إن كنت مسؤولا فعلا ؟!

السفير 24 | حسن راقي_مدير النشر
بإحدى الدوائر الأمنية بعين الشق بمدينة الدار البيضاء، وبالضبط بمصلحة جرائم الشيكات بهذه الدائرة تبادلت أطراف الحديث، أنا والمسؤول عن هذه المصلحة حيث دخل معي في حوار حول الصحافة، فقال لي بالحرف أنا لا أعترف بالصحافة لأنه كل من هب ودب يقول لك أنا صحفي لأني أعرف بائع المثلجات (مول لاباني) مراسل صحفي، ولهذه الأسباب، أنا لا أقرأ أية جريدة مغربية سواء الحزبية أو المستقلة بل أقرأ الجرائد الأجنبية مثل جريدة Le Figaro.
إنتهى كلام هذا المسؤول، الذي إكتشفت فيه حقداً اتجاه الصحافة ربما يكون دفيناً في نفسه لعقود من الزمن لسبب أجهله، فتصريحات هذا المسؤول تنم عن المستوى الأخلاقي الدنيء وإن صح التعبير الرذيل.
ففي البداية أود أن أقول لك بأن آلاف الأشخاص الذين يمتهنون مهناً أو حرفاً ثانوية مثل مول ” لاباني” كما تقول، هم حاصلون على شواهد ودبلومات عليا من طرف الدولة، ويحصلون على رزقهم بعرق جبينهم ولاينتظرون مرتبا شهريا من الدولة أو إيتاوات أو إكراميات أو حتى رشوة من أحد، ومن حق هاذ مول “لاباني” كما تقول وبقوة القانون ” قانون الحريات العامة ” أن يكون مراسلا أو صحفيا لأن ذلك يضمنه له الدستور المغربي والميثاق العالمي للحريات العامة، فلا يجب عليك أيها المسؤول الأمني ” إن كنت مسؤولا فعلا ” أن تكون جاهلاً أو نائما في دار غفلون.
وأود أن أقول لك أيضاً أن قانون الصحافة مضمن بظهير ملكي شريف، فلا أنا ولا أنت أو غيرك ومهما على شأن أي شخص في هذه البلاد أن يتكبر أو يتعجرف على الظهائر الملكية. فنحن نعتز ونفتخر عندما يلقبون الصحافة ب ” صاحبة الجلالة” ، فلولا الصحافة لما عرفت أنت ماذا يحدث حتى بجوارك، وإذا كنت تظن أنك لديك السلطة على الغير فسلطتك محدودة بقوة القانون والعود اللي تحكروا يعميك كما يقول المثل الشعبي المغربي، فنحن لسنا في زمن البصري وأمثاله.
فمئات الصحافيين في المغرب حاصلون على شواهد عليا وتحملوا زمام المسؤولية دون تطاول على أحد ودون أن يكونوا عبئاً على الدولة أو ينتظرون منها راتباً شهرياً، في حين أن إداراتنا العمومية مليئة بالمسؤولين الذين لم يتجاوز مستواهم الدراسي حتى الشهادة الإبتدائية، لكن وصلوا إلى مراتب متقدمة بطرق ملثوية ربما حتى الطفل الصغير يعرفها.
كما أود أن أقول لك كذلك أن الصحافة المغربية كانت دائماً بجانب المواطنين المغاربة بمختلف مستواياتهم المعيشية والعملية والإجتماعية، وكانت دائماً بجانب العديد ممن ليس لهم الحق في التظاهر أو الإحتجاج أو حتى الإنظمام تحث لواء النقابات وأنت تعرف ماذا أقصد.
فالصحافة كان لها دوراً حاسما في وصول العديد من مسؤولي الدولة إلى مراتب عليا، ونعرف العديد من المسؤولين الكبار بمختلف الأجهزة يثنون الثناء الحسن على دور الصحافة ويعترفون لها بجميل المعروف، رغم أن الصحفي لايعتبر هذا المعروف “معروفاً” بل واجباً مهنياً تقتظيه أخلاقيات المهنة.
وللتذكير فإن الذكرى تنفع المؤمنين، أنا لايهمني أن تكون تقرأ ” Le Figaro” الفرنسية أو حتى الواشنطن البوست الأمريكية فتلك قناعاتك، أما أنا فكصحفي أهتم بكل ماهو مغربي وأفتخر بأن أقرأ لصحفيين وكتاب ومحللين مغاربة وأعتز بمغربيتي وهويتي العربية والإسلامية، وأعمل على تشجيع كل منتوج مغربي لأن بلادي وفرت لي كل شيء رغم العديد من الإكراهات حتى أصبحت مسؤولا صحفيا، فهي مدينة لي، وعلى هذا الأساس فأغلب الصحفيين يشتغلون في مقاولات صحفية توفر للدولة ضرائب وأرباح تساهم في الناتج الداخلي الخام، حتى تتمكن من آداء رواتب مسؤول يحتقر مول “لاباني” هذا المنتوج المثلج الذي كان يسيل لعاب أي واحد منا في سن الطفولة بمجرد ما ثراه عيناه..
فقبل أن أختم كلامي لك ولأمثالك ذوي النية الحقودة اتجاه رجال الإعلام، أود أن أقول لك بأن هناك مسؤولين أمنيين أقدر عملهم الشريف وأُثَمِنُ تضحياتهم الجسام من أجل خدمة هذا الوطن والمواطنين، ويجب عليك أن تراجع أفكارك الرجعية التي ربما قد تضعك في موقف لا يرضى عنه رؤساؤك.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا كنت كما تقول ممن يقرؤن جريدة ” Le Figaro ” دون غيرها من الجرائد وتقول بأنك لاتعترف بالجرائد والصحف المغربية، فهذا دليل على ضعف وتواضع رصيدك المعرفي وصدق المثل القائل:
رجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري، فذاك ناسٍ فذكروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك طالبٌ فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه.