع رهانه الديمقراطي؟

الأكثر إيلاما أن الأحزاب نفسها تبدو عاجزة عن تجديد دمائها. 97,9% يرون أنها لا تحترم الديمقراطية الداخلية، و98,2% يؤكدون غياب أي تواصل مستمر مع المواطنين. أما اختيار المرشحين فمبني، في نظر 98,2%، على الولاءات لا على الكفاءات. حينها يصبح طبيعيا أن يرى 64,3% أن مفتاح الصعود داخل الحزب هو المال، يليه التملق والولاء (60,8%) والعلاقات الشخصية (57,4%)، بينما لا تتجاوز الكفاءة والخبرة السياسية 28,5% كعامل مؤثر. فهل ما زلنا أمام أحزاب، أم أمام “مقاولات انتخابية” تدار بالزبونية والمال؟

حتى عند لحظة التصويت، يغيب المنطق السياسي. 77,7% من المستجوبين يعتبرون أن العامل المالي هو المحدد الأول لاختيار المرشح، يليه الانتماء القبلي أو الجغرافي (55,4%). أما البرامج الانتخابية، فلا يلتفت إليها سوى 6,2% فقط، والمرجعية الإيديولوجية 8,6%. هل نحن إذن أمام ديمقراطية مفرغة من مضمونها، حيث تباع الأصوات وتشترى، وحيث الانتماء القبلي يتقدم على الانتماء الوطني؟

لماذا فشلت الأحزاب إذن؟ هل لأنها استكانت إلى زعامات فردية عطلت التداول الديمقراطي؟ أم لأنها كرست ثقافة الإفلات من العقاب، حيث تضارب المصالح والفساد المالي والإداري يمر دون محاسبة؟ أم لأن خطابها جمد في شعارات بالية لم تعد تقنع أحدا؟ الحقيقة أن كل هذه العوامل مجتمعة جعلت المواطن يبحث عن بدائل خارج الأطر القانونية، سواء في الشارع أو في الفضاء الرقمي، حيث ولد “حزب افتراضي” حتما، يستقطب الشباب أكثر مما تفعل التنظيمات العتيقة.

لكن، إلى متى سيظل هذا الوضع قابلا للاستمرار؟ إذا كانت 96,7% من الآراء تؤكد أن الثقة في الأحزاب تراجعت خلال السنوات الأخيرة، فهل يكفي تجميل الواجهة ببعض الإصلاحات التقنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ أم أن المطلوب هو مراجعة جذرية تعيد تعريف وظيفة الحزب، وتربط المسؤولية بالمحاسبة، وتفتح الباب أمام الشباب والنساء والكفاءات؟

إن الأزمة اليوم لم تعد مجرد أزمة أحزاب، بل أزمة تمثيلية بأكملها. فإما أن تنجح القوى السياسية في استعادة ثقة مواطنيها عبر الشفافية والوفاء بالوعود والقطع مع المال والنفوذ والمصالح، وإما أن نكون أمام مسار خطير يفرغ الديمقراطية من مضمونها، ويفتح الطريق أمام عزلة سياسية واجتماعية قد يصعب احتواؤها.

إعلان gardenspacenouaceur

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى