في الواجهةكتاب السفير

اكتشاف المصلحة العامة كجثة هامدة بعد تصفية كائنات التسلط الانتهازي بالعمادة السابقة بكلية الحقوق بالمحمدية – الجزء الأخير

isjc

* بقلم: د. المصطفى ساجد

ولعل الإضراب الوطني الأخير، الذي نظمه الاتحاد العام الوطني لدكاترة الوظيفة العمومية يومي 13و14 يناير 2021، يترجم فداحة هذا المرسوم الذي فتح الباب على مصراعيه وعلى الزوبعة التي تهدد مصداقية ومكانة قطاع التعليم العالي، خاصة و أن ما يتم التنديد به بقوة هو أن المباريات تنظم على مقاس مرشحين معينين تمنح لهم الأولية دون مراعاة مبادئ تكافؤ الفرص والكفاءة العلمية والاستحقاق ونزاهة المباريات.

 في هذا الإطار، يجب التوضيح أن كل المؤسسات الجامعية المعنية بمباريات توظيف أساتذة التعليم العالي مساعدين في إطار ما يتم إقراره في عدد مناصب تغيير الإطار.

فرغم الشكايات العديدة التي كان يتوصل بها فيما يخص خروقات واعتداءات العميد السابق بكلية الحقوق بالمحمدية، فالوزير السابق عمل على حمايته وتشجيعه على نهجه وعلى التمادي في خرقه لحقوق الفاعل الجامعي وعلى تحويل المؤسسة إلى “محمية” تخدم أغراض شخصية وفئوية وحزبية و أهداف ضيقة أخرى. فرغم حكم المحكمة الإدارية ضد الإلغاء الغير قانوني من طرفه لمباراة شغل منصب عميد هذه الكلية وامتناعه عن اقتراح مرشح من بين الثلاث المرتبين تحت ذريعة أن المباراة أجريت خلال ولاية الوزير أحمد اخشيشن الذي سبقه كوزير وصي على القطاع وكذلك بمبررات اعتماد دستور 2011، معتبرا أن له صلاحيات تجاهل كل الإجراءات ما قبل الدستور الجديد،  فالوزير لم يعير أي اهتمام لهذا الحكم بعدم تنفيذه وتحقيره لمقرر قضائي، وبالتالي تشبته بمن راهن عليه لمحاربة الفساد !!! 

   فإذا كان لرئيس مؤسسة جامعية دور كبير في فرض صرامة احترام مقتضيات النصوص القانونية، فتحقيق المصلحة العامة يهم جميع مكونات وهياكل المؤسسة الجامعية وذلك بالرجوع إلى القانون 00-01 المنظم للتعليم العالي والذي خصص للهياكل الجامعية (مجلس الجامعة، مجلس المؤسسة، اللجنة العلمية، مركز دراسات الدكتوراه، المسالك) مهام واسعة، بحيث أن رئيس المؤسسة ما هو إلا منفذ لقرارات أغلبية مجلس المؤسسة. وعلى هذا المنوال، فتصفية طاقم العمادة السابقة لا يعني أن الصالح العام سيحل بعصا سحرية و بطريقة أوتوماتيكية محل “النظام الزبوني المستبد” وأن المؤسسة ستوضع على السكة الصحيحة، علما أن تحقيق الأهداف المنشودة ، على مستوى المصلحة العامة والحرص على قيام المهام الجامعية وفق مبادئ المساواة و تكافؤ الفرص اتجاه حقوق و واجبات الفاعلين الجامعيين، مرتبطا بعمل ذوي المسؤوليات البيداغوجية و العلمية والمالية داخل الهياكل الجامعية. وفي هذا الصدد، يجب الإشارة إلى دور التمثيليات النقابية والطلابية في الدفاع عن الحقوق المشروعة لجميع الفاعلين الجامعيين وفي الحرص على قدسية الحرم الجامعي كفضاء للحريات والعطاء والابتكار وللتصدي بقوة لجميع أشكال الاعتداءات و التجاوزات التي تهدف إلى تبخيس قيمة ومكانة الفاعل الجامعي وتقزيم دوره الطلائعي في التغيير المجتمعي، بحيث أن النهج الريعي للسياسة الاقتصادية لا يمكن له بتاتا أن يخدم المهام الاجتماعية ، خاصة و أن الطبقة النافذة سياسيا واقتصاديا و المتحكمة في تسيير شؤون البلاد تحقق مصالحها في الهيمنة والاحتكار الاقتصادي بالمنظور الريعي المذر للربح السريع والفاحش، وبالتالي تهميش التمويل العمومي للقطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة. 

