
السفير 24 – اسماعيل الحلوتي
مرة أخرى وجد المواطنون المغاربة أنفسهم على موعد مع رئيس الحكومة عزيز أخنوش مساء يوم الأربعاء 10 شتنبر 2025 في لقاء تلفزيوني خاص، بث في وقت واحد على القناتين العموميتين الأولى والثانية، وهو الحوار الذي أراد من خلاله إلى جانب استشراف أولويات المرحلة القادمة، محاولة إقناع عموم المشاهدين بما يعتبره هو شخصيا “حصيلة إيجابية وملموسة” للتحالف الحكومي الثلاثي في الأربع سنوات الماضية، وعلى بعد عام واحد فقط من انقضاء عمر ولايته الدستورية، معززا ذلك باستعراض أرقام حول مضاعفة الموارد المالية، توسيع الحماية الاجتماعية وتحقيق نمو اقتصادي معتبر.
بيد أن الحوار لم يعمل سوى على إثارة الأعصاب وردود أفعال غاضبة، جلبت على رئيس الحكومة أخنوش موجة عارمة من الانتقادات الحادة، إذ فضلا عن طبيعة الأسئلة الموجهة إليه من قبل الإعلاميين كولحسن ولشكر، التي بدت مغرقة في المجاملة إن لم نقل مخدومة من قبل باتفاق معه، لاسيما أن اللقاء كان مسجلا وبعيدا عن حرارة النقاش العفوي والمباشر، مما فوت على المواطنين الإحساس بالصدق ولمس الشفافية، مخلفا وراءه استنكار شديد في صفوف أحزاب المعارضة، التي ترفض بقوة استغلال رئيس الحكومة وحزب “الأحرار” إمكانيات القطب العمومي في القيام بحملة انتخابية سابقة لأوانها، وتطالب بالإنصاف عبر منحها هي كذلك فرصة المرور في القنوات الرسمية بنفس المساحة الزمنية…
فمعظم المواطنات والمواطنين المغاربة الذين تابعوا اللقاء المتلفز، أصيبوا بخيبة أمل كبرى وخرجوا بانطباعات مخالفة لما كان يهدف إلى تحقيقه رئيس الحكومة من أهداف، معتبرين أن ما جاء على لسانه ليس سوى “هضرة خاوية”، وأن ما يتفاخر به من حصيلة مجانب للحقيقة ولا يرقى إلى مستوى تطلعاتهم، في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تواصل مسلسل غلاء الأسعار، ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي، صعوبة الولوج إلى العلاج في المراكز الاستشفائية، وتفشي الفساد بمختلفأشكاله في المؤسسات والإدارات العمومية.
إذ أنه أراد تلوين الواقع المتأزم بغير لونه الحقيقي، فزاده غموضا وقتامة، ناسيا أو متناسيا أن المغاربة يعانون من مشاكل عميقة، واستمر في تقديم الوعود البراقة كما لو أنه في السنة الأولى من ولاية الحكومة. والأدهى من ذلك أنه لم يستحي من وجود 12 مليون مستفيد من الدعم الاجتماعي، علما أن هذا الرقم يعكس هشاشة ثلث المغاربة، ولا من الأزمات التي أثارها سوء التدبير من خلال الإضرابات الطويلة التي شهدها قطاع التعليم وتلك التي كادت أن تعصف بالسنة الجامعية لطلبة كلية الطب والصيدلة وطب الأسنان، ولا من عديد الفضائح والمطبات، ومنها فضيحة تحلية مياه البحر، فضيحة “الفراقشية”، ورطة تضارب المصالح، بدعة المؤشر واختلال الدعم الاجتماعي، وما إلى ذلك من المشاكل والاختلالات…
وكما هي عادته كلما سنحت له الفرصة، حاول خلال إطلالته غير الموفقة ولا المقنعة أن يختفي خلف الأوراش الكبرى مثل الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية، الدعم المادي المباشر لعديد الأسر المغربية والأرامل، معالجة أزمة الماء، دعم السكن ومدارس الريادة، على أنها إنجازات حقيقية وملموسة، لكن أحزاب المعارضة ترى فيما يتبجح به من أوراش أنها أوراش ملكية، وأن حكومته فشلت في تنزيلها.
فهل نسي رئيس الحكومة الذي تحدث عن خلق 600 منصب شغل، أن بيانات المندوبية السامية للتخطيط كشفت عن معطيات صادمة، وأظهرت أن معدل البطالة لا يزال مستقرا عند 12 في المائة، مع نسب أعلى بين الشباب والنساء، وأن المؤسسات الدولية خفضت توقعات النمو الاقتصادي للمغرب إلى متوسط 3,3 في المائة فقط، وهي نسبة أقل بكثير من الأرقام التي قدمها. وأن تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأخيرة، حذرت بشكل صريح من هشاشة الوضع المالي المغربي، مشيرة إلى أن خدمة الدين العام تجاوزت 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مما يهدد الاستقرار المالي على المدى المتوسط؟
وعلى عكس ما يدعيه رئيس الحكومة من “نجاحات غير مسبوقة” وخاصة في القطاعات الفلاحية ومشاريع تحلية المياه، يرى عدد من المراقبين والمهتمين بالشأن العام ببلادنا أن تلك الإنجازات مازالت غير كافية، وخاصة في ظل استمرار تدهور الخدمات الأساسية من قبيل الصحة والتعليم، إن على مستوى قلة الموارد البشرية أو ضعف البنى التحتية. فيما يرى خبراء اقتصاديون أن ما قدمه من أرقام، تبدو إيجابية على الورق فقط، ولا تعكس حقيقة الواقع اليومي للمواطن المغربي، كما أنها لا تستطيع أن تحجب التباطؤ الحاصل في الاستثمار الخاص وتراجع الاستهلاك الداخلي، وأنه لا بد من أن تعطى الأولوية لرفع القدرة الشرائية للمواطنين، تعزيز العدالة الاجتماعية، الحد من الفوارق المجالية والنهوض بالعالم القروي…
إن المغاربة سئموا كثيرا من لغة الإنجازات “الوهمية” والأرقام الجافة التي لا تعكس حقيقة معاناتهم، وليسوا بحاجة إلى مسؤولين لا يجيدون عدا إطلاق الكلام على عواهنه كما أنهم يرفضون بشدة الاستمرار في دفع فواتير سوء التدبير من قوتهم وقوت أبنائهم اليومي، مما جعلهم يفقدون الثقة في النخب السياسية والمؤسسات المنتخبة، ولاسيما في ظل تنامي الشعور بعجز الحكومة عن اجتراح الحلول الملائمة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وحماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة من غلاء الأسعار وارتفاع التضخم…