رياضةفي الواجهةكتاب السفير
“زلة لسان أم حقيقة؟” تصريح الركراكي عن وجدة يثير عاصفة من الجدل
"زلة لسان أم حقيقة؟" تصريح الركراكي عن وجدة يثير عاصفة من الجدل

السفير 24 – جمال اشبابي
لم يكن تصريح وليد الركراكي بعد مباراة النيجر مجرد جملة عابرة في مؤتمر صحفي روتيني. لقد كان شرارة أطلقت جدلا واسعا، خاصة في مدينة وجدة التي شعرت مرة أخرى أنها مستبعدة من المحافل الوطنية، سواء عبر التهميش المركزي أو عبر كلام يخرج من مدرب المنتخب المغربي.
الركراكي قال بوضوح إنه كان سيقلق لو تأهل بوجدة، لا بالرباط. جملة قصيرة، لكنها ثقيلة بوقعها الرمزي، وكأنها تحمل حكما غير معلن على مدينة كاملة.
لم ينس أهل وجدة بعد أن مدينتهم أُقصيت من احتضان مباريات “كان 2025” ومونديال 2030، في قرار فسر على نطاق واسع كاستمرار لتهميش “الشرق”. واليوم يأتي تصريح الركراكي ليزيد الطين بلة. فالمدينة التي قدمت للكرة المغربية أسماء كبيرة وجماهير استثنائية، تواجه من جديد بوصمة التهميش، هذه المرة على لسان مدرب المنتخب نفسه.
سليمة فراجي، المحامية والنائبة البرلمانية والكاتبة العامة في فريق المولودية الوجدية لكرة القدم، عبرت عن غضبها بوضوح، مؤكدة أن وجدة ليست مدينة حدودية منسية بل عاصمة للشرق وفضاء للحضارة والرياضة والفن. لكنها لم تكن وحدها. فقد توالت ردود أفعال مثقفين ورياضيين من أبناء المدينة، اعتبروا أن كلمات الركراكي “طعنة رمزية” تعيد إنتاج صورة نمطية عن وجدة وكأنها مكان لا يليق بالإنجاز. حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفت الجملة بأنها “انزلاق غير بريء”، ودعا البعض إلى اعتذار رسمي يعيد الاعتبار للمدينة وجماهيرها.
ليست هذه المرة الأولى التي يسقط فيها الركراكي في تصريحات مثيرة للجدل. سبق له أن قال في إحدى خرجاته الإعلامية إن “الجماهير المغربية لا تفهم كرة القدم الحديثة”، وهي عبارة جرت عليه انتقادات واسعة. كما لم يسلم من الجدل حين وصف بعض اللاعبين المحليين بأنهم “لا يملكون العقلية الاحترافية”، وهو ما اعتبره كثيرون تحقيرا لنتاج البطولة الوطنية. واليوم، زلة اللسان الوجدية تأتي لتضعه مجددا في مرمى الانتقادات، وتجعل صورته كمدرب وطني “موحد” عرضة للتشقق.
مدرب المنتخب ليس مجرد تقني يرسم خططا تكتيكية، بل هو رمز يمثل كل الوطن خلف فريق يجمع المغاربة. لذلك، كل كلمة محسوبة، وكل جملة قد تتحول إلى رسالة غير مباشرة. حين يقول الركراكي إن وجدة “مصدر قلق”، فهو يسقط رمزيا مدينة بكاملها من خريطة الراحة والاعتزاز الوطني. الأمر هنا يتجاوز اللغة إلى أشياء أخرى، حيث يشعر أبناء وجدة أن التهميش يتجدد حتى في الرياضة التي يفترض أنها أكثر المجالات قدرة على جمع الصفوف.
لا أحد ينكر أن الركراكي حقق إنجازات كبرى مع المنتخب، لكن المدرب الذي يصنع التاريخ يجب أن يزن كلماته بميزان الذهب. إن الاعتذار المباشر والصريح لوجدة وأهلها لن يقلل من قيمته، بل سيعيد الاعتبار لمدرب يعرف كيف يصحح خطأه. والأهم أن يدرك المسؤولون أن إقصاء وجدة من البطولات ومن الخطاب الرمزي يفتح جروحا عميقة في علاقاتهم بالجهات، جروح لا تعالج إلا بإرادة تضع وجدة حيث تستحق: مدينة في قلب الوطن، لا على هامشه.
ربما كان تصريح الركراكي مجرد زلة لسان عفوية، لكن أثرها العميق يكشف عن حاجة ملحة “للمصالحة” الرمزية مع وجدة. فمدينة الشرق لم تتأخر يوما في الدفاع عن الراية الوطنية، ولم تبخل بجماهيرها وطاقاتها لصالح المنتخب. لذلك، يبقى أحسن رد ممكن من الركراكي والجامعة الملكية هو زيارة رسمية عبر إجراء مباراة للاعتذار والاحتفاء بالجماهير، وذلك أضعف الإيمان. عندها فقط سيطوى الخلاف، وسيتحول الجرح إلى لحظة “وحدة” جديدة، تعيد التأكيد أن المنتخب للجميع، وأن وجدة ليست على الهامش، بل في قلب الحلم الوطني.
الوسوم
المنتخب المغربي وليد الركراكي