   فقد ولى زمان كانت مواقف و مقالات وكتب المثقف الجامعي تزعج حكام الدول الديكتاتورية والأقل ديمقراطية والتي كانت ترى في المثقف الجامعي، ذو الارتباطات السياسية والثقافية والاقتصادية الوطنية و الكونية، عدوا لمصالحها ولقبضتها على الثروة والسلطة والتي، لاستمرارية السطو على احتكار الثروة والسلطة، تجند مالها من وسائل وآليات لقمع وتعنيف وتصفية هذا النوع من المثقف العضوي بالمفهوم الغرامشي.

 وكما يقول محمود درويش إن أعمار القادة والمتسلطين قصيرة، وكما قال الروائي المغربي محمد زفزاف ان الديكتاتوري هو إنسان مريض، وخطورة هذا المرض هو وجود هذه النماذج للأسف، بمكان هو صرح لإنتاج العلم والمعرفة، وبالتالي لا يقبل بتاتا وجود هذا الصنف من الكائنات ضمن حرمها المرتبط في أذهان المفكرين والباحثين بالحرية والإبداع وصون كرامة جميع الفاعلين. وتسخير هذا الصرح لأغراض شخصية نفعية دنيئة هو انتقاص من صورتها وجريمة لا تغتفر. 

فإذا كانت حالات نفسية تتلذذ وتستطيب منطق العجرفة واستعراض العضلات، كما تعمل على تحقيق ذاتها في تقمص دور رجل سلطة بقرية مضطهدة بالقمع والتهميش والإقصاء، أو “مخازني” يعمل ضمن حاشية “الحاكم” لمنطقة خلال الحقبة الاستعمارية، فالتسلط في مجال دائرة هذا المرفق العمومي، عبر فرض القبضة الحديدية بشتى الوسائل والممارسات من ترهيب واحتواء وتدجين، يهدف إلى استغلال المهام والمرافق والموارد والسيطرة على جميع قنوات ومنابع “الكعكة” بمفهومها الواسع. فتاريخيا، الجامعات العمومية في كافة سائر المعمور تعتبر بؤرا للمقاومة الفكرية والإشعاع المعرفي والعلمي وللفاعلين بها ارتباطات عضوية بهموم وطموحات الشعوب التي تسعى إلى العدالة الاجتماعية والحرية في إطار أنظمة سياسية واقتصادية تخدم المصلحة العامة ورفاهية الجميع. 

مع الأسف، أن هذا الديناصور الجامعي الذي كان يهابه الحكام لعمق فكره وتحليله المنسلخ عن القيود وعن الخطوط الرسمية وبارتباطاته المجتمعية، أصبح في طور الاندثار والانقراض ضمن صنف الكائنات الاركيولوجية، وحلت محله الكائنات الانتهازية التي أصبحت تتفشى كالفطريات والتي لا هم لها سوى التسلق السريع وحرق المراحل لتحقيق الأهداف الشخصية واستنفادها بتحريك كل الوسائل وكل التلوينات والتواطؤات؛ هذه النماذج، التي تدخل في تطاحنات وصراعات ضيقة و ولاءات وحتى ملاكمات لشغل مسؤوليات إدارية وعلمية وبيداغوجية، هي التي سهلت مأمورية الاختراق والتبخيس بالمؤسسات الجامعية التي لم تبقى محصنة وفي منأى عن استفحال منطق السوق و اكتساح دوالبيها ومهامها بتوغل رأسمالية متوحشة تسعى إلى تبضيع وتسليع المعرفة والخدمات الاجتماعية ومرافق اقتصاد الحياة والثروات الطبيعية وحتى طبيعة العلاقات بين الأفراد باعتبار كل خدماتهم وعلاقاتهم قابلة للتسليع. وعلى هذا المنوال، فجميع القيم – الكرامة والشرف والمصلحة العامة والتضحية والنزاهة والاستقامة والجهد والتضامن والصراع…-تصبح في ظل المناخ الرأسمالي المعولم مفاهيم منتهية الصلاحية.

أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية*

الإدارة

مدير النشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى